الإسلام وأعداء الإنسانية

الثلاثاء- 18 ذوالقعدة 1434 الموافق24 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)

سليمان حسن عبدالوهاب 

وفاءً بما وعَدنا؛ نلتقي مع حضرات القرَّاء في ميدان مكافحة الفقر؛ لنَشهد جنود الأدلة تتدفَّق من أقطار الشريعة الإسلامية لمطاردة الفقر، ومحاربة العَوَز، ومصارعة المَسكنة، ولينصر جيشًا منظمًا قد أعدَّه الإسلام لمنازلة الجوع، وقتْل المَسغبة، ومقاومة العُدْم، ولتَطَّلِع بنفسك على الخُطط الحكيمة، والنُّظم السليمة، التي رسَمها الإسلام فأحكم رسْمها، ونسَجها فأتقَن نسْجها؛ للقضاء على وباء الفقر، وغزْو جراثيمه قبل أن تَفتك بجسم الإسلام، أو تَنشر الخمول في البلاد.

 

هبَط الإسلام من السماء؛ لإصلاح شؤون الاجتماع بما يَقصُر عنه كلُّ باعٍ، وصاحَ في الفقر صيحةً مُدوية، لا يَزال صداها يرنُّ في الآذان، وخطَّ بيمينه صحيفة الإصلاح الاجتماعي التي لا تزال مُسطَّرة في كُتبه المقدَّسة؛ تتحدَّى المكابرين، وتُعلن للعالمين أن الإسلام دين الغنى والثراء، ومِلة اليُسر والرخاء، كما هو عقيدة القوة والسياسة، والعزة والسيادة.

 

وهاكم ما أقام الإسلام من قواعدَ، وشاد من صروحٍ؛ لتمويل الفقراء، وللدفاع عن حقوقهم، ولإبادة آفة الفقر بين المسلمين في مبادئَ خمسة:

أ– نُفرة الإسلام من الفقر، وتعويذ المسلم منه، وتحريم المسألة.

ب– دعوة المسلم إلى طلب الغنى، وأخْذ نصيبه من الدنيا.

ج– ذمُّ البخل والبخلاء، والزِّراية على الأشِحَّاء.

د– الحثُّ على البذْل والتوسعة، والإنفاق في سبيل الله والوطن والأهلين.

هـ– وجوب الزكاة في الأموال والزرع، كحقٍّ معلوم للفقير والمحروم.

 

هذه الجداول الخمسة تَنساب من نهر الشريعة الإسلامية؛ لتُحيل أجادبَ الفقر والعُسر والحرمان، إلى يُسرٍ ورخاء، وغنًى وثراء.

 

ومسالك الأدلة إليها نُجملها فيما يلي:

أ– عَلِق بأذهان الكثير أن الإسلام يحمي الفقر ويدعو إليه، وأنه يَنشر الخمول ويَحنو عليه، وذلك من النظر السقيم؛ فإن الإسلام يحمي الفقير ولا يحمي الفقر، ويُرغِّب في مواساة المسكين ولا يُواسي المسكنة؛ لأن الفقر داءٌ لا دواء، ومرَضٌ لا صحة، فكيف يُعقل أن يُمعن الإسلام في طلب الداء، ويترك المرض يُشيع في الجسم الفساد؟!

 

والإنسان بطبيعته يَعطف على المريض ويُواسيه، ويسأل الله السلامة من مرضه، وبالتالي يَكره أنَّات المرضى، فكيف بالمرض؟!

 

فكذلك الإسلام يَعطف على الفقير ويواسيه، ومبادئه تدعو إلى الفرار من الفقر، والإسلام بطبيعته الاجتماعية يتعوَّذ من الفقر، ويَنفِر منه، ويُرغِّب في الغنى وطلب اليَسار، ويَنهى عن الضَّعف والإعسار؛ روى مسلم في صحيحه من دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجاءة نِقمتك، وتحوُّل عافيتك))، ومن دعائه – عليه الصلاة والسلام -: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الفقر وعذاب القبر))، ومن دعائه: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بِئس الضجيع))، وكان يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((اليد العليا خيرٌ من السفلى))، وروى أبو داود وابن حِبَّان عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((الأيدي ثلاثة: يدُ الله العليا، ويد المعطي، ويد السائل السفلى))، وروى مسلم عن رسول الله، قال: ((إن الله يحب العبد التَّقي الغني الخفي))، وقال: ((إن الله كرِه لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))، وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((لا تَزال المسألة بأحدكم، حتى يَلقى الله وليس في وجهه مُزْعة لحمٍ))، وقال: ((مَن سأل وعنده ما يُغدِّيه أو يُعَشِّيه، فقد استكثَر من جَمْر جهنَّمَ)).

 

إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية التي بغَّضت إلينا الفقر وأمَرتنا باعتزاله؛ لأن الفقر مذَّلة الشعوب، وبلاءٌ على المجتمع، ونَكبة فوق الرؤوس، ومَهانة للأُمم، والفقر لا يَرفع رأسًا، ولا يُعلي نفسًا، ولا يبني مجدًا، ولا ينصر ضَعفًا، ولو أردنا أن نَسوق ما قيل في الفقر وشرِّه، وضرره وإثمه من أفواه الدين والحكمة، لطال القول.

 

ب– لذلك ترى الإسلام يُرشد المسلم إلى أسباب الغنى واليُسر، فيَأمره بأن يَضرب في الأرض، ذات الطول والعرض، وأن يَستعمرها شرقًا وغربًا، وأن يأخذ منها نصيبَه غير منقوص، وأن يَفرض عليها ولايته وسيادته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص: 77]، وقال تعالى: ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]، وقال تعالى: ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10].

 

وروى الطبراني عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله يحب المؤمن المُحترف))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُكم مَن لم يترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه؛ وإنما يأخذ من هذه ومن هذه))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((احْرِزْ لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموت غدًا)).

اقرأ أيضا  انتفاضة القدس والتدخل الغربي

 

وروى البخاري ومسلم عن رسول الله: ((لأن يَحتطب أحدكم خيرٌ له من أن يسأل أحدًا، أعطاه أو منَعه))، وفي الحديث الصحيح: ((إنك أن تذَر ورَثتك أغنياءَ، خيرٌ لك من أن تذَرهم فقراءَ يتكفَّفون الناس)).

 

فصريح الإسلام: الدعوة إلى الغنى وجمْع الثروة؛ لأن ذلك يرفع مستوى المجتمع، ويزيد في صلاحه، ويُمكِّن من بُنيانه، ويجعل الأمة قويَّة برخائها، مَهيبة بثرائها، مَرهوبة بمالها، سعيدة في معيشتها؛ قال عبدالرحمن بن عوف – رضي الله عنه -: “يا حبَّذا المال؛ أصونُ به عرضي، وأتقرَّب به إلى ربي“.

 

وما أجزَل قول عُروة بن الورد في غُرَر شعره:

ذَرَيني للغِنى أسعى فإني 

رأيتُ الناس شرُّهم الفقيرُ 

وأحْقَرهم وأهونُهم عليهم 

وإن أمْسى له كرَمٌ وفيرُ 

يُباعده القريبُ وتَزْدَريه 

حَليلتُه ويَنهرُه الصغيرُ 

وتَلقى ذا الغنى وله جلالٌ 

يَكاد فؤادُ صاحبِه يَطيرُ 

قليلٌ ذَنبُه والذنبُ جَمٌّ 

ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ 

 

حقًّا إن المال سرُّ السلطان، وعصَب الحياة، وباب الجاه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

 

ج– لَمَّا كان البخل يَهضِم حقَّ الفقير، والشُّح يَبتلع نصيب المسكين؛ حرَّم الله البخل، وذمَّ الشح، وأنذَر البخلاء والأشِحَّاء بعذاب أليمٍ، ولأن البخل والشح فوق ذلك مَهلكةٌ للأُمم، ومَفسدة للمجتمع، وصدٌّ عن الخير والإحسان، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180].

 

وروى ابن ماجه والنسائي عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أحدٍ لا يؤدي زكاة ماله، إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعٌ أقرعُ، حتى يُطوِّق عُنقه))، وتلا رسول الله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ… ﴾ إلخ الآية، وروى أبو داود والحاكم: ((إيَّاكم والشحَّ؛ فإنما أهلَك مَن كان قبلكم الشحُّ، أمرهم بالبخل فبخِلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطَعوا، وأمرهم بالفجور ففجَروا))، وروى البخاري: ((شرُّ ما في الرجل: شحٌّ هالع، وجُبنٌ خالع)).

 

بهذا الأسلوب القوي الجبار حارَب الإسلام البخل؛ لأنه إمساكٌ عن الخير، وهو يَصرع المجتمع الصالح، ويُشيع فيه الفساد؛ بما يُثير من شَحناء تُؤلِّب الفقراء على الأغنياء.

 

د– فحماية للمجتمع من الفوضى، وصونًا له من الاضطراب، وإبقاءً على الصلة العامة بين الأغنياء والفقراء، واعترافًا بحق الفقراء في الحياة؛ أمر الله – عز وجل – الأغنياء والمُوسرين أن يُنفقوا ويُوسِّعوا على المساكين والضعفاء، وأن يُعطوا هؤلاء نصيبًا مفروضًا، وحقًّا مُقررًا، مما جعَلهم الله مستخلفين فيه؛ تطييبًا لقلوبهم، ومحافظة على محبَّتهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: 7].

 

وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5 – 7].

 

وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245].

 

وقال – عز وجل -: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195]، وقال – سبحانه -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].

 

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: يا عبدي، أنفِق، أُنْفِق عليك))، وعنه أيضًا: ((ما من يومٍ يُصبح العباد فيه، إلا ملَكان يَنزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلَفًا))، وروى البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً بالمدينة، وكان أحب ماله إليه “بَيْرُحاء”، وكانت مستقبلةً المسجدَ، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَدخلها، فيَشرب من ماءٍ فيها طيِّب، قال: فلمَّا نزَل قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إن الله – تبارك وتعالى – يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وإن أحبَّ أموالي إليَّبيرحاء، وإنها صدقة أرجو برَّها وذُخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله: ((بَخٍ، ذلك مال رابحٌ، بخٍ ذلك مالٌ رابح))، وروى الطبراني بإسناد حسنٍ عن أبي أُمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صنائعُ المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضب الربِّ، وصلة الرحم تزيد في العُمر)).

اقرأ أيضا  عباس إلى قلب ترامب عبر البوابة الصهيونية

وفي الحق، ما شهِدنا دينًا قويمًا كالإسلام؛ يحثُّ على الإنفاق والبذل في سبيل مرضاة الفقير، والاحتفاظ بكرامته، ويَعِدُ على ذلك عزَّ الدنيا وشرفَ الآخرة.

هـ– وأما المبدأ الخامس، فهو الجدول الفيَّاض الذي لا يَنضَب، والنَّبع السيَّال الذي لا يَغيض؛ لذلك سنَقف أمامه وقفة فيها تفصيلٌ وتوضيحٌ؛ لنُدرك سموَّ الإسلام بالإنسان، ولنُحيط بما أعدَّه الإسلام للفقير من نُظمٍ ومواردَ، تَكفُل له الخير، وتُدِرُّ له الرزق، وتُحبِّب إليه الحياة، ومن عجيب أمْر الإسلام التي يُدْهَش لها الأريبُ الحكيم، أنه وضع تلك النُّظم ورتَّبها على أساس متينٍ، وقام على توزيعها وتقديرها بطريقةٍ سليمة لا تَضر أصحاب الأموال، ولا تتحيَّف على رؤوس الأموال، وفي الوقت نفسه فتحت للفقراء عيونًا ثرَّة، ومواردَ فيَّاضة، تجري بأرزاقهم، وتُصلح من شأنهم، وتقوم بحاجاتهم، وتُسعف من مطالبهم.

وسيأخذك العجبُ معي حينما تقرأ ديوان مكافحة الفقر في الإسلام، وتَطَّلِع على مواده الأساسية، التي خطَّها القرآن الكريم، ورسَمها نبي المسلمين، وطبَّقها المسلمون في بلدانهم، فأثْمَرت خيرًا وبركة في بلاد الإسلام، وستَزداد إيمانًا ويقينًا برسوخ هذه الشريعة في أصول الاجتماع، وأنها شِرعة المجتمع الصالح في كل زمان ومكانٍ.

وهذا الديوان الذي وضعه الإسلام لمصارعة الفقر، وللترفيه عن الفقير – يتفجَّر عن اثنتي عشرة عينًا، ينال منها الفقراء بُغيتهم، وتأتيهم أرزاقهم على يد المعروف، وفي ثوب الكرامة.

فاقرأ ما يُتلى عليك من آي الديوان، الذي أنزَله العليم الخبير، والقائم على كل نفس بما كسَبت؛ لتَشهد بشهادة الحق أنه لا يُصلح البشرَ ويُقوِّم المجتمع، سوى الإسلام وتعاليم الإسلام:

أولاًزكاة المال وزكاة التجارة، وزكاة الزروع وزكاة الأنعام – حقٌّ معلوم، ونصيب مفروض؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة: 71]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25]. 

روى الطبراني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله فرَض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقَدْر الذي يَسَع فقراءهم، ولن يُجهَد الفقراء إذا جاعوا وعُرُّوا، إلا بما يَصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يُحاسبهم حسابًا شديدًا، ويُعذِّبهم عذابًا أليمًا)).

ثانيًاصدقة الفطر، وتُسمى زكاة البدن؛ لأنها واجبة على كل فردٍ مُستطيع، ولو لم يكن من أهل الصوم، تُدفع للفقراء والمساكين في يوم عيد الفطر من كل عام؛ روى أبو داود والحاكم وابن ماجه على شرْط البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((فرَض رسول الله صدقة الفطر؛ طُهرة للصائم من اللغو والرَّفث، وطُعمة للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصَّدقات)).

ثالثًاكفارة اليمين لمن حنَث في حَلِفه بالله؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة: 89].

رابعًاكفارة الظِّهار: والظهار نوعٌ من الطلاق حرَّمه الدِّين، وأوجَب على فاعله كفَّارة عُظمى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا… [المجادلة: 3]، إلى أن قال الله: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة: 4].

خامسًاكفارة الآثم بالإفطار عمدًا في رمضان: وهي كفَّارة عظمى تُشبه كفارة الظهار؛ روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: هلَكتُ يا رسول الله، قال: ((وما أهلَكك؟))، قال: وقَعتُ على امرأتي في رمضان، قال: ((هل تجد ما تُعتق؟))، قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين؟))، قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تُطعم ستين مسكينًا؟))، قال: لا، ثم جلَس فأُتي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعَرَقٍ فيه تمرٌ، فقال: ((تصدَّق بهذا))، قال: أفقَرَ منَّا؟! فما بين لابَتيها أهلُ بيت أحْوَج إليه منَّا، فضحِك رسول الله حتى بدَت أنيابه، ثم قال: ((اذهَب فأطْعِمه أهلك)).

اقرأ أيضا  السند وطالب العلم الشرعي اليوم

سادسًاالفِدية في رمضان لمن عجَز عن الصوم لمرضٍ لا يُرجى برؤه، أو لهرَمٍ، أو لمُرضع أو حاملٍ تَخشى على نفسها أو ولدها؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184].

سابعًاالغنائم الحربية: وهي أموال الأعداء التي نَستولي عليها بقتالٍ، فللفقراء حقُّ الخُمس فيها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: 41].

ثامنًاالفيء: وهو المال الذي يُؤخذ من الأعداء بدون قتالٍ، فللفقراء كذلك نصيبُ الخُمس؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7].

تاسعًاالفدية على الحاج إذا تمتَّع بالعُمرة، أو خالَف واجبًا من واجبات الحج؛ قال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196].

عاشرًاإذا حضَر الفقير أو المسكين في قسمة تَرِكة من التَّرِكات، فيعطى منها تطييبًا لنفسه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء: 8].

الحادي عشرالصدقات العامة: وهي الصدقات النافلة التي ليست بواجبة؛ قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5 – 7]. 

وروى أحمد بإسناد حسنٍ عن عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا عائشة، اشتري نفسَك من النار ولو بشقِّ تمرة)).

الثاني عشرالكنوز المدفونة في باطن الأرض والمعادن، ومال مَن لا وارث له، واللُّقَطة من الأموال، ودِيَات القتلى الذين ليس لهم وارثٌ، والمال المجهول، كلُّ أولئك يؤخَذ خُمسها للفقير والمسكين؛ كما نص على ذلك فقهاء الأمصار.

بهذه المبادئ – وعن طريق هذه الموارد – فتَح الإسلام باب البر على مِصراعيه للفقير، يَنعَم ويعيش آمِنًا في ظل الإسلام، ومنها نَعلم مبلغ عناية الإسلام بمشكلة الفقراء، وأنه وضَع الحل العملي لإنهاء مشكلة الفقر، ولو أن المسلمين اتَّبعوا أحكام الإسلام، ما وجَدت بينهم بائسًا أو محرومًا، وما سمِعت باسم الفقر، وما تكوَّنت دولة الفقراء.

وبعد:

فيا مشعر الأغنياء، ويا كرام الأثرياء، كلمة نقولها لوجه الله خالصة، ونُسمعها لحضراتكم صادقة، فإن أطعْتُم، فذلك ما نرجو من برِّكم، ونبغي من معروفكم، وإن أبَيتُم، فالله أكبر، وما علينا إلا البلاغ، وعلى الله الحساب:

يَموج العالم اليوم بفِتن المادية، وفشَت فيه فاشية الشيوعية، وسرَت إلى النفوس المذاهبُ الهدَّامة للسعادة، واشتعَلت قلوب الفقراء حنقًا، وامتلأَت نفوسهم غيظًا، وتفكَّكت الروابط الاجتماعية، وأضحَت الطبقات الدانية البائسة تَنظر إلى الدنيا بمنظار أسودَ، وقد تهيَّؤوا لإشعال النار في هشيم النظام الاجتماعي، وجهروا بدخائل نفوسهم، وقامت لهم دولة تُغذي هذه المبادئ السامة، وتَنشر هذه الضلالة، ويُوشك أن يكون لها ضِرامٌ وأُوار، فإذا لم نتدارك هذا الأمر بتحقيق قانون الزكاة الإجباري، وتنظيم موارد الإحسان، وإقامة المؤسسات الاجتماعية، وإنشاء دُور الكفالة، وإنعاش الفقير، وإعطاء العامل حقَّه، والقضاء على هذا الاضطراب النفساني، وتنفيذ قانون التأمين الاجتماعي، ومراعاة العدل الاجتماعي بين هاته الطبقات، إذا تغابَى الأغنياء من ذلك، وتغافَل وُلاة الأمور عن هذه الهَنَات التي ليست بهَيِّنات، فلنَنتظر هلاكًا ودمارًا، وفناءً وفسادًا، وشقاءً يذهب بهناءَة الحياة وسعادة الدنيا“.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.