حماس في ماليزيا

الأربعاء 15 صفر 1435 الموافق 18 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

مها عبدالحق (*)

من يزور ماليزيا من خبراء الغرب يقر بأنها قد حققت تقدما مشهودا ينسب فضله في كثير من الأحيان إلى زعيمها السابق مهاتير محمد. وبالرغم من الطابع العلماني الذي بنى مهاتير محمد على أساسه نظام الحكم في ماليزيا إلا أن للرجل إنجازات مشهودة لم تقتصر فقط على حبك نسيج مجتمعي متعدد المنابت والأصول على أساس من التسامح والمشاركة واحترام الآخر، بل تعدته بأن سجل لوطنيته تاريخا مشرفا حين أنقذ ماليزيا من انهيار اقتصادي وشيك على يد رجل الأعمال اليهودي جورج سوروس في نهاية التسعينيات من القرن المنصرم.
من يمعن في طبيعة الشعب الماليزي لأول الأمر يجد فيه الهدوء والبساطة وطلاقة الوجه، ومن يخالطه أكثر يجد أن العداوة المتجذرة بينه وبين الصهاينة لا تقف أسبابها عند حدود القصة التاريخية بينه وبين تجار يهود، بل إن موروثه الديني والحضاري أصيل وفيه من العلم الأزهري ما أثرى فكره ووطد أواصره مع قضايا الأمة وهمومها، ولا سيما القضية الكبرى «فلسطين». لذلك فإن ما يزيد على الأربعة آلاف ميل عن القدس لم تثن المجتمع المالاوي من تشكيل قوة إسلامية ضاغطة والقيام بعدة مبادرات لفك الحصار عن غزة خلال السنوات الأربع الماضية. فلا عجب إذا من أن تفتح ماليزيا المسلمة ذراعيها ترحابا بحركة مقاومة وطنية إسلامية كحماس، ولا عجب أيضا من أن يستقبل حزبها الحاكم «أمنو» وفد حماس ورئيس مكتبها خالد مشعل ضمن عدة لقاءات في منتدياته الرسمية ليس فقط تحت رعاية رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق، بل وبحضور جلي لرجل ماليزيا الأول مهاتير محمد. ورغم أنه لأمنوعدة أهداف سياسية من وراء ذلك الاستقبال ليس أقلها توسيع قاعدته الجماهيرية داخليا، وكسب شريحة مجتمعية مالاوية لا يستهان بها يغلب عليها التوجه الإسلامي، إلا أن هذا الموقف من الفخر ما يجعله واحدا من أبرز الإنجازات في تاريخ الحزب استجابة لامتداده الديني في الخارج ووقوفا عند مطالب شعبية لم يواجهها بالإقصاء والتهميش في الداخل.
في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالومبور، منحتني ماليزيا مشكورة أول فرصة في حياتي للالتقاء بالقائد خالد مشعل والحديث معه شخصيا. جمع غفير من الأكادميين وطلبة العلم كانوا في استقبال حماس، وكان الطلبة خليطا من جنسيات متعددة، الأمر الذي يشي بشعبية واسعة منقطعة النظير لذلك الوفد الكريم. طويلة هي اللحظات التي انتظرناها قبل وصول الوفد.. مليئة بالشوق والحماس في آن معا، فيها مشاعر مختلطة ما بين استبطاء لتلك اللحظات تغلفه لهفة اللقاء وشعور بعجلة الوقت خوفا من انتهائه. وكانت لحظة مهيبة عندما أطل علينا مشعل من نور خالد زيته في سراج المقاومة ومن حوله رجال يحوطونه ويمنعونه في عزة ظهور وهيبة حضور، وفي تواضع جم يصافح بحرارة ويبدي الاحترام للجميع في جو ملائكي لا مثيل له.
في مستهل خطابه، أثنى أبو الوليد على سير العملية الديموقراطية في ماليزيا وما أورثته للبلاد من استقرار ونمو وخير عميم. كما أكد على أن الشعوب العربية من حقها أن تعيش في مثل هذا الجو الديموقراطي التشاركي مثلها مثل سائر الشعوب الأخرى. وأنه ليس لأحد أن يفشل سير العملية الديموقراطية في حال جاءت الصناديق بحزب إسلامي كالتجربة التي جاءت بحماس على رأس حكومة وطنية فلسطينية باختيار شعبي حر في العام 2006. وشمل الخطاب إصرارا على نهج المقاومة وتأكيدا على أنها هي الحل الأنجع للتعامل مع عدو كمثل إسرائيل، بدليل أن عمليات المقاومة كعملية خطف شاليط حققت الحرية لما يزيد عن ألف أسير بينما يستمر المفاوضون في الجلوس على طاولات التفاوض راغمين دون أي انجاز مشهود. ولم يغفل حديث القائد عن أي من الأولويات التي ذكرها في بداية توليه للحركة هذه الدورة فمن قضية القدس إلى الأسرى إلى غزة وانهاء الانقسام هم كبير وحديث ذو شجون. واللافت في الأمر أن لقاءنا مع حماس لم يقتصر على الجرح الفلسطيني فحسب بل تعداه لينسحب على جراحات نازفة من العراق وسوريا ورابعة البطولة. فما إن انتهى أبو الوليد من خطابه حتى توافد عليه عدد من الأكادميين والطلبة من عقول البلاد العربية قاطبة وكل يبث همه لمن همه كالجبال وكأني بهم ينشدون:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.. على المرء من وقع الحسام المهند
فيا بلاد العرب أوطاني، في أي البلاد حبك أرساني، قد أحدث طول البون في قلبي فتقا من وجد الحنين وصدق تحناني، إن كان هذا حكم الله بيني وبينكم فأمل من الله عفوا ورضوان، لا يعدم المرء خيرا في وطن أبناء أمته فيه سيان. وشكرا ماليزيا!
(*)
جامعة ماليزيا الوطنية / كوالالمبور 

اقرأ أيضا  اللواء حاتم عثمان.. الحكمة قبل السلاح أحيانا!

المصدر : السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.