المشهد السوري..هل بدأ مخاض الحلحلة؟ ولمَ؟

الأربعاء-23 رمضان 1434 الموافق31 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

عبد الرحمن الدويري

ظل المشهد السوري الأكثر تعقيدا في رحلة تحرر الشعوب العربية الحديثة التي انطلقت سابقة بذلك كل الدراسات والتنبؤات ومراكز البحوث، وتحت وطأة المفاجأة نفّذ الأمر في تونس ومصر من تحت يد الرقيب الدولي وأذرعه في المنطقة، بينما كانت ليبيا قد تجاوزت خط المنتصف.
لَملَمَ المتضررون بالربيع، الصهيوأمريكي والحلفاء في المنطقة، وَعْيَهم واستعادوا تركيزهم، وذهبوا لمحاولة ترتيب الأوضاع، فرفعوا كلفة فاتورة الربيع في ليبيا، وكان بالإمكان اختصارها لحدود الصفر لو أرادوا، لكن الهدف كان قطع الطريق على الشعوب المتحفزة للتغيير، فلما عجزوا عن ذلك ذهبوا لإعاقة المنجز التاريخي في المنطقة، بل تشويهه.
في ربيع سوريا كان الحلف الاستعماري ونواطيره في المنطقة على وعي تام بمخاطر التحولات الجارية، خصوصا فيما يتعلق بـ»إسرائيل»، أمّا النظم الذَّيليَّة التابعة، فالاستغناء عنها، أو تبديلها لا يشكّل مشكلة لدى السيد صاحب القرار الحقيقي، إذا ضمن مخرجات الثورة لصالحه، ولما كانت الضمانات غير متوفرة، كان لا بد من ترك البطيخ يكسر بعضه، عن طريق اللعب بميزان القوى بين أطراف الصراع، وإطلاق مراثون التصريحات، والدعم ووقف الدعم، والدعم المضاد، واللجان والتطمينات والمؤتمرات والفرص الضائعة.
المشهد السوري أسقط منظومة القيم الدولية على المستويين القانوني والأخلاقي معا، حيث استبيحت إنسانية الإنسان بيد الطائفة على مرأى ومسمع من العالم الحر؟! وانصياع وإذعان أذنابه ونواطيره في المنطقة.
المسار المريح لأمريكا والصهيونية بدأ يتغير، بعد أن برز الموقف الروسي، وتقدّم في المنطقة على حساب الأمريكي، في سابقة لم تعرفها أمريكا في العصر الحديث، وتغوّلٍ طائفي شيعي مستفز، وضعَ المنطقة على كف عفريت بعدما نفذ صبر الهيئات الشعبية في المحيط السنّي من تخاذل حكامها، وبدأ يؤسس لمرحلة تتجاوز النظم كما حدث في اجتماع هيئة كبار العلماء في الأمة المنعقد في مصر، فكان لا بد من التحرك، ما دفع كلينتون لتوبيخ أوباما قائلا له: «لا تكن هرَّة»، في إشارة منه أنّ التردد في المسألة السورية ضار بأمريكا ومستقبلها في المنطقة.
الذي دفع كلينتون لهذا الموقف ليس الحضور الروسي الإيراني الصفوي وحسب، ولا تجاوز النظام للخطوط الحمر باستخدام الكيماوي ضد الشعب، كما يزعمون، لأنه كذب مفضوح ورخيص.
الدافع الحقيقي يتمثّل ببداية تشكُّل المحور السنّي، وهو الأكثر خطرا إذا تشكّل على غير الأسس والإيقاع الصهيوأمريكي ومنظومة النواطير التابعة له في المنطقة، لأن المحور الأول يمكن التفاهم معه على أساس المصالح وتقاسم الغنائم، بينما المحور الثاني إذا تشكّل، وبطبيعته العقائدية والثقافية، لا يمكن التعامل معه إلاّ على أساس الحق وقيم العدل، والسمو الإنساني، وهذا ما لا تملكه لا أمريكا ولا روسيا ولا الصهيونية ولا إيران، في معادلة صراع المصالح، مقابل المبادئ والقيم والأخلاقيات!
إذا لاحت بوادر التحول الأمريكي الغربي لصالح الثورة السورية، فإنّ ذلك لا يعني أنّها تصنع وضعا جديدا تابعا لها، وتنفّذ أجندات صنعتها هي مع قوى الربيع العربي، كما يزعم الفارغون من الليبراليين والعلمانيين واليساريين الذين سقطت كل مبادئهم وقيمهم على المحك في جبِّ القذر، وإنّما تصنع ذلك مرغمة، ومحاولةً منها تدارُكَ سوءِ إدارتها للملف، وعقم قراءتها للمشهد، والتحولات الجارية في المنطقة.
العالم وعلى رأسه أمريكا مضطر للتعامل بواقعية ومنطقية مع حقوق الشعوب في المنطقة، بعد كل هذه التضحيات، وهو يعلم أنّ الشعوب لا تهزم، ولا تصمد أمامها النظم العميلة، مهما كانت طاغية، بعد أن سهَّلَ التدخل الطائفي الغبي في المعركة، فأيقظ المارد السنّي الذي غاب طويلا، ليعيد تركيب معادلة الصراع وفق دستور العدالة السماوية، وسينتحر في بحره مشروع الصفوية والصهيونية الاستعمارية معا.
أمّا المشهد في اليمن فقد حَكَمَتْهُ حِكمةٌ يمانية، وخشية غربية أن تتعدى شرارته حدود اليمن إلى ساحة الحَليف الخليجي الإستراتيجي، في مُغامرة لو تركت لكانت كارثية النتائج في ضوء تبعية النظم التقليدية وتوق الشعوب المسلمة للحرية وأمجاد الماضي واحترام الذات.

اقرأ أيضا  ماي وترودو: هناك حاجة ملحة لمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي

المصدر : السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.