عسكريون لا يعرفون إلا لغة القوة

بسام ناصر

الأربعاء- 26 ذوالقعدة 1434 الموافق02تشرين الأول /أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

قال الكاتب الأمريكي جاكسون دي في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»: «ما يحدث في مصر ليس جديدا، فالانقلابات العسكرية المدعومة شعبيا تكررت في الخمسين سنة الأخيرة أكثر من مرة ثم تغيرت الأوضاع ..
مشيرا إلى أن ما يحدث في مصر حدث من قبل في دول أخرى حينما طالبت شعوب بانكوك وبيونس آيرس من الجيش أن يتدخل لإزاحة حكوماتهم المنتخبة وفرحوا بتلك الخطوة ثم غيروا رأيهم، حينما رأوا الانتهاكات الواسعة التي تلت هذا التدخل، وانتهت بحرب أهلية .. وفي النهاية من أزيح من الحكم عاد له مرة أخرى. متوقعا بأن التيار الإسلامي سيعود للحكم مرة أخرى، وأن أنصار الجيش سيشعرون بالندم آجلا أم عاجلا.
أن يتنبأ كاتب أمريكي برجوع الإسلاميين إلى الحكم في مصر، أمر لا يَرِد عليه وصف الحماسة العاطفية، فالرجل ليس مسلما ولا إسلاميا، بل يقرأ الحدث المصري ويقارنه بأشباهه وأمثاله من الأحداث العالمية الأخرى، وهذه أداة من أدوات استشراف المستقبل، على هدى السنن الاجتماعية التي تأخذ صفة الثبات والاطراد، «وأن يفعل بالثاني مثل ما فعل بالأول».
حينما تلجأ بعض القوى والأحزاب والشخصيات السياسية إلى الجيش للتدخل من أجل إسقاط من أوصلهم صندوق الاقتراع إلى السلطة كما في حالة الرئيس مرسي، فإنها تفعل ذلك لأنها تعلم تماما، أنها لن تقوى على إزاحته عن طريق الصندوق نفسه، فهي تعرف حجمها الحقيقي، وتدرك تماما عجزها عن إحراز أي نجاح يُذكر، لذا فإنها تلجأ للعسكر حتى يحققوا لها ما عجزت عن تحقيقه عبر المسار الديمقراطي الذي طالما تبجحت بأنه خيارها الاستراتيجي.
يقوم الجيش بالانقلاب، ويسقطون حكم من أتى بالانتخاب، ثم ماذا بعد؟ الجيش لا يعرفون إلا لغة القوة، ولا يجيدون فن الحوار السياسي، وهي ذات الملاحظة التي أشار إليها الكاتب الأمريكي، وكل ما يجري في مصر بعد الانقلاب يؤيد ذلك ويعززه، ممارسات لا تنمُّ عن أية دراية بالسياسة وشؤونها، فالقوم يريدون أن يخضعوا الشعب المصري لخيارهم وقرارهم، ولو أدّى الأمر إلى اعتقال مئات الألوف، وممارسة أقسى ألوان القمع والإرهاب والتنكيل.
العسكر لا يعرفون مسلكا آخر، ولا يتسع حكمهم لأي معارض أو مخالف، حتى لو كان ممن باركوا انقلابهم وأيدوه، كما فعلوا بالبرادعي، فالرجل بمجرد استقالته من منصب نائب الرئيس المؤقت، فتحت عليه أبواب جهنم، وبات مذموما مطرودا، تلفق له التهم الكبيرة والخطيرة، ما يشي بأنه نادم على تأييده للانقلابيين، وتقديم الدعم لهم، فالرجل لم يكن يتمنى إزاحة حكم مرسي، ليأتي حكم العسكر بهذه الطريقة المروعة والموغلة في القمع الدموي.
غالب القوى والأحزاب السياسية، غير راضية عن حكم العسكر، لأنها كانت تتوقع أن يقوم الجيش بإسقاط الرئيس مرسي، ثم يسلم السلطة لرئيس منتخب شعبيا، يتولى حكم البلاد عبر المسار الديمقراطي، لكنهم بعدما رأوا تمسك العسكر بالسلطة، وأن ما جرى لا يمكن تسميته إلا بانقلاب عسكري، وأن ما يمارس هو حكم عسكري بامتياز، تقمع فيه الحريات، وتكمم فيه الأفواه، ويعتدى فيه على حقوق المواطنين الطبيعية، فإنهم نادمون على ما فعلوا، وسيكون ندمهم أشد حينما يتمكن الإسلاميون من الرجوع إلى السلطة، بحسب توقعات الكاتب الأمريكي.
واضح أن الانقلابيين لم يستطعيوا فرض انقلابهم على الشعب المصري، فالمظاهرات والمسيرات ما زالت مستمرة، رغم كل الاعتقالات والممارسات القمعية الرهيبة التي تمارسها سلطات الانقلاب، كما أن الأوضاع الاقتصادية في تدهور كبير، وحينما سئل رئيس الوزراء عن خطته بشأن تطوير الاقتصاد المصري وإنعاشه، أجاب بقوله «لا تسألوني عن الاقتصاد في مثل هذه الظروف».
الانقلاب لم يجلب لمصر ما كان يتطلع إليه كل الذين أيدوا الانقلاب، والمشاكل التي كانوا يشتكي منها كثير من المصريين في سنة حكم الرئيس مرسي، كطوابير البنزين، واسطوانات الغاز، عادت للظهور من جديد في المجتمع المصري، وما عابوه على مرسي في قبول المعونات القطرية، أخذوا أضعافها من دول الخليج، وقد استلموا سبعة مليار دولار، من أصل اثني عشر مليارا وعدوا بها.
في قراءته لتداعيات الانقلاب على المجتمع المصري، يشير الدكتور رفيق حبيب الكاتب والمفكر السياسي – بحسب تحقيقات صحفية – «إلى إن الانقلاب أدخلنا في مرحلة المجهول، وحرمنا من السير في أي خريطة طريق معلومة وواضحة، مؤكدا أن ما يفرضه من خريطة طريق هو خريطة طريق سقوط المجتمع في نزاع، وهو ما سوف يؤثر سلبا على الأوضاع الأمنية والاقتصادية».

اقرأ أيضا  الصيام

المصدر : السبيل 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.