كيف ضاع الأقصى؟ وكيف يعود؟

الإثنين-11 ذوالقعدة 1434 الموافق 16 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ محمد صفوت نور الدين 

حقيقة هامة:

أشير إلى مسألة يغفل عنها الكثير من الناس مع أنها حقيقة جلية، ذلك أن الله عز وجل أنـزل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا  [المائدة: 3]، قبل أن يفتح بيت المقدس، وقبل أن يكون ضمن ديار المسلمين، معنى هذا أن كمال الدين ليس بالضرورة أن يكون بيت المقدس فيه، ولكن إذا نحن أقمنا أنفسنا على منهج الإسلام رجع إلينا ما اغتصب من مقدساتنا في بيت المقدس، وديارنا السليبة في جميع أرجاء الأرض، وفتح الله لنا البلاد، وقلوب العباد، ولذلك يخطئ كثير من المتحمسين حين يرون الدعوة إلى جمع كلمة المسلمين، ووحدة صفهم هي الهم الأول، ويتناسون في ذلك رجوع المسلمين عن بدعهم وشهواتهم وأهوائهم ومعاصيهم التي هم فيها مغمورون، وهذا لا يرجع به عز للمسلمين، وإن رجعت أرض سليبة، أو عادت ديار مغتصبة، بل ينتقل من مغتصب متسلط خارجي إلى متسلط من بني جلدتنا، يتكلم بألسنتنا.

لذلك فإنه ينبغي أن ننظر إلى حالنا مع الله عز وجل ونعلم أن رب العزة سبحانه وتعالى قال: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55] ذلك هو الوعد القائد إلى سلوك الطريق السوي الذي سلكه الأنبياء والمرسلون.

 

إذن فما ضاع المسجد الأقصى إلا لأننا فرطنا في إيماننا، وضيعنا معالمه وأوامره، ولا يرجع المسجد الأقصى إلا أن نرجع فيما فرطنا، فنعود إلى رب العالمين.

 

ونذكر بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

 

فتدبر كيف أن الله لا ينـزع الذل إلا أن ترجعوا إلى دينكم، والذي هو التوحيد وإخلاص العبادة لله، ثم ما يترتب على ذلك من شرائع، وهذا واضح بتتبع الحوادث في هذه الأمة والأمم السابقة.

 

نظرة وعبرة:

فينبغي أن نعتبر من التاريخ، فنعلم أن رب العزة سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد، فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه سلم الذين أسلموا وآمنوا واتبعوه قبل الهجرة، وعاشوا سنوات عشر في ذل وهوان، وعاشوا وهم لا يستطيعون أن يظهروا دينهم، يعذب فيهم الضعيف، ويقاطع فيهم القوي، الذي لا يقدر الكفار على تعذيبه، ويهاجرون إلى بلاد غير بلادهم، لأنهم لا يستطيعون أن يقيموا دينهم في مكة، فجاءوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهم في هذه الشدة؛ حيث مات بالتعذيب ياسر والد عمار، وماتت أمه كذلك، وبلال يعذب في كل يوم في رمضاء مكة عذابًا لا تتحمله الجبال، فيأتي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وفد هؤلاء الضعفاء يقولون: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا ترى إلى ما نـزل بنا، وهو – صلى الله عليه وسلم – يقول «و الله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب – أو قال: الظعينة – من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»[1].

 

ثم يقول – صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل فيمن كان قبلكم كان يحفر له في الأرض، ويوقف في حفرته، ويوضع المنشار على مفرقه، فيشق حتى يقع شقاه على الأرض لا يمنعه ذلك عن دينه».

 

فكان أول النصر أن يأذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة.

 

قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا  [التوبة: 39]، فإذا كان القرآن الكريم قد عد الهجرة ظفرًا ونصرًا، فكل قول يخالف ذلك فهو قول باطل مردود، فالهجرة نصر رب العالمين لنبيه الكريم، بل نصره لهذا الدين حيث يهاجر النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويبقى مع المسلمين سنوات ست في حديدهم حتى قالوا: يا رسول الله، أنبقى في حديدنا أبد الدهر، يعني نبقى وراء هذا السلاح لا نأمن، فأنـزل الله عز وجل: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55]، أنـزل الله هذه الآية جوابًا لسؤال المسلمين المستضعفين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فالإسلام دين جهاد، سواء في قضية الأقصى، أو في غيرها من القضايا، فالإسلام دين الجهاد الباقي إلى أن تقوم الساعة، والجهاد أعلاه وأشرفه جهاد السيف والسنان، وجهاد القتال في سبيل الله، يضحي فيه المسلم بدمه وماله، طالبًا النصر لا بعدد ولا عدة إنما طالبًا نصر الله رب العالمين، لتكون كلمة الله هي العليا، إن الله جلت قدرته استدرج المسلمين في غزوات كثيرة ليظهر لهم نصره، ويشرفهم بدينه، ومن تلك الغزوات غزوة بدر، وغزوة الحديبية، فالمسلمون يرون المشركين من مكة قد اغتصبوا أموالهم، وأخذوا ديارهم، وطردوهم من بلادهم ليستمتعوا هم بالمال، ويجهزون به قوافل التجارة التي تذهب إلى الشام وتعود تمر قريبًا من المسلمين، تقول لهم بلسان الحال: أنتم لا حرمة لكم، ولا خوف منكم!! ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرى أصحابه حفاة لا يجدون نعالًا يلبسونها، عراة لا يجدون ثيابًا تواري سوآتهم، عالة لا يجدون المال الذي يحتاجون في طعامهم وشرابهم، قد طردوا من ديارهم ولا ديار تؤويهم، وهذه أموالهم بيد قريش التي اغتصبت الديار والأموال، يرى ذلك هو وأصحابه، فيأمرهم مرة أن يخرجوا لملاقاة عير لقريش يقودها أبو سفيان إلى الشام، فتفلت العير مع أبي سفيان، وما أفلتت لسوء تقدير، أو خطأ تدبير منهم، إنما أفلتت لأن الله قدر ذلك، ثم تنهي تجارة قريش مهمتها، ويرجع أبو سفيان بالعير والتجارة إلى قريش، ويمر على المدينة، فيجمع النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه ليخرجوا مرة أخرى ليلاقوا هذه العير التي فيها أموالهم، وفيها حقهم المغتصب، ولكن الله يقدر أيضًا في هذه المرة أن تفلت العير، وتجتمع قريش بالصلف والغرور والكبر والظلم تريد أن تؤدب المسلمين – كما زعموا – تريد أن ترجعهم حتى لا يلاحقوا تجارة لهم بعد، ناسين أنهم هم المعتدون الظالمون، قهروا الناس في عقائدهم، وفتنوهم في دينهم، لكن الله يريد ليريهم قوة لم يعهدوها من قبل لعلهم أن يرجعوا عن كفرهم، فمع أن أبا سفيان يرسل إلى أبي جهل أن التجارة قد نجت إلا أن أبا جهل يقول: لا والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنشرب الخمر، وتغنينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا تزال ترهبنا أبدًا، ورب العزة سبحانه وتعالى يصور حال المؤمنين في قوله: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ *لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ  [الأنفال: 5 – 8]، تريدون هذه العير وهذه التجارة وهذا المال ولا تريدون اللقاء والحرب، لكن الله عز وجل استدرجهم حتى وصلوا إلى ميدان المعركة. وجاء بالمشركين، وكانوا ألفًا معهم السلاح، مستعدين للقتال بسلاحهم وعددهم، لكن الله جعله يوم الفرقان لا لأنهم جمعوا عَددًا، ولا لأنهم جمعوا عُدَدًَا، ولكن لأنهم جمعوا الإيمان والتقوى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور: 55].

اقرأ أيضا  مسؤول حقوقي قطري: تلقينا وعودا غربية وأمريكية بمعالجة "الانتهاكات" الإنسانية للحصار

 

فتحقق وعد الله يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وأنـزل الله ملائكته يحاربون إلى جوار المسلمين، يثبتون الذين آمنوا، ويلقي الله الرعب في قلوب الكافرين، فيكون النصر من الله رب العالمين لرسوله ومن آمن معه، وتبقى مكة في حرب مستمرة مع المسلمين في المدينة، من الهجرة وحتى آخر العام السادس، حيث يري رب العزة نبيه – صلى الله عليه وسلم – رؤيا يرى فيها أنه يطوف بالبيت آمنًا وادعًا، ويطوف أصحابه، ويحلقون ويقصرون، ويتسلم النبي – صلى الله عليه وسلم – مفاتيح الكعبة، والمسلمون يعلمون أن ذلك وعد حق من الله، لأن رؤيا الأنبياء وحي صادق، وأمر واجب، وقدر نافذ، فيسرع المسلمون بالخروج مع النبي – صلى الله عليه وسلم – معتمرين ملبين، فيحدث الله عز وجل حدثًا غير الذي خرجوا له، يحدث لهم صلحًا يسميه رب العزة فتحًا مبينًا: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينً﴾ [الفتح: 1]، ذلك لأنهم بايعوا تحت الشجرة على الإيمان، فكان أفضل مواقف المسلمين، حيث بشر بالجنة من شهدها.

 

جاء المسلمون إلى مكة وقد لبسوا ملابس الإحرام ولبوا بالعمرة لله رب العالمين، وساقوا معهم الهدي، فإذا بقريش تقف لتصدهم عن البيت الحرام، فمالوا حتى يبتعدوا عن طريق جيش قريش الذي يريد أن يصدهم، فلما بلغوا الحديبية بركت ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – فعلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر أراده رب العزة سبحانه لخير قريش وتمكين المسلمين فعرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المفاوضة والصلح، وأرسل عثمان يفاوض عنه أهل مكة، ولكن شاع الخبر أن عثمان قتل، فاشتد الأمر على المسلمين، فبايعوا النبي – صلى الله عليه وسلم – على القتال والموت، بايعوا على ألا يفروا. وفي جانب قريش تقوم اجتماعات مكثفة، وتستعين فيها بالمشركين مفاوضين من مختلف القبائل التي تحيط بمكة، فهذا ثقفي، وآخر من الأحابيش كل يفاوض نائبًا عن قريش يتكلم باسمها.

اقرأ أيضا  تشاووش أوغلو يلتقي المحققة الأممية في قضية خاشقجي

 

فيفكر المسلمون؛ أقتل عثمان أم لم يقتل؟ ويفكرون هل سيعتمرون أم سيصدون عن البيت ويرجعون بغير عمرة؟ هل سيقاتلون أم لا يقاتلون؟ وإذا قاتلوا هل ينصرون أم يهزمون؟ وهل سيعاهدون أم يعودون بغير معاهدة؟ كل هذه تشغل بال كل مسلم من الذين عسكروا في الحديبية، وقد طال بهم الحصر، والدار ليست دار مقام، فإذا بالسماء تمطر من الليل، ويصبحون ليؤدوا صلاة الصبح خلف النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد رأوا أثر المطر، فيصلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم يستقبلهم ويسأل: أتدرون ما قال ربكم الليلة؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، وكأني بهم ينتظرون أن يقول، قال ربكم الليلة لم يقتل عثمان، أو قتل عثمان، لأن ذلك يشغل بالهم، وهو سبب بيعة الرضوان، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – بيده يضرب بها على الأخرى – صلى الله عليه وسلم – وهذه لعثمان) أي أنه يبايع بيده اليسرى على اليمنى بدلًا من يد عثمان بيعة عنه كأنه شهدها وهو غائب، أو قال ربكم الليلة ستنتصرون أو تنهزمون أو قال ربكم ستعاهدون أو لا تعاهدون أو قال ربكم الليلة ستعتمرون أو ستصدون، كل ذلك لأنه مقتضى الحال، والأمر الذي يشغل البال، فيكون عليه مدار التفكير، ومن عجب أن يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ربكم الليلة: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، أما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب، وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهم مؤمن بي كافر بالكوكب، كأنهم وهم في هذه الشدة والضنك والألم الشديد الذي ينتظرون له تفريجًا يصحح لهم رب العزة قولهم أمطرنا بنوء كذا ونوء كذا. انتبهوا إخوة الإسلام فهذه هي عوامل النصر التي إن حققناها وقع النصر من الله بغير تأخير، انتبهوا: إن الإيمان هو المقصد، فلا يعلو عليه شيء، ولا يقدم عليه أمر. ذلك دين الله الذي ينصر الله من تمسك به: عقيدة صحيحة وعبادة مشروعة».

 

وعد الله للذين آمنوا!!!

رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أفضل خلق الله يصد عن بيت الله، ويبقى أيامًا طويلة في عناء وشدة هو وأصحابه المؤمنين المجاهدين حتى تتم المعاهدة، ويوقع هذه المعاهدة التي يرى المسلمون فيها جورًا شديدًا يودون أن يقاتلوا ولا توقع هذه المعاهدة، فيزداد الأمر عليهم شدة بتوقيعها، ولكن الله يجعل في المعاهدة نصرًا وفتحًا مبينًا، مع أنهم قد اشتد عليهم أن يقال: (ترجعوا عنا عامكم هذا)، ويشتد عليهم أيضًا أن يقولوا: (من جاءكم بغير إذن وليه تردوه ومن جاءنا لا نرده) جور وصلف وظلم وتبجح، وسهيل بن عمرو هو الذي أملى هذه الفقرات من تلك المعاهدة، إلا أنه يمليها لحاجة في نفسه لا لصالح قريش التي جاء عنها نائبًا متحدثًا معاهدًا، والله يحقق قدره، وينصر المسلمين، فحاجة سهيل بن عمرو تظهر عندما نعلم أن لسهيل ولدان: أحدهما عبدالله وهو مسلم يجاهد في صفوف المسلمين يود أن يرجع إليه فلا يرده للمسلمين، والآخر مكبل في قيوده في بيت أبيه سهيل هو أبو جندل الذي صار مسلمًا يريد إن فك القيود وذهب إلى المسلمين أن يردوه، فوضع ذلك القيد في العقد وبنقله ذلك القيد إلى العقد نقله من رجلي ولده ليضعه في المعاهدة وعاد يظن أنه قد انتصر. قدر الله أن تفك القيود من أرجل المسلمين المستضعفين تحقيقًا لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي جندل بن سهيل بن عمرو: ارجع فسيجعل الله لك ولأصحابك فرجًا، ففكَّت القيود، وخرج جمع من المسلمين من القيود، فوجدوا مكة تفتنهم والمدينة لا تحتضنهم، فيرون طغيانًا من قريش، فخرجوا غضبًا عليها، ووقفوا على ممر تجارة قريش يقطعونها، وقريش بلد غير ذي زرع لا تتحمل الحصار، فاستغاثت قريش بالمسلمين تقول لهم: اقبلوا هؤلاء، وتنازلوا عن هذا البند من بنود العقد، فما أملاه سهيل بن عمرو إلا لحاجة في نفسه، وجعلها الله فرجًا ومخرجًا للمسلمين وفتحًا مبينًا لهذا الدين.

اقرأ أيضا  مسيرة حاشدة بالعاصمة المغربية رفضا لصفقة القرن

 

انظر فهذا فتح الله للمؤمنين لأنهم آمنوا وأذعنوا وأطاعوا وعرفوا أن النصر بيد الله رب العالمين.

 

الصلاة فرض على المسلمين:

بعد غزوات طويلة غزوة حنين، ويعود النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في طريقه إلى مكة ويسير بهم ليلًا طويلًا حتى أرهقهم السفر فيقولون له: إنهم يحتاجون إلى الراحة يا رسول الله، لو عرست بنا – يعني لو نـزلت بنا لننام ونستريح – فقال: أخاف أن تفوتكم الصلاة، تعجب يخاف أن تفوتهم صلاة واحدة مع أنهم كانوا في جهاد طويل شديد شاق لا يشفع لهم ذلك أن يناموا عن صلاة واحدة، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وهم في طريق عودتهم من حنين، وقد اشتد عليهم السير أخشى أن تفوتكم الصلاة فأنتم بالصلاة مكلفون، وبالإيمان مكلفون، وبدعوة التوحيد مكلفون، فإن أنتم قمتم بما أنتم به مكلفون فإن رب العزة يحقق لكم وعده، وينصركم على أعدائكم، ويفتح لكم الأرض التي أغلقت عليكم؛ لأن الله عز وجل هو الذي ينصر جنده، ينصر من يشاء، ثم لابد أن ننظر إلى حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فنرى أن رب العزة ينصره بالإيمان، وحياته كلها واضحة التفاصيل في ذلك، وإن منها غزوة الأحزاب التي أخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – يردد بعدها: لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. القوم أخذوا عدتهم بما استطاعوا وخرجوا يجاهدون في سبيل الله بما استطاعوا، لكن النصر من عند الله رب العالمين، ينصر من يشاء.

 

حماية الله المسلمين بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم -:

وما إن مات النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى وجد المنافقون الفرصة سانحة لينقضوا على قيادة المدينة فيأخذوا قيادتها ليقودوا المسلمين كما شاءوا، ولكن ييسر الله عز وجل على لسان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – (كلمات أخطأ فيها، واعتذر عن قولها في اليوم التالي، تلك الكلمات التي أخطأ عمر بقولها جعل الله عز وجل بها نصرًا وفرجًا ومخرجًا، يقف عمر – رضي الله عنه – (والنبي – صلى الله عليه وسلم – مسجى في ثوبه يرقد على سريره، قد فاضت روحه إلى ربه يقول بسيفه: من قال إن محمدًا قد مات ضربت عنقه، والله ما مات، وإنما ذهب إلى ربه، وسيعود ليقضي على هؤلاء المنافقين. فعلم المنافقون أن رقابهم مقصودة، وأن تحركاتهم مرصودة، فلزموا بيوتهم، ولم يتحركوا حتى استتب الأمر للمسلمين، وفي ذلك تقول عائشة – رضي الله عنها – ما أخرجه البخاري في صحيحه: لما مات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطب أبو بكر خطبة، وخطب عمر خطبة فما كانت من خطبتيهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم لنفاقًا فردهم الله بذلك. يعني أن الله ألقى على لسان عمر كلمات خوفت المنافقين.

 

الله أكبرإنه الإيمان الذي ينصر به الله أهله، إنه الإيمان الذي أضعناه فغير الله عزنا إلى ذل، ونصرنا إلى هزيمة، وقوتنا إلى ضعف، نحن لسنا في العدد قليلين، بل كثيرين، ولكن أين الإيمان؟ هل تذكرون أن المسلمين دخلوا إلى غزوة حنين بعدد لم يدخلوا إلى غزوة قبله بعدد مثله، فقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة، فكان أن جعل الله رماح المشركين تردهم فينفضوا وهم بضعة آلاف ولا يبقى إلا مئة من المؤمنين حول النبي – صلى الله عليه وسلم – يشرفهم الله بنصره؛ لأن الله ينصر بالإيمان لا بالعَدد ولا بالعُدد.


[1] يأتي بيان ذلك في فصل (بدأ الإسلام غريبًا)

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.