هل أزماتنا الراهنة بسبب من جذورنا ؟

عبد الله بن علي العليان  (كاتب وباحث عماني)

الأحد – 16 ذوالقعدة 1434 الموافق 22 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

 طرح العديد من الباحثين والمستشرقين الغربيين، بعض الآراء التي تنسب الواقع العربي، والتخلف الحضاري، إلى صفات ثابتة في الجذور العربية المتأصلة والميل إلى الجمود والتخلف الخ:.ومن هؤلاء الذين شايعوا هذه الأفكار واقتربوا منها د/ محمد جابر الأنصاري،يقول الأنصاري إنه “منذ بداية نشوء السلطة السياسية في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان السؤال المتقدم الملح: “من يحكم “، بمعنى أي قبيل أو عشير؟ وتأخر السؤال السياسي الأكثر أهمية وموضوعية: “كيف يكون الحكم بعد النبي في الدولة الجديدة، بأي منهاج وبرنامج استنباطاً من مبادئ الإسلام السياسية التي جاءت عامة مرنة تتطلب التحديد والتقنين؟ “.

مضيفاً ـ في فقرة أخرى ” هكذا حولت ” ذاتية ” القبيلة مسألة الحكم في تاريخ الإسلام من ” موضوع “: الحكم كيف يؤسس ويدار.. إلى ” ذاتية “

الحاكمين: من يكونون، من أي عشير أو قبيل، وأي ” ذات منهم تفضل “

الذات الأخرى)) والحقيقة أن هذه الآراء التعميمية التي طرحها د/ الأنصاري فيها مجازفة كبيرة في تصوير الواقع العربي الإسلامي في العصر الإسلامي الأول والقرون التي تليه التي تعد في اعتقادنا أزهى القرون وأفضلها رحابة وتعددية والقبول بالاختلاف والتمايز حيث ظهرت المدارس الكبرى في الفقه والعلوم والفلسفة وغيرها من المدارس المختلفة المتعددة الأفكار والتوجهات والرؤى، كما أن اجتماع سقيفة بن ساعدة الشهير لم يكن بالصورة التي رسمها الأنصاري في مقالته هذه الذي قال عنه إن القبيلة حولت” مسألة الحكم في تاريخ الإسلام من ” موضوع “: الحكم كيف يؤسس ويدار.. إلى ” ذاتية “

اقرأ أيضا  التغريب في ديار الإسلام

الحاكمين: من يكونون، من أي عشير أو قبيل…..لكن الأدق أن ما حصل بعد وفاة الرسول (ص) أنه لم يكن هناك تحديد ” لمن يخلفه عليه الصلاة والسلام في تولية أمر المسلمين ورئاسة الدولة الإسلامية، وفي ذلك حكمة لا شك في ذلك، وقد دارت النقاشات والحوارات بين المهاجرين والأنصار لاختيار خليفة رسول الله (ص) في سقيفة بني ساعدة ” وما درى الحاضرون في هذا الاجتماع أنهم يعقدون أهم اجتماع ” أو ” مؤتمر ” في تاريخ الإسلام

كله ـ كما يقول د/.إمام عبدالفتاح إمام ـ.وما أشبهه ” بجمعية وطنية “

أو تأسيسية تبحث مصير أمة لأجيال عديدة لاحقة، وتضع دستوراً يكون أساساً لحياتها في المستقبل “، إلى أن حسم عمر بن الخطاب النقاش بحجج قوية، منها أن رسول الله (ص) أمر أبابكر أن يؤم الناس، و” أنه ثاني اثنين إذ هما في الغار “، ثم تساءل في براعة: “من منكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر!!”، فقال: ابسط يدك يا أبا بكر نبايعك. فبسط يديه فبايعه!ثم بايعه المهاجرون والأنصار تحت السقيفة فيما يسمى بالبيعة الأولى أو البيعة الخاصة أو الصغرى.وقد وصف ـ أحد الباحثين الغربيين وهو البروفيسور “ماكدونالد” اجتماع السقيفة بقوله ” إن هذا الاجتماع يذكّر إلى حد بعيد بمؤتمر سياسي دارت فيه النقاشات وفق الأساليب الحديثة “.

وهذا المشهد الديمقراطي بمقاييس عصرنا يدل على أن الصحابة (رضوان الله عليهم) مدركون سياسياً لتبعات الخلافة وأهدافها، رغم مقولات المستشرقين ومن تبعهم من الباحثين الذين وصفوا اجتماع سقيفة بني ساعدة بأنه صراع القبلية على الخلافة.ففي اليوم التالي وقف أبوبكر رضي الله عنه يحدد فيه برنامجه السياسي: “أيها الناس: إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة. والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح عنه علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله “. هذه الآراء التي قيلت في السقيفة تعد مرحلة متقدمة للديمقراطية بمفهومها المعاصر وليس كما صورها الدكتور الأنصاري بأن القبيلة ” حولت ذاتية الحكم من ” موضوع “: الحكم كيف يؤسس ويدار.. إلى ” ذاتية ” الحاكمين: من يكونون، من أي عشير أو قبيل، وأي ” ذات منهم تفضل ” الذات ” الأخرى” فالإسلام استطاع أن يفكك القبيلة ويدمجها ويغيّر العقلية الجاهلية إلى عقلية مستنيرة، تؤمن بالحوار والمنطق والقبول بالآخر ورفض الظلم والضيم إلى غير ذلك من القيم والمبادئ العظيمة.

اقرأ أيضا  لماذا يذبحون المسلمين في بورما؟

فإذا كانت العقلية القبلية هي المسيطرة في صدر الإسلام، وليس الإسلام نفسه كمبادئ وقيم، فلماذا انتصر الإسلام بهذه الصورة العظيمة وهزم الدولتين العظميين في ذلك الوقت: الفرس والروم؟وإذا كانت القبلية تناحرت وأفكارها الضيقة هيمنت على العقل المسلم في الصدر الأول للإسلام وكيف انتصرت الفئة المسلمة المطاردة أن تحقق كل هذه المكاسب والتحولات في سنوات قصيرة وصعبة؟ أنها المبادئ السماوية، وليس العصبيات الضيقة.. هذه أسئلة قابلة للنقاش والمراجعة؟

 لذلك نعتقد أن ما طرحه د/ الأنصاري مع تقديرنا له جانبه الصواب ـ صحيح أن العامل القبلي كان من ضمن العوامل التي اشتركت في التحول الذي طرأ على مسار الدعوة الإسلامية، لكنه ليس العامل الوحيد، بل بالعكس أن الإسلام استطاع أن يضعف دور القبيلة ويتجاهلها، عندما وضع الرسول (ص) الصحيفة ـ دستور المدينة ـ دمجت كل الطوائف والعشائر في هذه الأمة الواحدة الجديدة. وشملت غير المسلمين أيضاً، وهذا يرجع إلى دور النص ـ القرآن الكريم ـ والسنة النبوية في التوحيد والتآخي والنصرة بالحق، وتحقيق العدل وغيرها من الجوانب التي وضعها الشرع الإسلامي، ولذلك ” فالقوة الإسلامية الجديدة ـ كما يقول الكاتب/ وليد نويهض ـ لعبت دوراً في لحظة تاريخية محددة، في تفكيك عناصر التحالفات القبلية السابقة، وهو أمر يفسر انتقال القبائل من مرحلة التحالف التضامني،إلى مرحلة الاتحاد الاندماجي تحت راية الإسلام.لم يلغ الاتحاد الإسلامي تعارضات المرحلة السابقة،لكنه نجح في محطة زمنية من نقل عناصر التضامن،وتطويرها إلى عناصر اندماجية أقوى من السابق.ويعود الفضل في صهر كل تلك التعارضات المنتقلة أو المتحولة إلى النص المنزل ودوره في إعادة تأسيس علاقات سياسية أعلى من تلك التي كانت سائدة)).ومن هنا فإن هذا الاختلاف الذي وقع إبان فترة الفتنة السياسية في العصر الأول الإسلامي.لم يكن خروجاً على مبادئ هذا الدين،لأن الفرقاء في هذه الصراعات ـ كما يقول د/محمد عمارة ـ ((ظلوا على ولائهم)) للدولة

اقرأ أيضا  خاشقجي في 14 محطة.. قضية حاضرة وجثمان غائب (إطار)

الواحدة)) فحافظوا على ((الجامع السياسي))،وعلى ولائهم ((للتدين الواحد)) فحافظوا على ((الجامع الديني))،فكان قتالهم على ((التأويل)) لا على ((التنزيل))..وكانوا جميعاً ـ رغم القتال ـ على ولاء لوحدة الدولة ووحدة الدين..

المصدر : بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.