الاقتصاد في الحضارة الإسلامية

الاثنين- 29 شعبان 1434 الموافق8 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الكاتب: د/ راغب السرجاني

يهتم علم الاقتصاد بدراسة السلوك الاقتصادي للأفراد والمجتمعات كالإنتاج والاستهلاك والادخار وتبادل السلع والخدمات، وبالتالي فهو يتصل بكل جوانب الحياة ويتميز بالعمومية والإحاطة.. وينتمي علم الاقتصاد إلى العلوم الاجتماعية، كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة..

تعريف علم الاقتصاد:

        “القصد” في اللغة خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير… وفي الحديث: “ما عال مقتصد ولايعيل” أي ما افتقر من لايسرف في الإنفاق ولا يقتر. (لسان العرب، ج3، ص353.)

        ويُعرِّف المتخصصون علم الاقتصاد بأنه ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية الذي يبحث الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية لإنتاج السلع وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين أفراد المجتمع.

الأمور التي يهتم بها علم الاقتصاد:

        يختص علم الاقتصاد بدراسة الأمور الآتية:

1- ماهية السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع، أي ماهية السلع والخدمات التي يجب على المجتمع أن ينتجها وفقاً لموارده الاقتصادية المتاحة، والتي تتميز بالندرة النسبية، الأمر الذي يقتضي المفاضلة بين الاستخدامات البديلة من خلال آليات السوق.

2- بأي طريقة يتم الإنتاج، فهناك طرق إنتاجية متعددة مثل:

طرق إنتاجية كثيفة العمالة.

طرق إنتاجية كثيفة رأس المال.

طرق إنتاجية كثيفة التكنولوجيا.

3- كيفية توزيع الإنتاج بين أفراد المجتمع، أي كيفية توزيع الناتج القومي من السلع والخدمات بين عناصر الإنتاج المشاركة في العملية الإنتاجية، كالعمال، ملاك الأراضي، أصحاب رأس المال، التنظيم، وقد شهد العالم العديد من الأنظمة الاقتصادية أهمها:

النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يوائم بين الملكية الخاصة والملكية العامة.

النظام الرأسمالي الذي يقوم علي أساس الحرية المطلقة للأفراد في ممارسة النشط الاقتصادي، والحد من الملكية العامة.

النظام الاقتصادي الاشتراكي والذي يركز علي الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج.

4- مدي الكفاءة التي تُستخدم بها الموارد الاقتصادية، أي ما إذا كان الإنتاج يتم بطريقة كفؤة ويوزع أيضاً بكفاءة.

5- هل موارد المجتمع موظفه توظيفاً كاملا؟

6- هل الطاقة الاقتصادية تنمو بصورة مطردة مع الزمن أم أنها تظل ثابتة؟

فروع علم الاقتصاد:

        ينقسم علم الاقتصاد إلى فرعين:

1- الاقتصاد الجزئي:

        ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الجزئية، مثل دراسة سلوك الوحدات الاقتصادية الفردية، كسلوك المستهلك وسلوك المنتج، ونظرية الثمن، وسعر السلعة..

2- الاقتصاد الكلي:

        ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الكلية كالناتج القومي والدخل القومي والاستثمار والادخار والطلب الكلي والعرض الكلي..

        ويُستخدم الاقتصاد القياسي الذي يُعنَى باستخدام التحليل الرياضي والإحصائي، في كل من دراسات الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي.

المشكلات الاقتصادية:

        ينبغي على كل أمة أن تنظم عملية إنتاج السلع وتوزيعها والخدمات التي يطلبها مواطنوها، ولتحقيق ذلك فإِن النظام الاقتصادي للأمة لابد له من طرح الحلول المناسبة للأسئلة الأربعة الأساسية التالية:

1- ما الذي ينبغي إنتاجه من السلع والخدمات؟ 2- كيف سيجري إنتاج تلك السلع والخدمات؟ 3- من الذي سيتلقى السلع والخدمات المنتجة؟ 4- بأي سرعة سينمو الاقتصاد؟

ما الذي ينبغي إنتاجه؟

        ليس بإمكان أي أمة أن تنتج كل ما يكفيها من السلع والخدمات اللازمة للوفاء بكامل احتياجات مواطنيها، ولكن أيُّ السلع والخدمات التي يمكن اعتبارها أكثر أهمية من بين مجموعات السلع والخدمات المختلفة؟ هل من الأفضل استخدام الأرض لرعي الماشية أم لزراعة القمح؟ وهل يجب استخدام المصنع لإنتاج الصواريخ، أم لإنتاج الجرارات، أم أجهزة التلفاز؟

كيف سيجري إنتاج السلع والخدمات؟

        أينبغي على كل أسرة أن تزرع غذاءها وتنسج كساءها؟ أم ينبغي إنشاء صناعات متخصصة لتوفر تلك السلع؟ أم ينبغي استخدام العديد من العمال في صناعة معينة؟ أم من الأفضل صناعة المزيد من الآلات التي تضطلع بمختلف المهام؟

من الذي سيتلقى السلع والخدمات؟

        هل يجب أن ينال الجميع أنصبة وحصصًا متساوية من السلع والخدمات؟ وما السلع والخدمات التي يجب أن تُخصص للقادرين على شرائها؟ ثم ما السلع والخدمات التي يجب توزيعها بطرق أخرى؟

بأي سرعة سينمو الاقتصاد؟

        ينمو الاقتصاد حينما يُنتج المزيد من السلع والخدمات، وعلى الأمة أن تُحدد النسبة من مواردها النادرة التي ينبغي أن تُستعمل لبناء المصانع والآلات، ولتقديم المزيد من التعليم لأبنائها بما يكفل زيادة الإنتاج في المستقبل، كذلك يجب معرفة كم من موارد البلاد يلزم تخصيصه لإنتاج السلع والخدمات، مثل الغذاء والكساء للاستهلاك المباشر، إضافة إلى ذلك ينبغي على الأمة أن تُقرر الكيفية التي تتفادى بها البطالة والنكسات الاقتصادية الأخرى التي تبدد موارد البلاد.

تنمية الاقتصاد:

        لابد للاقتصاد من النمو حتى يتمكن من توفير مستوى معيشي مرتفع ومتزايد للناس، أي ما يكفل لهم الحصول على المزيد من السلع والخدمات، وأن تكون نوعيتها أفضل، وبصورة عامة فكلما تسارع نمو اقتصاد بلد ما تحسنت مستويات المعيشة فيه وارتفعت، وهنالك أربعة عناصر رئيسية تجعل من الممكن للبلاد أن تنتج السلع والخدمات، وهذه العناصر التي تسمى بـالموارد الإنتاجية هي: 1- الموارد الطبيعية 2- رأس المال 3- اليد العاملة 4- التقنية.

        يعرِّف الاقتصاديون الموارد الطبيعية بأنها تشمل الأرض والمواد الخام، مثل: المعادن والمياه وضوء الشمس.. ويضم عنصر رأس المال المصانع والأدوات والمؤن والمعدات، أما اليد العاملة فتعني كل الناس الذين يعملون أو يبحثون عن عمل، كما تعني مستوياتهم التعليمية وخبراتهم العملية، وتشير التقنية إلى البحث العلمي والبحث في مجال الأعمال والمخترعات.

اقرأ أيضا  استجواب خمسة شهود في انهيار مبنى جاكرتا من طرف الشرطة

        ولتحقيق النمو، فإن اقتصاد أمة معينة لابد أن يزيد من مواردها الإنتاجية، فعلى سبيل المثال ينبغي على الأمة أن تستعمل جزءًا من مواردها لبناء المصانع والمعدات الثقيلة وغيرها من المواد الصناعية، ومن ثم يمكن استعمال هذه المواد الصناعية لإنتاج المزيد من السلع الأخرى في المستقبل، كذلك ينبغي على البلاد أن تبحث عن المزيد من الموارد الطبيعية وأن تنميها، وأن تبتكر تقنيات جديدة، وأن تُدرب العلماء والعمال ومديري الأعمال الذين سيوجهون الإنتاج المستقبلي، وتُسمى المعرفة التي تكتسبها هذه الفئات “رأس المال البشري“.

قياس النمو الاقتصادي:

        إن قيمة كل مايُنتج من سلع وخدمات في سنة معينة تساوي الناتج الوطني الإجمالي، ويُقاس معدل نمو الاقتصاد بالتغير في الناتج الوطني الإجمالي خلال فترة معينة، عادة ماتكون سنة بعد سنة، وفي الفترة من سنة 1970 إلى 1988م نما الناتج الوطني الإجمالي لبلدان مختلفة بمعدلات متوسطة يختلف بعضها عن بعض كثيرًا، وذلك بعد إجراء التصحيحات اللازمة لاستبعاد أثر التضخم، وقد تحققت المعدلات التالية: بريطانيا 2،2%، الولايات المتحدة 2،9%، أيرلندا 3%، أستراليا 3،3%، كندا 4،4%، ماليزيا 6،5%، سنغافورة 8%، هونج كونج 8،8%، جنوب إفريقيا 9،2%.

        ويُمكن قياس درجة النمو الاقتصادي للبلاد باتباع طريقة أخرى، وذلك بدراسة المستوى المعيشي لمواطني البلاد، وللحكم على المستوى المعيشي يُقسم الاقتصاديون أحيانًا الناتج الوطني الإجمالي للبلاد على إجمالي عدد السكان، وينتج من ذلك الحصول على مقياس متوسط الناتج الوطني الإجمالي الفردي، ويقيس متوسط الناتج الوطني الإجمالي الفردي قيمة السلع والخدمات التي قد يحصل عليها الفرد في المتوسط، وذلك إذا ماتم تقسيم كل السلع والخدمات المنتجة في البلاد في تلك السنة على السكان بصورة متساوية.

أهداف المجتمع الاقتصادي:

        تتمثل الأهداف الرئيسية التي تسعى كافة المجتمعات إلى تحقيقها فيما يلي:

1- الكفاءة: وتعني الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، وعادة يميز الاقتصاديون بين نوعين من الكفاءة:

الكفاءة الفنية: وتعني إنتاج أكبر كمية من السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة.

الكفاءة الاقتصادية (التوزيعية): وتعني إنتاج السلع والخدمات بالكميات التي يريدها المجتمع.

2- النمو الاقتصادي: ويعرف بأنه زيادة كمية السلع والخدمات التي يمكن إنتاجها في المجتمع مع مرور الزمن.

3- الاستقرار الاقتصادي: ويعني ذلك ثبات الأسعار وعدم وجود تقلبات غير طبيعية في المستوى العام للأسعار.

4- العدالة: وتعني توزيع الدخل أو الناتج القومي بين أفراد المجتمع بطريقة عادلة. (انظر: موقع: “الموسوعة العربية العالمية”، وموقع: “جامعة العلوم والتكنولوجيا.)

النظرية الاقتصادية:

        يقول علماء الاقتصاد: إن النظرية الاقتصادية مفهوم متكامل يقوم على دعامتين هما: الإنتاج والتوزيع، ولكل منهما نظرية تكمل الأخرى، كما يرون أن للنقود نظرية ثالثة تمد الباحث في الدراسات الاقتصادية بمادة جديرة بالنظر العلمي إلا أنها غير منفصلة عن جوهر الاقتصاد وهو: إنتاج وتوزيع؛ ولذلك يمكن القول بوجود نظريات ثلاث متكاملة: إحداها للإنتاج، والثانية للتوزيع، والثالثة للنقود، ومنها مجتمعة تتألف النظرية الاقتصادية. (أبو زيد شلبي، تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ص46.)

علم الاقتصاد الوضعي قبل وبعد الإسلام

        لا شك أن الأفكار الاقتصادية قديمة قدم الإنسان نفسه، ومنذ صدور الأمر الإلهي إلى سيدنا آدم بالهبوط من الجنة إلى الأرض وذلك بهدف إعمار الكون والسعي في طلب الرزق، وهذا يعني ببساطة: “العمل والإنتاج”، وهما – كما أشرنا – أساس الاقتصاد؛ قال تعالى: (قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) {الأعراف/24.}

        واعتبارا من هذا التاريخ والإنسان في صراع مع الطبيعة يحاول إخضاعها لسيطرته، وتسخيرها لخدمته، وذلك بأن يستخرج منها كل ما يكفي احتياجاته ويشبع رغباته، وقد ترتب على ذلك أن واجهته العديد من المشكلات الاقتصادية، وفي سعيه المستمر للتغلب عليها وتطوير قواه الإنتاجية والعملية الاقتصادية بأكملها، نشأت العديد من الأفكار الاقتصادية والتي تعد نتاج الممارسة العملية.

        ثم انشغل بعض فئات المجتمع بالفكر بصفة عامة في مختلف أنواعه، وفي إطار ذلك كانت لهم بعض الأفكار الاقتصادية المحدودة بسبب محدودية العملية الاقتصادية؛ فالحاجات محدودة جدا وتنحصر في المأكل والمأوى والملبس، وأدوات الإنتاج بسيطة جد، وتعتمد على القوة الجسدية للإنسان بجانب بعض الأدوات المحدودة جدا.

        فقد عرفت مصر القديمة الملكية الفردية، بالإضافة إلى ملكية الانتفاع، كما كانت هناك ملكية مقيدة وتتمثل في أراضي توقف على المعابد لكسب تأييد رجال الدين، غير أن كل ذلك في إطار أن الحاكم وهو الفرعون (والإله) هو المالك الأسمى لكل الأراضي، كما عرفت النقود السلعية كالقمح أولا، ومع التطور ووجود فائض زراعي والتوجه إلى المبادلة والتجارة استخدمت النقود المعدنية وخاصة الذهب، وهناك الكثير من البرديات يشير إلى ذلك.

        وأما بشأن بلاد بابل أو ما بين النهرين فكان النشاط الاقتصادي أيضا يرتكز على الزراعة والتجارة، ورغم أن المالك الأسمى للأرض هو الملك (وكان له أيضا صفة الإله) فقد كانت هناك أنواع مختلفة من الملكية، ثم أصبحت الملكية الفردية هي الغالبة، ويحتل قانون حمورابي أهمية بالغة في المجالات الاقتصادية، حيث أورد تنظيما دقيقا لأمور الملكية والربا وغيرها، كما كان يتم استخدام النقود المعدنية في المبادلات.

        أما النظام العبراني فتشير الدراسات إلى أنه قد عرف في مرحلة متأخرة التجارة الداخلية والخارجية، وارتبط بذلك الاتجاه نحو تجميع الثروات، ووجود طبقة شديدة الثراء، وارتفاع الضرائب، وزيادة أعداد فئات وطبقات الفقراء، وأدى هذا التغير الاقتصادي إلى ثورة أنبياء بني إسرائيل ضد الجشع واستغلال النفوذ من جانب التجار والمرابين، فكان تحريم الربا على القروض خصوصا بين العبرانيين، أما غير العبرانيين فكان بنو إسرائيل يتعاملون بالفائدة (الربا) معهم.

اقرأ أيضا  وزارة البيئة والغابات : حماية الغابات يمكن أن تحافظ على تخزين المياه وجودتها

        ولقد كان النشاط الاقتصادي عند الإغريق يرتكز على الزراعة البدائية، وكانت الوحدة الإنتاجية في الزراعة ثلاثة أنواع: وحدات كبار الملاك، ووحدات صغار الملاك، ووحدات مملوكة للدولة، وكانت التجارة الداخلية محدودة بسبب محدودية الحاجات، وكان يُعتَمَد على التجارة الخارجية في استيراد العديد من المنتجات الزراعية وغيرها.

        وفي إطار هذا الاقتصاد البسيط، وفي ظل نهضة فكرية ملموسة ومشهورة كانت هناك بعض الأفكار الاقتصادية والتي تتميز بالريادة والإحاطة بالكثير من مكونات التحليل الاقتصادي غير المسبوق في هذه المرحلة التاريخية، فقدم أفلاطون في كتابه الجمهورية، وتحليله الشهير للمدينة المثالية العديد من الأفكار الاقتصادية المهمة، وكان من ذلك رأيه بضرورة وضع ضوابط للملكية الفردية أو الخاصة، وأنها يجب ألا تكون مطلقة.

        وقد اقتفى أثر أفلاطون تلميذه أرسطو إلا أن آراءه كانت – في الغالب – تحمل وجهات نظر متباينة معه؛ فقد كان أرسطو مناديا ومحبذا للملكية الخاصة بشكل مطلق، ولكل أفراد المجتمع دون استثناء، ولكل فرد حرية تملك المال والتصرف والاستعمال والاستغلال، واعتبر الملكية حقًّا طبيعيًّا للفرد، وكان لذلك أبلغ الأثر في أوربا فيما بعد.

        وإذا كان الرومان لم يقدموا فكرا اقتصاديا يستحق الذكر إلا أنهم قد أثروا في الفكر الاقتصادي مؤخرا وذلك عن طريق أفكارهم والتي تتمثل فيما يلي:

1) فكرة القانون الطبيعي، حيث تعني هذه الفكرة بوجود قانون ليس من خلق الإنسان ولكنه من خلق الطبيعة يحكم العلاقات الاقتصادية، وله صفة الدوام والعمومية، وقد ساد هذا الاعتقاد في القرن الثامن عشر لدى مدرسة الطبيعيين وكذلك لدى المدرسة الكلاسيكية.

2) فكرة المذهب الفردي: وتتضمن هذه الفكرة حق كل شخص في أن يعقد ما شاء من العقود، وكذلك الصفة المطلقة لحق الملكية، وأن يترك النشاط الاقتصادي حرا بدون تدخل من الدولة، وتعتبر هذه الفكرة أساس النظام الرأسمالي الذي ظهر واستقر منذ القرن السادس عشر حتى اكتمل بناؤه في القرن التاسع عشر.

        هذا وقد كان النظام الطبقي هو السائد قديما كما عند اليونان والرومان، حيث كان المجتمع مقسم إلى الحاكم والنبلاء، وطبقة الزراع والصناع، وطبقة العبيد والأرقاء، مما كان له أثره المباشر في النظام الاقتصادي السائد. (انظر: عزت عبد الحميد البرعي، تاريخ وتطور الفكر الاقتصادي، ص213 – 232.)

        ولقد كان من بين أقدم النظم الاجتماعية – الاقتصادية (النظم التي تتضمن عوامل اجتماعية واقتصادية مشتركة) نظام العزبية ـ نسبة إلى عزْبة، وقد هيأ ذلك النظام الحلول للمسائل المتعلقة بكيفية إنتاج السلع وتوزيعها في مجتمع زراعي، وتحت ذلك النظام يقوم ملاك الأرض بتأجيرها للمستأجرين، أو باستخدام العمال للعمل على الأرض مقابل أجر، ومازال هذا النظام ساريًا في عالم اليوم في بعض البلدان، وقد بدأ نظام العزبية منذ نهاية الإمبراطورية الرومانية، وانتشر في غرب أوروبا، وبحلول القرن الثاني عشر الميلادي، نمت المعارضة لذلك النظام، وأدى التطور الاقتصادي إلى نمو المدن والدول، حيث كانت لكل واحدة منها نظرتها المختلفة لمبدأ تقسيم السلطة، وقد تلاشى النظام العزبى أولاً في غرب أوروب، ولكنه بقي في بعض الأجزاء الأخرى من أوروبا حتى القرن التاسع عشر.

        ولم يتم تطوير النظريات الرئيسية الأولى الخاصة باقتصاديات الأمم إلا في القرن السادس عشر الميلادي، أي ببداية فترة النزعة التجارية، وقد آمن أصحاب النزعة التجارية أن على الحكومة أن تُمارس تنظيم النشاط الاقتصادي لتحويل الميزان التجاري لمصلحتها، وقال هؤلاء: إن الأمم يمكنها زيادة الكمية المعروضة من المال من خلال تصدير المزيد من المنتجات مقارنة بما تستورد، وكان معظم هؤلاء يحبذون الاعتماد على التعرفة الجمركية المرتفعة والموانع الأخرى لتحديد الواردات وتقييدها.

        وخلال القرن الثامن عشر، هاجمت مجموعة من الكتاب الفرنسيين، ـ تُسمى الفيزوقراطيين ـ النزعة التجارية، وكان هؤلاء يؤيدون التقليل من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، كما أنهم كانوا أول من استعمل المصطلح “دعه يعمل” من بين الاقتصاديين، ليعني عدم تدخل الحكومة، كما أن الفيزوقراطيين كانوا أول من بدأ الدراسة المنظمة للكيفية التي تعمل بها الأنظمة الاقتصادية.

الاقتصاديون الكلاسيكيون:

        يَعُدُّ معظم الاقتصاديين الحاليين آدم سميث أبا الاقتصاد الحديث، وقد بنى سميث – وهو أستاذ فلسفة أسكتلندي – مذهبه على بعض المباديء والأفكار الخاصة بالفيزوقراطيين، ولكنه كان يمتلك فهمًا أفضل لكثير من الأنشطة الاقتصادية، ويضم كتاب سميث (ثروة الأمم) (1776م) الكثير من الأفكار التي لايزال الاقتصاديون الحاليون يقبلونها أساسًا للسوق الحر، وقد قال سميث بأن المنافسة الحرة وكذلك التجارة الحرة كفيلتان بمساعدة الاقتصاد على النمو، كما قال بأن المهمة الرئيسية للحكومة في الحياة الاقتصادية يجب أن تكون العمل على تأكيد المنافسة الفعالة.

        عاش سميث إبان حقبة الثورتين الأمريكية والفرنسية، وتوافق تشديده على الحرية الاقتصادية مع الاعتقاد المتزايد بالحرية السياسية الذي سرى خلال تلك الفترة، وبدأ الناس يتقبلون أفكار سميث، كما جرى تطوير النظريات الجديدة عن اقتصاد السوق الحر، وقد أُطلق على سميث وأتباعه مصطلح الاقتصاديين الكلاسيكيين.

        وقد كتب ثلاثة من الاقتصاديين البريطانيين الذين عاشوا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بعضًا من أكثر الأعمال نفوذًا وتأثيرًا في الفكر الاقتصادي؛ فقد نشر ديفيد ريكاردو حُجَجًا قوية تدعم التجارة الحرة بين الدول، أما توماس روبرت مالتوس فقد تحدى بعضًا من أفكار سميث ولكنه طور بعضها الآخر لمدى أبعد، وقد حذر مالتوس من أنه إذا تُرِك العنان لأعداد السكان لتستمر في النمو فإن الأمم سوف لن تتمكن في يوم من الأيام من إنتاج ما يكفيها من طعام، وقد اقترح جون ستيوارت مِلْ أن توزع الأرباح بصورة أكثر مساواة بين المستخدمين والعمال.

كارل ماركس والشيوعية:

        عارض بعض الكتاب الفكرة التي تقول إن المنافسة تقود للنماء الاقتصادي، وكان من أكثرهم تأثيرًا كارل ماركس وهو فيلسوف ألماني عاش في القرن التاسع عشر، ففي كتابه رأس المال فسر ماركس التاريخ البشري الحديث بأنه صراع بين الطبقة التي تملك الصناعة والطبقة العاملة، وأعلن أن الاقتصاد الحر سيقود إلى كساد يتزايد بشكل خطير، وفي نهاية المطاف يؤدي إلى وقوع ثورة يقوم بها العمال، وفي البيان الشيوعي حث ماركس وصديقه فريدريك أنجلز العمال على التمرد على أرباب أعمالهم، وبشرا باقتصاد تمتلك فيه الطبقة العاملة كل الممتلكات، وقد وفرت نظريات ماركس الأساس لبناء الشيوعية.

اقرأ أيضا  الاتحاد الأوروبي: مقتل خاشقجي انتهاك لاتفاقية "فيينا" القنصلية

حلول جديدة لمشكلات قديمة:

        مع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الميلاديين بدأ الاقتصاديون في استخدام الطرق العلمية في دراسة المشكلات الاقتصادية؛ ففي فرنسا توصل ليون واراس إلى صيغة رياضية تبين كيف أن أي جزء من الأجزاء المكونة للاقتصاد لابد أن يعتمد في عمله على كل الأجزاء المتبقية، وحث الأمريكي ويسلي كلير ميتشيل من جهته الاقتصاديين على استعمال الإحصاء لاختبار نظرياتهم، ودرس كذلك تعاقب فترات الازدهار والكساد.

        وقد أدى الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي إلى أن يشرع الاقتصاديون في البحث عن تفسير جديد لفترات الكساد، وهاجم الاقتصادي البريطاني جون ماينرد كينز الأفكار التي تقول إن الأسواق الحرة تقود دائمًا إلى الرخاء والتوظف الكامل، ففي كتابه (النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال) لمَّح كينز إلى أن الحكومات بوسعها المساعدة في إنهاء الكساد وذلك بزيادة إنفاقها، كما بدأ اقتصاديون آخرون في دراسة الطرق التي تمكِّن من قياس درجة النشاط الاقتصادي، فقد طور سيمون كوزنتز مع بعض اقتصاديي الولايات المتحدة الآخرين طرق قياس الناتج القومي الإجمالي والدخل القومي، وغيرها من العوامل الاقتصادية.

        وخلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين الميلادي، رفضت مجموعة من الاقتصاديين تسمى النقديين الكثير من نظريات كينز وأتباعه، وخلافًا لما نادى به كينز حث النقديون الحكومات على زيادة كمية الأموال المعروضة بمعدل ثابت، وذلك من أجل المحافظة على استقرار الأسعار وتشجيع النمو الاقتصادي، وأصبح ميلتون فريدمان ـ وهو اقتصادي أمريكي ـ الرائد الرئيسي للمدرسة النقدية. (موقع: “الموسوعة العربية العالمية.).

أنواع الأنظمة الاقتصادية غير الإسلامية:

        تطورت في الغرب والشرق نظم اقتصادية متباينة، وذلك لأن الأمم المختلفة لم تتفق يومًا على الكيفية التي يجب أن تحل بها مشكلاتها الاقتصادية الأساسية، وفي عالم اليوم ثلاثة نُظم اقتصادية مهمة هي:

1- الرأسمالية.

2- الأنظمة الاقتصادية المختلطة.

3- الشيوعية، وتتضمن الأنظمة الاقتصادية لكثير من البلدان عناصر مشتركة من نظم اقتصادية مختلفة.

1- الرأسمالية:

        هي النظام الاقتصادي لكثير من البلدان في مختلف أرجاء العالم، وسميت رأسمالية لأن الفرد بوسعه أن يمتلك الأرض ورأس المال مثل المصانع والشقق السكنية والسكك الحديدية، وتشجع الرأسمالية حرية العمل التجاري والاقتصاد الحر؛ لأنها تسمح للناس بأن يباشروا أنشطتهم الاقتصادية بصورة مباشرة ومتحررة إلى حد كبير من التدخل والتحكم الحكوميين.

        وكان الاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث أول من طرح مباديء النظام الرأسمالي، وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد آمن سميث بأن الحكومات ينبغي عليها ألا تتدخل في معظم الأعمال، وكان يعتقد أن رغبة رجال الأعمال في تحقيق الأرباح إذا ماتم تنظيمها وتقنينها وتأطيرها بالمنافسة، فستعمل مثل اليد الخفية لإنتاج مايرغبه المستهلكون، وتُعرَف فلسفة سميث بعبارة “دعهُ يعمل” (عدم التدخل.)

        ولا يزال تركيز آدم سميث على الحرية الفردية الاقتصادية يمثل حجر الزاوية للنظام الاقتصادي الرأسمالي، لكن نمو قطاعات الأعمال الحديثة والمدن والتقنيات المتبعة، وتعقُّد كل هذا، قاد الناس إلى إعطاء الحكومات المزيد من الأعباء الاقتصادية يفوق ما خصها به سميث، وفي حقيقة الأمر، فإن العديد من الاقتصاديين يُعرِّفون النظام الأمريكي بأنه نموذج مُعدَّل من الرأسمالية؛ لأن الحكومة تقوم بدور مهمّ فيه.

2- الأنظمة الاقتصادية المختلطة:

        وتدعى أيضًا بالأنظمة الاقتصادية الموجهة، وتشتمل هذه الأنظمة على المزيد من التحكم والتخطيط الحكوميين بالمقارنة مع الأنظمة الرأسمالية، ففي الاقتصاد المختلط، غالبًا ما تمتلك الحكومة صناعات مهمة، مثل النقل والكهرباء والغاز والمياه وتسيرها، أما أغلب الصناعات المتبقية فيمكن أن تكون ذات ملكية خاصة، والاشتراكية هي النوع الرئيسي من أنواع الاقتصاد المختلط.

        وبعض البلدان ذات الأنظمة الاقتصادية المختلطة دول ديمقراطية؛ إذ ينتخب أفراد الشعب في تلك البلدان حكوماتهم، ويقترعون على بعض السياسات الاقتصادية، كذلك قد يقترعون لزيادة مقدار التحكّم الذي تمارسه الحكومة على الاقتصاد أو تقليصه، وتُسمى الأنظمة الاقتصادية لتلك البلدان غالبًا الاشتراكية الديمقراطية.

3- الشيوعية:

        الشيوعية في صورتها التقليدية مبنية على ملكية الدولة لكل الموارد المنتجة تقريبًا، وعلى هيمنة الحكومة على كل الأنشطة الاقتصادية المهمة، ويتخذ مخططو الحكومة كل القرارات المتعلقة بإنتاج السلع وتسعيرها وتوزيعها، ولكن في كثير من الأقطار التي جرى تطبيق هذا النظام فيها لم يؤد ذلك التطبيق إلى ازدهار الاقتصاد، وبنهاية الثمانينيات من القرن العشرين بدأت الكثير من البلدان الشيوعية ـ خاصة الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية الأخرى ـ في التنصل من النظام الشيوعي التقليدي والتخلي عنه؛ فقد خففت هذه البلدان من درجة التحكم الحكومي في الاقتصاد، وشرعت في السماح بالملكية الخاصة للمزارع والمصانع. (موقع: “الموسوعة العربية العالمية.)

المصدر : هدي الاسلام


==========

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.