التدخين.. آفة مجتمعية وخسارة للصحة وللجيب

الأربعاء23 محرم1435 الموافق27 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

جمانة جمال
بيضاء صافية، تلمع في العيون، في حال امسكت بها يتقلص حجمها شيئا فشيئا، ليتحول لونها الابيض الى رماد اسود مبعثر مزعج، فبالرغم من جمال لونها الذي كانت عليه إلا أن ما بداخلها سم يستمتع بقتلك ببطء، وكما يقال “من بره هاالله هالله ومن جوا يعلم الله“.

السيجارة تلك التي سيطرت على عقول الصغار قبل الكبار، فلا يكاد يخلو مكان الا وتكون السيجارة سيدة الموقف هناك، فيظن من يمسك السيجارة أنه من يتحكم بها عن طريق تلك النفخات التي جعلت منه اسيراً متحكمة به بتلك الغيمة التي تخرج من انف المدخن كصفارة القطار.
السيجارة أو الدخينة أو لفافة التبغ هي منتج مصنوع من أوراق التبغ، تلف أو تحشا بداخل غلاف ورقي على شكل أسطوانة، يبلغ طولها عادة 120 مم وقطرها 10 مم، تسمح بعض الدول المصنعة السيجارات أن لا فقط من أوراق التبغ بل حتى من ساق النبات، حيث يسحق ويقطع، وتشعل السيجارة من نهاية واحدة، وتوضع النهاية الأخرى في الفم، ولم تكن السيجارات معروفة في أوروبا قبل اكتشاف كريستوفر كولومبس أمريكا عندما رأى الهنود الحمر يدخنون.
تحتوي السيجارة على التبغ الذي يحتوي على نحو 500 مركب مختلف نسبها حسب نوع السيجارة، منها القار والكربون المؤكسد، ومن أخطر المواد التي تحتوي عليها السيجارة هي النيكوتين والقطران وأول اكسيد الكربون.
وتبين مؤخرا من دراسة قامت بها جهات متابعة ومتخصصة أن مصنعي السجائر خلال السنوات الأخيرة يتلاعبون بنسبة النكوتين في السجائر المنتجة زيادتها على ما هو معلن؛ وذلك لخلق حالة إدمان للنيكوتين.
وهناك مدخنون يعتبرون ان التدخين ليس إلا مجرد عادة، وان بمقدورهم الاستغناء عنه بسهولة.
ابو حمزة يقول: “ان بداية التدخين كانت بعد زواجه؛ نتيجة لجلوسه مع الاصدقاء الذين كانوا يدفعونه الى التدخين وهو لديه القدرة على ترك التدخين اذا اراد، ويبرهن على كلامه انه في نهار رمضان لا يشعر ان لديه رغبة في التدخين، وان لم يكن يملك مالاً لشراء سيجارة فإنه لا يدخن“.
ويرى ان الدخان مع فنجان قهوة او شاي يريح الاعصاب.
وعند لفت نظره الى ما يتم كتابته على علب الدخان من تحذير من الامراض التي يسببها الدخان، قال إنه غير مقتنع ان الدخان يسبب تلك الامراض، فهو وجد ان مثله كجده الذي توفي وعمره 90 عاما وكان مدخناً لم يصب بأي مرض، كذلك والدته من المدخات وهي الى الان والحمد لله غير مصابة بأي من تلك الامراض.
ويروى لنا اسامة مازن الذي لم يتجاوز عمره 18 سنة وهو مدخن منذ 4 اعوام تقريبا، بداية قصته مع الدخان ليقول في البداية كنت ادخن سيجارة ثم سيجارتين مع اصدقائه حتى اعتاد عليها، واصبح يدخن في اليوم ما يقارب علبة سجائر واحده، واحيانا اقل بقليل. ويذكر لنا سبب تمسكه بالسيجارة بالرغم من معرفته انها تسبب الامراض هو عناده اهله الذين عارضوا تدخينه لصغر سنه، اضافة الى انه يرى ان الموت لن يأتي للمرء سوى مرة واحدة!
اسامة حاول ان يترك الدخان الا انه لم يستطع، فهو شعر بالراحة عندما يدخن ليصف شعورة بجملة “بحس انها بتعبي الراس خصوصا بعد تناول الطعام“.
ولانه كان يعمل في اثناء العطلة في سوبر ماركت كانت مهمة الحصول على سجائر سهلة جدا، وفي متناول يده.
مدخن آخر لم يرغب بذكر اسمه يروي بدايته مع التدخين ليقول: “بدأت الدخان وانا صغير، فأولها دلع وآخرها ولع، فكنت ادخن نص سيجارة وبعدين سيجارة كاملة، وهيك حتى اصبحت معلم بالدخان، وللاسف اصبح الدخان بيدي عادة وأمراً طبيعياً فهو ادمان، خصوصا ان شعرت اني في حالة مزاجية سيئة لا شعوريا اخرج سيجارة وادخنها”. وبالرغم من انه تركها فترة زمنية لأنه مقتنع انها تسبب امراض، الا انه عاد اليها بسبب اعتياده عليها.
ابو ليث مدخن سابق ترك التدخين منذ ما يقارب السنتين، والذي ساعده على ترك الدخان هو تدخين النرجيلة التي لا يدخنها بشكل يومي او في كل الاوقات، الا ان ابو ليث يحن الى تدخين السيجارة لانه يراها انها تسبب له نوعا من الراحة.
وعند وصف شعور المدخن يقول ابو ليث إنه لا يستطيع احد ان يصف الشعور؛ لأنه شعور خاص بالمدخن، خصوصا مع فنجان القهوة صباحا او بعد تناول طعام.
ويرى ان معظم المدخنين يلجأون الى التدخين رغبة في رؤية الدخان الذي ينفثوه من افواههم وانوفهم!
عانى ابو ليث بداية عند تركه التدخين من فقدان حاسة الشم والتذوق لفترة معدودة، اضافة الى الكحة والبلغم الا انه لم يعد الى التدخين، فهو حاليا يكتفي بالنرجيلة.
يصف ابو ليث حاله بأنه وقع بين نارين؛ نار تركه النرجلية لأنه سيعود بعدها الى الدخان، وتركه الدخان وبقائه على النرجيلة.
التدخين مسيطر على عقول الشباب او من هم اقل من 18 سنة كنوع لإظهار الرجوله والفتوة، ويقول الخبير الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي “إن 85 في المئة بدؤوا التدخين قبل عمر 20 سنة، يعني نجد ان هناك علاقة بين التدخين ومرحلة الشباب او المراهقة التي تبدأ فيها مرحلة اظهار القوة والرجولة والفتوة ومرحلة بداية الاستقلالية واثبات الذات، وان الذي يؤدي الى التدخين هو التقليد الاعمى للاصدقاء، اضافة الى سهولة الحصول على السيجارة، والاخطر من هذا هو دخول الاناث الى مستنقع التدخين؛ بسبب عملية الترويج له من قبل الاناث، خصوصا تدخين النرجيلة وهو ما يسبب لهن اضرارا كبيرة“.
ويشير الخزاعي إلى أن النقطة الاخطر ان اضرار التدخين لا تظهر مباشرة الا بعد فترة زمنية طويلة، فلو كانت آثاره تظهر سريعا لما وجدنا الاقبال عليه بهذه السرعة، والذي يساعد على انتشارة هو تدخين الاهل امام ابنائهم او ترويج للدخان اعلاميا.
ويؤكد الخزاعي ان للاهل دوراً كبيراً في توجيه ابنائهم لترك التدخين بطرق سليمة؛ لأن بعضهم يلجأ الى التدخين كنوع من انواع العناد للاهل التي ما تلبث الى ان تتحول الى عادة يصعب تركها.
يذكر الخزاعي ان عدد من يموتون من التدخين حول العالم ما يقارب 5 ملايين مدخن، فالسيجارة الواحدة تحتوي على اربعة الاف مركب كيميائي، وهو ما نجده مكتوبا على علبة السجائر، لهذا يجب ان يكون لدينا وعي اكبر من هذا من اخطار التدخين.
ويوضح الخزاعي ان ترك التدخين يسبب العصبية وهو امر موجود، خصوصا عندما يكون المدخن صائما فتبدأ عليه اعراض انسحاب المادة السمية في الدم بعد الساعة 12 ظهرا، لأن 25 في المئة من دم المدخن يكون ميتاً غير نشيط ليحل محله النيكوتين الذي يسبب نوعا من الادمان، لذلك لا نفضل ان يبدأ المراهق بالتدخين؛ لأنه يكون بمرحلة النمو ونحن بحاجة الى شباب خالين من الأمراض.
هذا وبلغت نسبة مدخني السجائر فوق سن 18 عاماً في الأردن 29 في المئة، ونسبة مدخني السجائر في الفئة العمرية من 13 إلى 15 سنة 13.6 في المئة، ونسبة النساء اللواتي يدخنّ النرجيلة 12 في المئة في مقابل 10 في المئة للرجال.
كما أن التعرض للتدخين السلبي يزيد احتمال الإصابة بأمراض القلب والسرطان بنسبة 30 في المئة، ويعرض طفلك لتدخين سيجارة واحدة من بين أربع سجائر تدخنها إلى جانبه.
وبلغت قيمة مستوردات المملكة من التبغ، وأبدال تبغ مصنعة في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي 42.624 مليون دينار، مقارنة مع 21.704 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وبذلك تكون قيمة مستوردات المملكة من التبغ وأبدال تبغ مصنعة ارتفعت بنسبة 96.3% في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وبدأ الاردن بتطبيق قانون حظر التدخين في كافة الأماكن العامة والمؤسسات والدوائر الرسمية والحكومية والمستشفيات والمدارس والمعاهد والمطارات، حسب قانون الصحة رقم 47 لسنة 2008 الذي ينص “على الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر، ولا تزيد على ستة اشهر او بغرامة لا تقل عن خمسمئة دينار أردني، ولا تزيد على الف دينار في حالة التدخين في دور الحضانة ورياض الأطفال في القطاعين العام والخاص أو السماح بذلك، او عرض أي من منتجات التبغ خلافًا للشروط المحددة، او طبع أو عرض أي إعلان لغايات الدعاية لمنتجات التبغ أو توزيع نشرة عنه، او وضع ماكنات بيع منتجات التبغ، او صنع أو استيراد مقلدات التبغ بالاضافة الى انتاج أو استيراد أو تسويق أي من منتجات التبغ ضمن أراضي المملكة، كما انه ورد في القانون نص أيضا على الحبس لمدة اسبوع ولا تزيد على شهر أو بغرامة لا تقل عن 15 ديناراً، ولا تزيد على 25 دينارًا لكل من قام بتدخين أي منتجات تبغ في المكان العام المحظور التدخين فيه، او سماح المسؤول عن المكان العام المحظور التدخين فيه لأي شخص بالتدخين فيه، أو الإعلان عن بيع التدخين في المكان العام، مثل بيع السجائر بالتجزئة بالاضافة الى توزيع مقلدات التبغ أو بيعها، وبعد ذلك يتضح ان التدخين في الأماكن العامة ممنوع، وفي حالة تنظيم ضبط به من قبل الضابطة العدلية أو أي موظف مكلف بذلك فإن من الممكن توقيع إحدى العقوبات المنصوص عليها.
واوضح الدكتور زيد الكايد رئيس جمعية مكافحة التدخين ان دور الجمعية يقتصر على التوعية والارشاد عن طريق المحاضرات والندوات؛ باعتبارها جمعية تطوعية وليس لديها اي سلطة.
واكد الكايد ان قانون حظر التدخين كنص مناسب ولم نعترض علية كجمعية، وبالرغم من وجود القانون يرى الكايد ان هناك زيادة في نسبة اعداد المدخنين بشكل واضح، خصوصا انتشار تدخين النرجيلة لدى النساء. ويعزو ذلك الى التقصير في تطبيق القانون من قبل وزارة الصحة بالتعاون مع مديرية الامن العام، وبين ان للربيع العربي دوراً في زيادة اعداد المدخنين الذي ادى الى تغير خطة عمل وزارة الصحة ونقل اولوياتها لامور اخرى.
ويرى الكايد ان تطبيق القانون من قبل وزراة الصحة وتحرير المخالفات قد يؤدي الى الحد من انتشار ظاهرة التدخين في الاماكن العامة التي اصبحت ظاهرة مزعجة لدى الكثيرين.

اقرأ أيضا  الدعوة الفردية

المصدر: السبيل

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.