التوبة والاستغفار في القرآن الكريم
الثلاثاء 15 محرم1435 الموافق19 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)
أ. د. محمد أحمد محمود
مقدمة
الحمد لله الغفور الرحيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، الذي داوم على الاستغفار ليل نهار، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فقد حفل القرآن الكريم بذِكر التوبة والاستغفار في آيات عديدة، وسور مختلفة، وبيان فضل الله – سبحانه – في قَبول توبة التائبين، ومغفرة ذنوب المستغفرين.
ومنذ بدأ الخليقة قد أخطأ أبو البشر جميعًا آدم – عليه السلام – فعصى أمر ربه، بإغواءٍ من الشيطان الرجيم، ثم تاب وأناب، فاجتباه الله – تعالى – وتاب عليه.
وهذا هو شأن كل البشر، يذنبون ساعة الغفلة والغواية، ثم يجدون باب رحمة الله أمامهم مفتوحًا لقبول توبتهم، فيستغفرون ويتوبون، فيَقبل الله – تعالى – منهم تلك التوبةَ؛ ليكبت الشيطان، ويرحم الإنسان.
وفي قبول التوبة رحمةٌ من الله – تعالى – تشمل جموعَ التائبين بصدق وإخلاص، ولولاها لفقَدَ الإنسان الأمل في رحمة الله، واستمرأ الذنوب، وظل سائرًا في غيِّه وطغيانه، حتى يوافيه الأجل المحتوم، وهو من رحمة الله محروم، وفي ذلك قنوط ويأسٌ من رحمة الله، لا يرضاهم الله، ومن ثم كانت الآية الجامعة، وهي قوله – تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وكذلك آيات التوبة والاستغفار التي تهبُّ منها نسمات رحمة الله بعباده المذنبين، فاتحةً باب الأمل في قبول التوبة، وغفران الذنوب، بل وإبدال الذنوب حسنات للتائبين الصادقين في توبتهم؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].
وقد أردتُ بهذا الجهد المتواضع أن ألقي الضوءَ على هذا الموضوع، من خلال آيات الكتاب العزيز، سائلاً اللهَ – عز وجل – المغفرةَ والتوفيق.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
التوبة
تعريف التوبة لغة:
التَّوْبة – بفتح التاء وسكون الواو- مأخوذة من (تَوبَ)، التاء والواو والباء: كلمة واحدة تدل على الرجوع[1].
وتاب إلى الله – تعالى – من كذا وعن كذا، يتوب توبًا، وتوبة ومتابًا: أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة، فهو تائب وتواب[2].
والتائب: يقال لباذل التوبة، ولقابل التوبة؛ فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده، والتواب أيضًا: العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه بعضَ الذنوب على الترتيب، حتى يصير تاركًا لجميعها، وقد يقال ذلك لله – تعالى – لكثرة قَبوله توبةَ العباد حالاً بعد حال،[3] وتيسيره التوبة لعباده مرة بعد أخرى، بما يُظهِر لهم من آياته، ويسوق إليهم من تنبيهاته، ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب، استشعروا الخوف بتخويفه، فرجعوا إلى التوبة، فرجع إليهم فضل الله – تعالى – بالقبول[4].
حقيقة التوبة:
التوبة في الحقيقة: الرجوع إلى الله – تعالى – بالتزام فعل ما يُحب ظاهرًا وباطنًا، وترك ما يَكره ظاهرًا وباطنًا.
فالتوبة – في حقيقتها إذًا – اسم لمجموع أمرين:
– الرجوع إلى المحبوب، وهو جزء من مسماها.
– والرجوع عن المكروه، وهو الجزء الآخر.
فليست التوبة إذًا مجرد الترك، وإن كان هذا هو ما يظنه كثير من الناس، وهو قصور في فَهم حقيقة التوبة؛ لأنه وإن كان ترك المكروه من لوازم التوبة، إلا أنها تتضمن أيضًا فعلَ المأمور، فمَن تَرَك الذنب تركًا مجردًا، ولم يرجع منه إلى ما يحبه الله – تعالى – لم يكن تائبًا، إلا إذا رجع وأقبل وأناب إلى الله – عز وجل – وحل عقد الإصرار، وأثبت معنى التوبة في القلب قبل التلفظ باللسان، فندم بقلبه، واستغفر بلسانه، وأمسك ببدنه، وبهذا يكون قد حقق مدلول التوبة الكاملة.
وإذا كانت هذه هي حقيقة التوبة، فإن هذه الحقيقة يدخل في معناها الواسع: الإسلام والإيمان والإحسان، فيكون الدين داخلاً في مسمى التوبة[5].
ورود التوبة في القرآن الكريم
وردَتِ التوبةُ في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى التجاوز والعفو، وهذا مقيد بـ”على”؛ ومنه قوله – تعالى -: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 54]، وقوله – تعالى -: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 15].
الثاني: بمعنى الرجوع والإنابة، وهذا مقيد بـ”إلى”؛ ومنه قوله – تعالى -: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54]، وقوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8].
الثالث: بمعنى الندم على الزلَّة، وهذا غير مقيد لا بـ”إلى”، ولا بـ”على”؛ ومنه قوله – عز وجل -: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160]، ومنه قوله – تعالى -: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [التوبة: 3].
حكم التوبة:
إن الإنسان لا يخلو من معصية أبدًا، وهذا نقص لا يسلم منه أحدٌ من البشر، فما مِن عبد إلا وقد اقترف إثمًا، أو فعل ذنبًا، وإنما يتفاوت الناس في مقادير المعاصي، أما الأصل فباقٍ.
وبيان ذلك: أن كل بشر لا يخلو عن معصية بجوارحه، فإن خلا في بعض الأحوال عن معصية الجوارح، فلا يخلو عن الهمِّ بالذنب بالقلب، فإن خلا في بعض الأحوال عن الهم، فلا يخلو عن وساوس الشيطان، بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذِكر الله، فإن خلا عنه، فلا يخلو عن غفلة وقصور في العلم بالله وصفاته وأفعاله، وكل ذلك نقص، وله أسباب، وترك أسبابه بالتشاغل بأضدادها، رجوع عن طريق إلى ضده، والمراد بالتوبة: الرجوع، ولا يتصور الخلو في حق آدمي عن هذا النقص، وإنما يتفاوتون في المقادير، أما الأصل فلا بد منه[6].
ولما كان الأمر كذلك، كان كل إنسان مفتقرًا إلى التوبة، فلا يتصور أن يستغني عنها أحد من البشر، فهي من أجلِّ الطاعات وأوجبها على المؤمنين، وهي خلق الأنبياء والمرسلين، وهي تصاحب البشرية منذ آدم – عليه السلام – هذا ما حكاه عنه القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله – تعالى -: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، ثم تتابع الرسل بعده، كلٌّ يدعو قومَه إلى التوحيد وإلى التوبة.
وهذا هو هود – عليه السلام – يقول لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
وهذا صالح – عليه السلام – يقول عنه القرآن في دعوته لقومه: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
وهذا شعيب – عليه السلام – يقول لقومه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].
وهذا موسى – عليه السلام – يلجأ إلى التوبة؛ ليتخذها مسلكًا إلى غفران ربه ورضاه، كما أخبر عنه الحق بقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143].
والتوبة خُلُق نبيِّنا – عليه أفضل الصلاة وأتم السلام – كما أخبر بذلك أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((وَاللَّهِ، إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً))[7].
وبالتوبة أَمر الرسولُ – صلى الله عليه وسلم – أصحابَه، كما حدَّث بذلك ابنُ عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي اليَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَمَرَّةٍ))[8].
وفي سورة التوبة يجعل الله هذه الصفةَ أولَ صفة يثني بها على أولئك الذين اشتروا الجنةَ من ربهم، ببيع نفوسهم وأموالهم؛ فيقول – جل ذكره -: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 111، 112].
وهكذا نجد التنزيل الإلهي يُنَوِّه بشأن التوبة، ويجعلها سِمةً أساسية من سمات الأخيار المؤمنين بالله – تعالى – منذ أقدم العصور، ويأمر بها في غير ما آية، مما يدل على وجوبها؛ قال – تعالى -: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].
يقول القرطبي – رحمه الله -: “ولا خلاف بين الأُمة في وجوب التوبة، والمعنى: وتوبوا إلى الله؛ فإنكم لا تخلون من سهوٍ وتقصير في أداء حقوق الله – تعالى – فلا تتركوا التوبة في كل حال”[9].
وقال الآلوسي – رحمه الله – في قوله – تعالى -: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ}: “تلوين للخطاب، وصرف له عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الكل بطريق التغليب؛ لإبراز كمال العناية بما في حيزه من أمر التوبة، وأنها من معظمات المهمات الحقيقية، بأن يكون – سبحانه وتعالى – الآمرَ بها، كما أنه لا يكاد يخلو أحد من المكلَّفين عن نوع من التفريط، في إقامة مواجب التكاليف كما ينبغي، لا سيما في الكف عن الشهوات”[10].
فدل ما سبق على وجوب التوبة، وأن ذلك مما اتفقتْ عليه الأُمة.
قال النووي – رحمه الله -: “واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبةٌ، وأنها واجبة على الفَوْر، سواء كانت المعصية صغيرةً أو كبيرة، والتوبةُ من مهمات الإسلام وقواعده المتأكِّدة، ووجوبُها عند أهل السُّنة بالشرع”[11].
وإذا كانت التوبة واجبة على العبد، فإنه مِن كمالها أن تكون تامةً، بحيث تستغرق الذنوبَ كلها، فلا تدع ذنبًا إلا تناولتْه، ولا معصيةً إلا محتْ أثرَها من القلب، كما يمحو ضوءُ النهار ظلامَ الليل، توبة يجمع فيها العبدُ كلَّ عزم له وإرادة، للمبادرة بها، والمضي فيها إلى آخر عمره، والإقلاع عن الذنب وهو يحدِّث نفسه ألا يعود إليه، كما لا يعود اللبن في الضرع.
أنواع التوبة
1- التوبة الخاصة:
وهي التوبة من ذنوبٍ بأعيانها، فيتوب منها ومما هو داخلٌ في نوعها، وأما التوبة من ذنب بعينه مع الإصرار على آخرَ مِن نوعه، فإن هذه التوبة لا تصح؛ كمَن تاب عن الزنا بامرأة، وهو مصرٌّ على الزنا بغيرها، فهذا في الحقيقية لم يَتُبْ من الذنب، وإنما عَدَلَ عن نوع منه إلى نوع آخر، فلا تصح توبتُه.
وهذا بخلاف مَن تاب عن ذنب، مع مباشرته آخرَ لا تعلُّق له به، ولا هو من نوعه، فإن توبته تصح فيما تاب عنه؛ كمَن تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلاً، فإن توبته من الربا صحيحة[12].
2- التوبة العامة:
وهي التوبة مما يَعلم مِن ذنوبه، ومما لا يعلم[13].
وهذه التوبة تقتضي غفرانَ الذنوب كلها، وإن لم يستحضر أعيان الذنوب، إلا أن يُعارض هذا العامَ معارضٌ يوجب التخصيص؛ مثل أن يكون بعضُ الذنوب لو استحضره لم يتب منه؛ لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حَسَن ليس بقبيح، فما كان لو استحضره لم يتب منه، لم يدخل في التوبة، وأما ما كان لو حضر بعينه لكان مما يتوب منه، فإن التوبة العامة شاملةٌ له[14].
ما يتاب منه، وهو نوعان:
أحدهما: التوبة من ترك الواجبات وفعل المحرمات: وهذا موضع أخطأ فيه كثير من الناس؛ لظنه أن التوبة تكون من فعل المحرمات فقط، فهو عند التوبة لا يستحضر إلا بعضَ ما وقع منها.
وقد يكون ما تركه من المأمور، الذي يجب لله عليه في باطنه وظاهره من شُعب الإيمان وحقائقه – أعظمَ ضررًا عليه مما فعله من بعض تلك المحرمات[15].
وهذا يوضحه: أن جنس ترك الواجبات أعظمُ من جنس فعل المحرمات؛ إذ قد يدخل في ترك الواجبات ترك الإيمان والتوحيد، ومَن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلَّد في النار، ولو فعل ما فعل، ومَن لم يأتِ بالإيمان والتوحيد كان مخلَّدًا، مهما قلَّتْ ذنوبُه، وذلك كالزهاد والعبَّاد من المشركين وغيرهم، فهؤلاء لا يَقتلون، ولا يزنون، ولا يَظلمون الناسَ، لكنَّ نفس الإيمان والتوحيد الواجب تركوه، فعُوقبوا على ترك المأمور[16].
وهذا معناه: أن العقاب يكون على ترك المأمور، كما يكون على فعل المحظور.
لذا كانت التوبة واجبة من كلا النوعين:
قال ابن تيمية – رحمه الله -: وليست التوبة من فعل السيئات فقط، كما يظنُّ كثيرٌ من الجهال، لا يتصورون التوبةَ إلا عما يفعله العبدُ من القبائح؛ كالفواحش والمظالم، بل التوبة مِن ترك الحسنات المأمور بها، أهمُّ من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها، فأكثرُ الخلق يتركون كثيرًا مما أمرهم الله به، من أقوال القلوب وأعمالها، وأقوال البدن وأعماله، وقد لا يعلمون أن ذلك مما أُمروا به، أو يعلمون الحق ولا يتَّبعونه، فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع، وإما مغضوبًا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته.
وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يَدْعوه في كل صلاة بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7].
الثاني: التوبة من الحسنات:
وتوبة الإنسان من حسناته على أوجه:
أحدها: أن يتوب ويستغفر من تقصيره فيها.
الثاني: أن يتوب من إعجابه ورؤيته أنه فعلها، وأنها حصلتْ بقوَّته، وينسى فضل الله وإحسانه، وأنه المنعم بها[17].
إن الرضا بالطاعة دليل على حسن الظن بالنفس، وجهل بحقوق العبودية، وبما يستحق الرب – جل جلاله – لذا كان أرباب العزائم والبصائر أشدَّ ما يكونون توبة واستغفارًا عقيب الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه[18]، فلولا توفيقه – سبحانه وتعالى – لما قاموا بها، ولما أدوها حق أدائها.
الثالث: التوبة مما كان يظنه العبد حسنات، ولم يكن كذلك[19]، ومنه الابتداع في الدين، فإن كل بدعة في الدين محرَّمة وضلالة؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ…))[20] الحديث.
ففي هذا الحديث تحذير للأمة من اتِّباع الأمور المحدَثة المبتدَعة، والمراد بها: ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه[21].
شروط التوبة
التوبة إلى الله – تعالى – من أعظم مقامات الدين وأجلِّها؛ لأنها تزيل العوائق التي تقوم بين العبد وبين ربه، تلك العوائق الكامنة في النفس من شهواتها ونزواتها، ولا تكون التوبة صحيحةً مقبولة، حتى تتحقق فيها شروطٌ تثبت صدق التائب في توبته، وإنابته إلى ربه – عز وجل.
ومن هذه الشروط:
1- الإخلاص:
وذلك بأن يكون الباعثُ للتوبة حبَّ الله وتعظيمه، والطمعَ في ثوابه، والخوفَ من عقابه، لا قصدًا في عَرَض من أعراض الدنيا الزائلة؛ فإن الله – سبحانه وتعالى- لا يَقبَل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه – جل وعلا – كما أخبر بذلك في كتابه الكريم، في قوله – عز وجل -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
فإخلاص العبادة لله – عز وجل – وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، هو دين الملة المستقيمة.
2- الندم:
الندم على ما سلف منه في الماضي، فلا تكون التوبة صحيحة، حتى يكون التائب نادمًا على ما سلف منه من المعاصي، ندمًا يوجب الانكسار بين يدي الله – عز وجل – والذلة له – سبحانه.
3- العزم الجازم على عدم معاودة الذنب:
فيتوب من الذنب، وهو يحدِّث نفسه ألاَّ يعود في المستقبل.
4- أن تكون التوبة في زمن قبولها:
وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها.
فالذين يعملون السيئات، ويصرُّون على المعاصي، ويسوِّفون في التوبة، حتى إذا حضر أحدَهم الموتُ قال: إني تبت الآن – هؤلاء توبتُهم غيرُ صحيحة؛ بل هي مردودة؛ لأنها لم تنشأ عن خوف الله – عز وجل – وإنما هي توبة اضطرار حين حضر الأجل، ولم يَعُد هناك متَّسَع لارتكاب الذنوب، ومما يدل على عدم قبولها قولُه – عز وجل -: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18].
والمعنى: أن الله – سبحانه وتعالى – إنما يَقبَل التوبةَ ممَّن عمل السوء بجهالة – وكل مَن عصى ربَّه فهو جاهل، حتى ينزع عن الذنب – ثم يتوب قبل الغرغرة.
وأما متى خرجت الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغَتِ الحلقومَ، وغرغرتِ النفسُ، وصار في حين اليأس – كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق – فلم ينفعه ما أظهَرَ من الإيمان[22].
فإن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع؛ كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))[23].
قال السعدي – رحمه الله – في تفسيره: توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد.
فأخبر هنا أن التوبة المستحَقة على الله حقٌّ أحقه على نفسه؛ كرمًا منه وجودًا، لمن عمل السوء؛ أي: المعاصي، {بجهالة}؛ أي: جهالة منه لعاقبتها، وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه لنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تؤول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاصٍ لله فهو جاهل بهذا الاعتبار، وإن كان عالمًا بالتحريم؛ بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبًا عليها.
{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}: يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد، إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعًا، وأما بعد حضور الموت، فلا يُقبَل من العاصين توبةٌ، ولا من الكفار رجوعٌ؛ كما قال – تعالى – عن فرعون: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، وقال – تعالى -: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر: 84].
وقال هنا: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18]، وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار، لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار.
ويحتمل أن يكون قوله: {مِنْ قَرِيبٍ}؛ أي: قريب من فعل الذنب، الموجب للتوبة، فيكون المعنى: مَن بادر إلى الإقلاع مِن حين صدور الذنب، وأناب إلى الله، وندم عليه، فإن الله يتوب عليه، بخلاف مَن استمر على ذنبه، وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفات راسخة، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة، والغالب أنه لا يوفَّق للتوبة، ولا ييسَّر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم ويقين، متهاونًا بنظر الله إليه، فإنه يسد على نفسه باب الرحمة.
نعم, قد يوفِّق اللهُ عبدَه المصرَّ على الذنوب عن عمد للتوبة النافعة، التي يمحو بها ما سلف من سيئاته، وما تقدَّم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب؛ ولهذا ختم الآيةَ الأولى بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
فمِن عِلمه: أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها، فيجازي كلاًّ منهما بحسب ما استحق بحكمته.
ومِن حكمته: أن يوفِّق مَن اقتضتْ حكمتُه ورحمته، توفيقَه للتوبة، ويخذل مَن اقتضت حكمتُه وعدله، عدمَ توفيقه، والله أعلم[24].
5- ومن شروط التوبة:
أن التوبة إذا كانت متضمنة لحق آدمي، فلا بد أن يخرج منه، إما بأدائه، وإما باستحلاله منه بعد إعلامه به، سواء كان حقًّا ماليًّا، أو جناية على بدنه أو عِرْضه؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ))[25].
ومما ينبغي الإشارة إليه: أن المظلمة إن كانت قدحًا بغِيبة أو قذفًا، ولم يغلب على ظن القادح حصولُ مفسدة بإعلام المقدوح فيه – فإن مِن شروط التوبة إعلامَه بذلك، وأما إن غلب على ظنه حصولُ مفسدة، فإنه يكفي في ذلك توبتُه بينه وبين الله – عز وجل – وأن يَذكُر المقدوحَ فيه في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذَكَره من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه، والثناء عليه، وذكر محاسنه[26].
وليس في هذا معارضة للحديث السابق؛ لأنه موافق لمقاصد الشارع من تأليف القلوب، والتراحم والتعاطف، والتحابب، ولا يتم ذلك إلا بإزالة أسباب العداوات، التي قد يكون منها إعلام المقدوح فيه بما قيل عنه من غيبة أو قذف.
فضائل التوبة
ذُكِرت التوبة في القرآن الكريم بين دعوةٍ إليها، وترغيبٍ فيها، وثناءٍ على أهلها، في سبعة وثمانين موضعًا، وقد بيَّن – سبحانه – أن التوبة خير من المواظبة على الذنب: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [التوبة: 74].
فأخبر الله – سبحانه – في هذه الآية أن التوبة خير لصاحبها؛ لما يترتب عليها من السعادة في الدنيا والآخرة، ولما لها من منزلة في الدين، تظهر من خلال فضائلها الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن تلك الفضائل:
1- أن التوبة سبب لمحبة الله – عز وجل -:
فالتوبة تثمر للعبد محبةً من الله خاصة، لا تحصل بدون التوبة؛ بل التوبة شرط في حصولها، والمحبة الحاصلة للعبد بالتوبة لا تُنال بغيرها؛ لأن التائب يكون في حال من الخوف والخشية، والانكسار والتذلل لله، والتضرع إليه بأن يقبل توبته، ويغفر زلَّته، ويتجاوز عن جرمه وخطيئته، وهذه الأحوال هي من أفضل أحوال العبد التي يُحبها الله – عز وجل – ولهذا قال – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، فالله – سبحانه وتعالى – يحب عبادَه الذين كلما وقعت منهم زلةٌ، أحدثوا لها توبةً؛ لأن ذلك من أسباب إظهاره – سبحانه – صفةَ الحلم والعفو، والجود والرحمة والكرم، وإذا أحب مَن يتكرر منه التوبة بتكرار المعاصي، فهو في التائب الذي لم يقع منه بعد توبته زلةٌ – إن كان ذلك يوجد – أحبُّ، وفيه أرغب، وبه أرحم[27]، وقد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ، انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ تَجُرُّ زِمَامَهَا، بِأَرْضٍ قَفْرٍ، لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟))، قُلْنَا: “شَدِيدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ”، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَمَا وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، مِنْ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ))، قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ إِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ”[28].
وهذا المثل ضربَه النبي – صلى الله عليه وسلم – لبيان فرح الرب – عز وجل – بتوبة العبد، فصاحب هذه الراحلة كان في أرض فلاة خالية، لا أنيس بها ولا مُعين، ثم إنها مهلكة؛ لا ماء بها ولا طعام، فنام فاستيقظ فلم يجد راحلتَه، التي عليها مادةُ حياته من طعام وشراب، فأخذ يبحث عنها، حتى أدركه العطشُ، وآيس من العثور عليها، فرجع إلى مكانه، وجلس ينتظر الموت، فنام في مكانه، فلما استيقظ وجدها عنده وعليها طعامُه وشرابه، فلا فرحة تعدل هذه الفرحةَ، ومع هذا ففرحُ الله – عز وجل – بتوبة عبده إذا تاب، أعظمُ من فرح هذا براحلته.
قال ابن تيمية – رحمه الله -: “والفرح إنما يكون بحصول المحبوب، والمذنب كالعبد الآبق من مولاه الفارِّ منه، فإذا تاب فهو كالعائد إلى مولاه وإلى طاعته، وهذا المَثل الذي ضربه النبي – صلى الله عليه وسلم – يبيِّن من محبةِ الله وفرحه بتوبة العبد، ومن كراهته لمعاصيه، ما يبين أنَّ ذلك أعظم من التمثيل بالعبد الآبق؛ فإن الإنسان إذا فقَدَ الدابةَ التي عليها طعامُه وشرابه في الأرض المهلكة، فإنه يحصل عنده ما الله به عليم من التأذِّي، من جهة فقْد الطعام والشراب والمركب، وكون الأرضِ مفازةً لا يمكنه الخلاصُ منها، وإذا طلبها فلم يجدها، يئس واطمأن إلى الموت، وإذا استيقظ فوجدها كان عنده من الفرح ما لا يمكن التعبير عنه، بوجود ما يحبه ويرضاه، بعد الفقد المنافي لذلك، وهذا يبيِّن من محبة الله للتوبة المتضمنة للإيمان والعمل…”[29].
والمقصود أن هذا الفرحَ من الله – عز وجل – بتوبة عبده، دليلٌ على عظم قدر التوبة، وأنها من أجلِّ الطاعات وأوجبها على المؤمنين، وهو فرح محسن، بَرٍّ، لطيف، جواد، غني، لا فرح محتاج إلى حصول متكمل به، مستقبل له من غيره، فهو عين الكمال[30].
2- ومن فضائل التوبة:
أنها سبب لتبديل السيئات حسنات؛ قال – تعالى -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 – 70].
المعنى: مَدَح اللهُ – عز وجل – عبادَه بما ذَكَره في هذه الآياتِ من الصفات، وأخبر أن مَن اتَّصف بأضدادها، فإنه يضاعف له العذاب، واستثنى – تعالى – مَن تاب مِن ظلمه، ورجع إلى ربه، فإنه يبدل سيِّئاتِه حسناتٍ.
واختلف المفسرون في التبديل المذكور على قولين:
القول الأول: أن الله – سبحانه وتعالى – يبدل سيئاتِ التائب حسناتٍ يوم القيامة؛ وذلك لأن هذا المسيءَ التائب كلما تذكَّر ما مضى، ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنبُ طاعةً بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوبًا عليه، فإنه لا يضره، وينقلب حسنة في صحيفته، كما ثبت في السُّنة، وصحَّت به الآثار المروية عن السلف – رضي الله عنهم[31].
قال الشوكاني – رحمه الله -: وبه قال جماعة من الصحابة ومَن بعدهم[32].
واستدل القائلون بذلك بما يلي:
1- ما ثبت في “صحيح مسلم” – رحمه الله – من حديث أَبِي ذَرٍّ- قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَاهُنَا))، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ”[33].
2- واستدلُّوا أيضًا بأن الجزاء من جنس العمل، فكما أنهم بَدَّلوا أعمالَهم السيئة حسناتٍ، يبدِّلها الله في صحف الحفظة حسناتٍ جزاء وفاقًا[34].
القول الثاني: أنهم بدلوا مكانَ عملِ السيئات عملَ الحسنات في الدنيا[35]، فهو تبديل الأعمال القبيحة والإرادات الفاسدة، بأضدادها من الأعمال الصالحة، وهي حسنات.
وعللوا ذلك: بأنه إذا انقلبَتِ السيِّئاتُ حسناتٍ في حق التائب، لكان أحسن حالاً مِن الذي لم يرتكب منها شيئًا، وأكثر حسنات منه؛ لأنه إذا أساء، شارَكَه في حسناته التي فعلها، وامتاز عنه بتلك السيئات التي انقلبت حسنات[36].
واختار هذا القولَ ابنُ جرير – رحمه الله – وقال: وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن الأعمال السيئة قد كانت مضتْ على ما كانت عليه من القبح، وغير جائز تحويل عَينٍ قد مضت بصفة، إلى خلاف ما كانت عليه، إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها في حال أخرى[37].
واستدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه بما يلي:
أولاً: من القرآن:
قوله – تعالى -: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [آل عمران: 193]، وقوله – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].
فدلَّ ذلك على أن السيئة لا تنقلب حسنة؛ بل غايتها أن تُمحى وتُكفَّر ويَذهب أثرُها، فإنها لم تكن طاعة، وإنما كانت مكروهة للرب، فكيف تنقلب محبوبة مَرْضِيَّة؟![38].
ثانيًا: استدلوا من السنة:
بحديث ابن عمر – رضي الله عنه – أنه قال له رجل: كيف سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في النجوى؟ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ))[39].
فهذا الحديث: الذي تضمن العناية بهذا العبد، إنما فيه ستر ذنوبه عليه في الدنيا، ومغفرتها له يوم القيامة، ولم يقل: وأعطيتك بكل سيئة منها حسنةً، فدل على أن غاية السيئات مغفرتُها، وتجاوُزُ الله عنها[40].
والراجح – والله أعلم – أن التبديل المذكور في الآية على حقيقته، وأنه يكون في الدنيا بتبديل الأعمال السيئة أعمالاً حسنة، وفي الآخرة بتبديل السيئات في صحائف الأعمال حسناتٍ.
وأما ما ذهب إليه الفريق الثاني مِن منعِ ذلك في الآخرة، فإنه لا مانع من ذلك حقيقة، لا مِن الكتاب، ولا من السنة، ولا من العقل؛ وذلك لأن القرآن والسنة دلاَّ على وقوع ذلك، وهو ما وَعَد الله – عز وجل – به، وهو – سبحانه – لا يخلف الميعاد، كما أنه – سبحانه – لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا يصح لنا أن نقول: أنه يجوز على الله كذا وكذا، ولا يجوز عليه كذا وكذا، وبخاصة فيما أخبر – سبحانه وتعالى – أنه يفعله.
وتعليلهم ذلك: بأنه لو انقلبت السيئات حسنات في حق التائب، لكان أحسن حالاً ممن لم يرتكب منها شيئًا، هذا على فرض وجود مَن لم يرتكب سيئات، وهذا محال، إلا في حق مَن عصمه الله – عز وجل – وأيضًا فإنه على فرض صحة وجود مَن لا سيئات له، فإن ما عمله من الحسنات، أخبر – سبحانه وتعالى – أنه يضاعفها؛ قال – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، فكيف يقارن حال مَن ضوعفت حسناتُه بمَن بُدِّل مكانَ كل سيئةٍ حسنةً واحدة؟!
وأما استدلالهم بقوله – تعالى -: {ربَّنَا اغْفِرْ…} الآية [آل عمران: 193]، وقوله – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ}[الزمر: 53]، وحديث ابن عمر[41] – فلا دلالةَ فيه على قولهم؛ لأنه وإن دل على مغفرة الذنوب، فلا دلالة فيه على المنع من تبديل السيئات حسناتٍ يوم القيامة.
3- ومن فضائل التوبة:
أنها سبب لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات؛ قال – تعالى -: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].
المعنى: في هذه الآية فتح الله – عز وجل – لعباده التائبين بابَ الرجاء، فالتوبة معروضة، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي؛ ولهذا قال – تعالى -: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ}، فأتى بصيغة المبالغة؛ أي: كثير المغفرة والرحمة، {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، {وَعَمِلَ صَالِحًا} مما ندب إليه الشرع وحسَّنه من أعمال القلب والجوارح وأقوال اللسان، ثم لزم الصراط المستقيم والمنهاج القويم؛ أي: استقام على السنة والجماعة، وثبت على ذلك حتى الممات، فهذا يَقبل الله توبتَه، ويقيل عثرته؛ لأنه أتى بأسباب المغفرة.
وقال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ…} [التحريم: 8].
المعنى: أمر الله – عز وجل – عبادَه بالتوبة من الذنوب إذا تلبَّسوا بها؛ لأن ذلك من إصلاح أنفسهم، ولأنهم قد يذهلون عما فرط منهم، فهداهم إلى السبيل الذي تمحى به سيئاتُهم، وهو التوبة النصوح.
والنصوح إما على وزن “فَعُول”، المعدول به عن فاعل؛ قصدًا للمبالغة، وأصله من خلوص الشيء من الغش والشوائب، يقال: هذا عسل ناصح: إذا خلص من الشمع، فهذه التوبة نصح فيها التائب، فلم يشنها بغش، وإما على وزن فاعل: أي ناصحة خالصة صادقة[42].
وهذه التوبة تتضمن ثلاثة أمور:
الأول: ويتعلق بما يتوب منه، بأن تكون التوبة كاملة، تعُم جميع الذنوب وتستغرقها، بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولتْه، ولا معصيةً إلا دخلتْ في عمومها.
الثاني: ويتعلق بالتائب نفسه، بأن يجمع همَّه وإرادته بالمبادرة بالتوبة، عازمًا على المضي فيها إلى آخر العمر.
الثالث: ويتعلق بمَن يتوب إليه، وذلك بأن يُخلِّص التوبة مما يَقدح فيها، فلا يكون الباعث لها حفظ شيء من أمور دنياه، من جاه، أو مال، أو رئاسة، وإنما يكون ذلك لخوفه من الله، ورغبته فيما وعد به التائبين[43].
فإذا تضمنت التوبة هذه الأمورَ، كان صاحبها داخلاً في وعده – عز وجل – بمحو السيئات، ودخول الجنات التي فيها النعيم المقيم، في ذلك اليوم الذي يكرم الله فيه أولياءه، بما يعطيهم من أنواع الكرامة، ومنها النور المنتشر بين أيديهم وبأيمانهم.
4- ومن فضائل التوبة:
أنها سبب لدخول الجنة؛ قال – تعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ…} إلى قوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 58 – 60].
المعنى: لما ذَكَر – سبحانه وتعالى – حزبَ السعداء، وهم الأنبياء، ومَن تبعهم بإحسان، ممن قاموا بحدود الدين، فاتبعوا أوامره، وأدَّوا فرائضه، وتركوا نواهيَه – أردف هذا بذِكر مَن خالفهم ممن جاء بعدهم، ووصفهم بوصفين: إضاعة الصلاة، واتِّباع الشهوات، وهذان وصفان جامعان لأصناف الكفر والفسق، فمَن ضيَّع الصلاة فهو لما سواها من الواجبات أضيعُ؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد، وإضاعة الصلاة يدخل فيها مَن أخَّر الصلاة عن وقتها، أو ترك فرضًا من فروضها، أو شرطًا من شروطها، أو ركنًا من أركانها، ويدخل تحت إضاعتها أيضًا: مَن تركها بالمرة أو أحدها دخولاً أوليًّا.
والسبب الذي ضيع مِن أجله هؤلاء الصلاةَ: اتباعُهم شهواتِ النفس، ودواعيَ الهوى، فصارت هممهم منصرفةً إلى تحصيلها على أي وجه كان، فقطعهم ذلك وشغلهم عن فرائض الله – عز وجل – فتوعَّدهم – سبحانه – بالوعيد الشديد المضاعف، ولما أخبر – سبحانه وتعالى- عن حالهم وجزائهم، فتح لهم بابَ التوبة، وحَدَاهم إلى غسل الواضح في عالم الوجدان والحس، بتوبة تُنجي من العذاب الأليم، ومَن جمع بين التوبة والإيمان والعمل الصالح، فإنه يكون ممن يدخل الجنة، من غير أن ينقص من عمله شيء.
الاستغفار
الضعف والتقصير مما جبَل الله – عز وجل – عليه البشرَ، وهو مما يحملهم على اقتراف الذنوب، والوقوعِ في العصيان، والسلامةُ من ذلك مما لا مطمع فيه لأحد؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ))[44].
فالله – عز وجل – من رحمته بخَلقِه، ومزيدِ فضله على عباده، أنه فتح لهم بابَ الرجاء في العفو والمغفرة، بالاستغفار، فأهل الإيمان، وأرباب المعرفة بالله، إذا أذنبوا استغفروا، وإذا أساؤوا أنابوا، كيف لا وقد بشَّرهم المولى – سبحانه وتعالى- بقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49]، وقوله – عز وجل -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]؟
والاستغفار: طلب المغفرة قولاً وفعلاً، والغفران والمغفرة: هو أن يصون الله – عز وجل – العبدَ من أن يمسه العذابُ[45].
حقيقة الاستغفار:
كثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل، ثم قال أستغفر الله، زال الذنب، وراح هذا بهذا، وذلك من مغالطة النفس؛ لأن الاستغفار الحقَّ ما تواطأ عليه القلبُ واللسان، وظهر أثرُه على الجوارح، فخرج به العبد من الفعل المكروه، إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص، إلى العمل التام.
والله – سبحانه وتعالى – لما أثنى على عباده بالاستغفار، قيَّده بعدم الإصرار؛ قال – تعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
المعنى: أخبر – سبحانه وتعالى – عن شأن عباده المؤمنين، إذا صدرت منهم أعمالٌ سيئة، من ظلم النفس، فذكروا حق الله – سبحانه وتعالى – وعظمته الموجبة لخشيته وخوفه، والحياء منه، وتذكَّروا كذلك وعدَه ووعيده، فبادروا بطلب المغفرة منه – عز وجل – فإنه لا يغفر الذنوبَ أحدٌ سواه، ولم يُصرُّوا على قبيح فعلهم، وهم عالمون بقبحه، والنهيِ عنه، والوعيدِ عليه.
جمع القرآن بين التوبة والاستغفار، والفرق بينهما:
قرن الله – سبحانه وتعالى – بين التوبة والاستغفار، في أكثر من آية من كتابه – تعالى – كما قال – عز وجل – على لسان نبيه – صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]، وقوله – عز من قائل – على لسان هود – عليه السلام -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52]، وقوله – عز وجل – على لسان صالح – عليه السلام -: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 61]، وقوله – سبحانه – على لسان شعيب – عليه السلام -: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 90].
فالاستغفار: طلب وقاية شرِّ ما مضى، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله، فهاهنا أمران لا بد منهما: مفارقة شيء، والرجوع إلى غيره، فخُصَّت التوبة بالرجوع، والاستغفارُ بالمفارقة، وعند إفراد أحدِهما يتناول الأمرين[46].
أهمية الاستغفار:
إن العبد دائمًا دائرٌ بين نعمة من الله – سبحانه وتعالى – يحتاج معها إلى شكر، وبين ذنبٍ منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكل من هذين الأمرين من الأمور اللازمة للعبد، والعارف بالله في كل يوم؛ بل في كل ساعة؛ بل في كل لحظة – يزداد علمًا بالله، وبصيرة في دينه وعبوديته؛ بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه، ونومه ويقظته، وقوله وفعله، ويرى تقصيره في حق ربه – عز وجل – سواء في القيام بعبادته حق القيام، أم في شكر نعمته؛ ولهذا كان محتاجًا إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار؛ بل هو مضطر إليه دائمًا في الأقوال والأفعال، وسائر الأحوال؛ لما فيه من المصالح، وجلب الخيرات، ودفع المضرات[47].
ولما كان الاستغفار بهذه الأهمية، قَرَنَه الله – عز وجل – في كتابه الكريم، بتوحيده – جل وعلا – قال – تعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].
قال ابن تيمية – رحمه الله-: وقد ثبتت دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد، واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله، من أولهم إلى آخرهم، ومن آخرهم إلى أولهم، ومن الأعلى إلى الأدنى، وشمول دائرة التوحيد الاستغفار للخلق كلهم، وهم فيها درجات عند الله، ولكل عامل مقام معلوم.
فشهادة أن لا إله إلا الله – بصدق ويقين – تُذهب الشركَ كله، دِقَّه وجِلَّه، خطأه وعمده، أوَّلَه وآخره، سِرَّه وعلانيته، وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه.
والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته، ويمحو الذنبَ الذي هو من شُعب الشرك؛ فإن الذنوب كلها من شعب الشرك؛ فالتوحيدُ يُذهب أصلَ الشرك؛ والاستغفارُ يمحو فروعَه، فأبلغُ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله، فأمَرَه بالتوحيد والاستغفار لنفسه، ولإخوانه من المؤمنين[48]؛ بل قد أمر الله – عز وجل – نبيَّه – صلى الله عليه وسلم – بالاستغفار، بعد أن بلَّغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، قال – تعالى -: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 – 3].
قالت عائشة – رضي الله عنها -: ما صَلَّى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا: ((سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي))[49].
فلا أحسن إذًا من ختام العمل بالاستغفار؛ فإنه إن كان العمل سيِّئًا، كان الاستغفار كفارة له، وإن كان حسنًا، كان كالطابع عليه؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: ((سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ))، قَالَ: ((وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ – فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ))[50].
وقد امتثل – صلى الله عليه وسلم – لأمر الله – عز وجل – له بالاستغفار، فكان عليه – الصلاة والسلام – ملازمًا للاستغفار، كما أخبر بذلك عن نفسه – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ))[51].
والمراد بقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي)):
1- قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر، الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل، عدَّ ذلك ذنبًا، واستغفر منه.
2- وقيل: هو همه؛ بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده، فيستغفر لهم.
3- وقيل سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم، ومحاربة العدو ومداراته، وتأليف المؤلَّفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه، فيراه ذنبًا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره مع الله – تعالى – ومشاهدته، ومراقبته، وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك[52].
وهكذا شأن أهل الإيمان والعرفان، يقدِّمون الجليل من الطاعات والأعمال، ثم يُتبِعون ذلك بالاستغفار؛ خشيةَ التقصير والإخلال، وبهذا أثنى عليهم الملك العلام: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} [الذاريات: 17، 18]، أحيوا الليل بالقيام، فلما كان وقت السحر، ختموه بالاستغفار.
ثمرات الاستغفار:
إن من منن الله الكبرى، وفضائله العظمى، ما رتَّب على الاستغفار من عظيم الجزاء، وواسع العطاء، ومن ذلك:
1- أن الاستغفار سبب المغفرة، ولو عظمت الذنوب، وبلغت من الكثرة عنان السماء:
قال – تعالى -: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].
قال السعدي – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية: أي مَن تجرأ على المعاصي، واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارًا تامًّا، يستلزم الإقرار بالذنب، والندم عليه، والإقلاع، والعزم على ألا يعود – فهذا قد وعده مَن لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة، فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدَّم من الأعمال الصالحة، ويوفِّقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلاً عن توفيقه؛ لأنه قد غفره، وكذا سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة، وسُمي “سُوءًا”؛ لكونه يسوء عامِلَه بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن، وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق، يشمل ظلمَها بالشرك فما دونه… وسمى ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله – تعالى – قد جعلها أمانة عند العبد، وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها الصراط المستقيم علمًا وعملاً، فيسعى في تعليمها ما أمر به، ويسعى في العمل بما يجب[53].
وقال – تعالى – في الحديث القدسي: ((يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي…)) [54].
فما دام العبد يدعو الله – عز وجل – ويرجوه مغفرة ذنوبه، ويستغفره لما فرط منه، فإنه – سبحانه – يغفر له ذنوبه، وإن تكررت وكثرت؛ لأنه – سبحانه – لا يتعاظمه ذنبٌ، كبيرًا كان أو صغيرًا.
2- أن الاستغفار سبب لرفع البلاء والنقم:
قال – تعالى -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
وسبب نزول هذه الآية: لما قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطرْ علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ…} الآية[55].
وقد دلَّت هذه الآيةُ على فضيلة الاستغفار وبركته، بإثبات أن المسلمين أَمِنوا من العذاب، الذي عذَّب الله به الأممَ؛ لأنهم استغفروا من الشرك باتِّباعهم الإسلامَ[56].
3- أن الاستغفار سبب للمتاع الحسن في الدنيا:
بما يتبعه من نزول الغيث المدرار، وحصول البركة في الأرزاق والثمار، والإمداد بالأموال والبنين، وحصول القوة والعزة والتمكين؛ قال – تعالى -: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3]، وقال – تعالى – على لسان نوح – عليه السلام -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 – 12]، وقال – تعالى – على لسان هود – عليه السلام -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
هذه جملة من ثمرات الاستغفار، ومن أراد الاستزادة، فعليه بالكتاب والسنة، ففيهما الكفاية، نسأل الله المغفرة والهداية، سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــ
[1] “معجم مقاييس اللغة” لابن فارس، 1/357، مكتبة الخانجي – القاهرة – الطبعة الثالثة، 1402هـ.
[2] “لسان العرب” لابن منظور، باب: التاء، مادة: توب 2/61، “تاج العروس” للزبيدي، فصل: التاء، باب: الباء 1/161.
[3] “المفردات في غريب القرآن” للراغب الأصفهاني، ص96.
[4] “المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى” لأبي حامد الغزالي، تحقيق: محمد عثمان، ص123.
[5] “مدارج السالكين” لابن القيم، 1/ 342، 343.
[6] “الإحياء” للغزالي، 4/ 9، 10.
[7] أخرجه البخاري في “صحيحه”، كتاب: الدعوات، باب: استغفار النبي – صلى الله عليه وسلم – في اليوم والليلة، رقم الحديث: 6307، ص: 1097.
[8] أخرجه مسلم في “صحيحه”، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار والإكثار منه، رقم الحديث: 6804، ص: 1449.
[9] “الجامع لأحكام القرآن” 12/ 158.
[10] “روح المعاني” 18/ 146، 147.
[11] “صحيح مسلم بشرح النووي”، كتاب: التوبة، 17/ 59.
[12] “مدارك السالكين” لابن القيم، 1/ 308.
[13] “مدارك السالكين” لابن القيم، 1/ 305.
[14] “مجموع الفتاوى” لابن تيمية، 10/ 328.
[15] المصدر السابق، 10/ 329.
[16] المصدر السابق، 11/ 671.
[17] “مجموع الفتاوى” لابن تيمية، 11/ 687، 688.
[18] “مدارج السالكين” لابن القيم، 1/ 203، 204.
[19] “مجموع الفتاوى” لابن تيمية، 11/ 687.
[20] أخرجه الترمذي في “سننه”، كتاب: العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم الحديث: 2676، 5/ 43، 44.
[21] “جامع العلوم والحكم” لابن رجب الحنبلي، ص: 289.
[22] “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير، 1/ 409، 410.
[23] أخرجه الترمذي في “سننه”، كتاب: الدعوات، باب: فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من – رحمة الله – لعباده، رقم الحديث: 3537، 5/ 511، وقال: “هذا حديث حسن غريب”، ورواه أحمد في “مسنده”، مسند عبدالله بن عمر، رقم الحديث: 6160، ص: 471، قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير عبدالرحمن، وهو ثقة؛ “مجمع الزوائد” 10/ 197.
[24] “تيسير الكريم الرحمن” 2/ 39 – 41.
[25] أخرجه البخاري في “صحيحه”، كتاب: المظالم، باب: من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته؟ رقم الحديث: 2449، ص: 395.
[26] “التوبة إلى الله” للدكتور/ صالح بن غانم السدلان، ص: 33، 34 وهامشها.
[27] “نظم الدرر” للبقاعي، 1/ 421، 422.
[28] أخرجه نحوه البخاري في “صحيحه”، كتاب: الدعوات، باب: التوبة، رقم الحديث: 6308، ص: 1097، وأخرجه مسلم في “صحيحه” واللفظ له، كتاب: التوبة، باب: في الحض على التوبة والفرح بها، رقم الحديث: 2747، ص: 1469.
[29] “منهاج السنة النبوية”.
[30] “طريق الهجرتين” لابن القيم، ص: 24.
[31] “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير، 3/ 37.
[32] “فتح القدير” 4/ 103.
[33] أخرجه مسلم كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم الحديث: 190، ص: 119، 120.
[34] “طريق الهجرتين” لابن القيم، ص: 248.
[35] “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير، 3/ 37.
[36] “طريق الهجرتين” لابن القيم، ص: 245، 246.
[37] “جامع البيان” 19/ 47، 48.
[38] “طريق الهجرتين” لابن القيم، ص: 246.
[39] أخرجه مسلم في “صحيحه”، كتاب: التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم الحديث: 6768، ص: 1481.
[40] “طريق الهجرتين” لابن القيم، ص: 246.
[41] سبق تخريجه، مسلم في كتاب: التوبة… رقم: 2768، ص: 1481.
[42] “مدارج السالكين” لابن القيم، 1/ 346.
[43] “المصدر السابق” 1/ 347.
[44] أخرجه مسلم في “صحيحه”، كتاب: التوبة، باب: سقوط الذنوب بالاستغفار، رقم الحديث: 2749، ص: 1470.
[45] “بصائر ذوي التمييز” للفيروزآبادي، 4/ 136.
[46] “مدارج السالكين” لابن القيم، 1/ 345.
[47] “مجموع الفتاوى” لابن تيمية، 11/ 696.
[48] “مجموع الفتاوى” 11/ 696، 697.
[49] أخرجه البخاري في “صحيحه”، كتاب: التفسير، تفسير سورة النصر، رقم الحديث: 4967، ص: 890.
[50] أخرجه البخاري في “صحيحه”، كتاب: الدعوات، باب: أفضل الاستغفار، رقم الحديث: 6306، ص: 1097.
[51] أخرجه مسلم في “صحيحه”، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار والإكثار منه، رقم الحديث: 2702، ص: 1449.
[52] “صحيح مسلم بشرح النووي”، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، والحث على ذكر الله – تعالى – باب: استحباب الاستغفار والإكثار منه، 17/ 23، 24.
[53] “تيسير الكريم الرحمن” 2/ 156، 157.
[54] سبق تخريجه، أخرجه الترمذي في “سننه”، كتاب: الدعوات، باب: فضل التوبة والاستغفار، رقم الحديث: 3540، 5/ 512.
[55] أخرجه البخاري في “صحيحه”، كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ…} [الأنفال: 32]، رقم الحديث: 4648، ص: 797.
[56] “التحرير والتنوير” لابن عاشور، 9/ 335.
المصدر:الألوكة