تأملات في عوائق تدريس مادة القرآن الكريم.. الأسباب والعلاج
الأحد،10 ربيع الاول 1435ه الموافق 12 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.
د. محمد الرفاعي
الحمد لله المنزِّل الفرقان على عبده ليكونَ للعالَمين نذيرًا، والمتكلم بالقرآن كلامًا يليق بجلاله وعَلْيائه، دون تشبيه أو تعطيلٍ أو تأويل، أحمده وهو أهل الحمد والثناء والتمجيد، وأشكره ونعمُه بالشكر تدوم وتزيد، وَعَدَ الطائعين مِن عبادِه المتبعين للسنة والقرآن بجنةٍ فيها من كلِّ خير مزيد، وتوعَّد العاصين التاركين لسُنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وقرآنه بنارٍ قعرُها بعيدٌ، وحرُّها شديد.
وأُصَلِّي وأسلم على مَن كان قرآنًا يمشي بين الناس – صلى الله عليه وسلم – صلاة وسلامًا دائمَيْن متلازمَيْن ليوم الدِّين، ما اختلف الليل والنهار، وتعاقب الجديدان[1].
وبعدُ:
فإن القرآن الكريم هو دستور الأمة، وهو معجزة الله الخالدة الباقية حجة على العالمين، وما أحسن ما قال القائل في وصْف القرآن:
جَاءَ النَّبِيُّونَ بِالآيَاتِ فَانْصَرَمَتْ وَجِئْتَنَا بِكِتَابٍ غَيْرِ مُنْصَرِمِ
آيَاتُهُ كُلَّمَا طَالَ المَدَى جُدُدٌ يَزِينُهُنَّ جَمَالُ العِتْقِ وَالقِدَمِ[2]
والقرآنُ سبب نهضة الأمة من كبْوتها، وسبب لعِزتها وكرامتها، فإذا أرادت الأمةُ أن تستردَّ عِزَّتها وكرامتها بين الأُمم، فما عليها إلا أن تتمسَّك بالقرآن والسُّنة؛ كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ((تركْتُ فيكم ما إن تمسَّكْتم به، لن تضلُّوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسُنتي))[3].
ولقد توَعَّد الله كل مَن أعرض صفحًا عن كتابه وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – بالشَّقاء والتعاسة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124].
وقديمًا قال عمر – رضي الله عنه -: “إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّ بغَيْر ما أعزنا الله به أذلنا الله“[4].
ولذا؛ فقد ساد المسلمون الأوائل من الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين لهم بإحسان – الأممَ، وورثوا مُلْك كسرى وقيصر، وفتحوا البلاد، وحرروا العباد من رِقِّ العبودية لغَيْر الله لعبادة الله تعالى، وما ذلك إلا لأنهم تمسَّكوا بالقرآن وسُنة النبي – صلى الله عليه وسلم.
نعم، تمسكوا بالقرآن حفظًا وعملاً وتدبُّرًا، وطبقوه في حياتهم، فكان نِبْراسهم، إليه يتحاكمون، وبه يتمسَّكون، فسادوا وتحقَّق لهم التمكين في أرْض الله تعالى، وتلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وما أجمل أن تعودَ الأمةُ لحِفْظ كتاب ربِّها، والعمل به وبسُنة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم!
والاشتغال بالقرآن الكريم من أفضل العبادات، سواء أكان بتلاوتِه، أم بتدبُّر معانيه، أو بتعلُّمه وتعليمه، فهو أساس الدِّين، وقد أودع الله فيه علْم كلِّ شيء، فإنه يتضمَّن: الأحكام، والشرائع، والأمثال، والحِكَم، والمواعظ، والتاريخ، ونظام الكون، فما ترك شيئًا من أمور الدين إلا بيَّنَهُ، ولا مِنْ نظام الكون إلا أَوْضَحَهُ.
ومن هنا كان هذا البحث المتواضع، والذي يشمل عوائق تدريس مادة القرآن الكريم، الأسباب والعلاج، وقد نهجتُ في بحثي هذا خطة أسير عليها – إن شاء الله – وهي:
مقدِّمة، وأربعة مباحث، وخاتمة، على ما يأتي في تفْصيلها.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
خطة البحث
المقدمة: وفيها أهمية القرآن الكريم.
المبحث الأول: مدخل للموضوع، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: فضل تلاوة القرآن.
المطلب الثاني: آداب تلاوة القرآن الكريم.
المطلب الثالث: فضل تعليم القرآن الكريم.
المبحث الثاني: ويشمل: أسباب وعوائق تدريس مادة القرآن الكريم، ويُمكن حصر العوائق فيما يأتي:
1- أسباب تتعلق بنظام الدارس.
2- أسباب تتعلق بالمعلم.
3- أسباب تتعلق بالمتعلِّم.
4- أسباب تتعلق بالبيئة المحيطة بالمتعلم.
5- أسباب تتعلق بطُرُق تدريس مادة القرآن الكريم.
المبحث الثالث: علاج الأسباب التي تؤدِّي إلى عوائق الدراسة.
المبحث الرابع: عوامل نجاح حصة القرآن الكريم.
الخاتمة: وفيها أهم مراجع البحث.
والله أسأل الهِداية والتوفيق لِمَا يُحبه ويرضاه، إنه نِعْم المولى ونِعْم النصير.
المبحث الأول
مدْخل للمَوْضوع
المطلب الأول: فضْل تلاوة القرآن الكريم:
قبل أن أذكرَ فضل تلاوة القرآن الكريم، أبدأ فأعرِّف القرآن الكريم – كما قال العلماء – القرآن الكريم: هو كلام الله المُعجِز، المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين، بواسطة جبريل – عليه السلام – المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختتم بسورة الناس[5].
فضْل تلاوة القرآن الكريم:
إنَّ مِن أفضل العبادات وأجَلِّ الطاعات، وأحسن القُرُبات إلى الله تعالى: تلاوةَ القرآن الكريم، فقد حثَّ الله – سبحانه وتعالى – ورسولُه الكريم – صلى الله عليه وسلم – عليها؛ لقد جاء في بيان فضْل تلاوة القرآن الكريم آيات عظيمة، وأحاديث نبوية شريفة، تُبَيِّن فضل تلاوة القرآن، فمن الآيات الكريمة قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30][6].
وقال تعالى: ﴿ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ ﴾ [المزمل: 20]، وأمر الله تعالى رسوله بقوله – جل جلاله -: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 91، 92][7]، ولنحذر أن نكون كما تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
وقد حفلتْ كُتُب السنة النبويَّة بكثيرٍ من الأحاديث التي تُبَيِّن فضل تلاوة القرآن الكريم، من هذه الأحاديث:
1- عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ﴿ الم ﴾ حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))[8].
2- وعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السفَرة الكرام البَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران))[9]، وفي رواية: ((والذي يقرأ وهو يشتد عليه له أجران))[10].
3- وعن أبي موسى الأشْعري – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجة؛ ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمْرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مُر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مُر))[11].
4- وعن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((اقرؤُوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه…))[12].
5- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا حسد إلا في اثنتَيْن: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل))[13].
المطلب الثاني: آداب تلاوة القرآن الكريم:
آداب تلاوة القرآن الكريم:
ينبغي على مَن يقرأ القرآن مُراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضرَ في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، ومن جملة هذه الآداب التي ذَكَرَها الإمام النووي – رحمه الله -:
1 – وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظفَ فاه بالسواك وغيره.
2 – يستحب أن يقرأ وهو على طهارة، فإن قرأ محدثًا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرةٌ معروفة؛ قال إمام الحرمين: “ولا يُقال: ارتكب مكروهًا، بل هو تارك للأفضل، فإن لَم يجد الماء تيمَّم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث، وأما الجُنُب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن؛ سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلْبهما من غير تلفُّظ به“.
3 – ويُستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقبلَ القبلة، ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار، مطرقًا رأسه، ويكون جلوسُه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي مُعلِّمه، فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائمًا أو مضطجعًا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال، جاز، وله أجر، ولكن دون الأول؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، وثبَت في الصحيح، عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن؛ رواه البخاري ومسلم.
4 – الاستعاذة عند القراءة فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا قال الجمهور من العلماء.
5 – وينبغي أن يحافظَ على قراءة “بسم الله الرحمن الرحيم” في أول كل سورة، سوى براءة؛ فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية؛ حيث تكتب في المصحف، وقد كُتبت في أوائل السور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقنًا قراءة الختمة أو السورة؛ قاله النووي – رحمه الله.
6 – المحافَظة على الخُشُوع، والتدبُّر عند القِراءة، والدلائل عليه أكثر مِنْ أنْ تُحصَر وأشهر، وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴾ [النساء: 82]، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، والأحاديث فيه كثيرة، وأقاويل السلَف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها، ويُرَددونها إلى الصُّبح.
7 – البكاء عند قراءة القرآن أو التباكي في حال القراءة، وهو صفة العارفين، وشعار عباد الله الصالحين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 109]، وقد وردتْ فيه أحاديث كثيرة، وآثار السلَف.
8 – وينبغي أن يرتّل قراءته، وقد اتَّفق العلماء – رضي الله عنهم – على استحباب الترتيل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، وثبت عن أم سلمة – رضي الله عنها – أنها نعتتْ قراءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قراءة مفسرة حرفًا حرفًا؛ رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
9 – ويُستحب إذا مرَّ بآية عذاب أن يستعيذَ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إنِّي أسألك العافية، أو أسألك المعافاة من كلِّ مكروه، أو نحو ذلك، وإذا مرَّ بآيةِ تنْزيهٍ لله تعالى نزه، فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلتْ عظمة ربنا؛ فقد صح عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهما – قال: صليتُ مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى فقلتُ: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسُّلاً، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ؛ رواه مسلم في صحيحه.
وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مُقَدَّمة على آل عمران.
10 – ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين، فمِن ذلك اجتناب الضحِك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلامًا يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، ومن ذلك العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه – سبحانه وتعالى – فلا يعبث بين يديه، ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويُبَدِّد الذِّهن.
11 – أن يقرأ على ترتيب المُصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثُم آل عمران، ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها قال العلماء: الاختيار الترتيب، ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاءت بذلك آثارٌ كثيرة[14].
المطلب الثالث: فضْل تعليم القرآن:
فضْل تعلُّم القرآن الكريم وتعْليمه:
حفلتْ كُتُب السُّنَّة المطهَّرة ببيان أهمية وفضْل مَن يتعلم القرآن الكريم، فنكتفي بقطاف بعض رياض السنة اليانعة في هذا المجال:
فعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه -: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((خيرُكم مَن تَعَلَّم القرآن وعلَّمه))[15].
وعنه أيضًا – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))[16].
فلنتأمل هذه الخيرية، ومن الذي حكم بها؟ إنه النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى، فأكرم بها من منزلة عظيمة لِمُعلمي القرآن ولدارسيه!
وعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن في الصفة قال: ((أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟))، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله – عز وجل – خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل))[17].
وعن سعيد بن جبير – رحمه الله – قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم، قال: وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: توفِّي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم[18].
والملاحَظ: أنه لا بُد من تطبيق سنة الحفْظ وتعلُّم القرآن في الصغَر – كما في الحديث السابق – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: ((وما اجتمع قومٌ في بيت مِنْ بُيُوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلتْ عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))[19].
وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين))[20].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته))[21].
ومعنى (أهلين): جمع “أهل” جمع بالياء والنون؛ لكونه منصوبًا على أنه اسم “إن“، ((هم أهل القرآن))؛ أي: حفظته العاملون به، ((أهل الله)) بتقدير أنهم أهل الله؛ أي: أولياؤه المختصون به اختصاص أهل الإنسان به.
المبحث الثاني
عوائق تدريس مادة القرآن الكريم
قبل أن ندخل في العوائق يجدر بي أن نعرفَ كلمة “العوائق“، فأقول: العوائق: جمع عائق، يُقال: عاقه عن الشيء؛ أي: منعه وشغله عنه، فهو عائق، والعائق: ما يعوق انتشار البذور أو الثمار من عوامل حيويَّة أو طبيعية[22].
رغم ما مضى من الحديث عن أهمية القرآن، وعِظم ثواب قراءته وتلاوته وحفظه، إلا أنه وجد هناك معوقات لتدريس مادة القرآن الكريم، وهي:
إما أسباب تتعلق بالمتعلم أو بالمعلم، أو بالبيئة المحيطة بالمتعلم، سواء قصد بالبيئة المجتمع المحيط به مثل المدرسة أو الأسرة أو المجتمع، وقد حاول بعض الباحثين أن يحصرَ الأسباب على النحو التالي:
أولاً: أسباب خاصَّة بالنظام العام للدارس:
1 – إلزام الدارسين بالحفْظ جنبًا إلى جنب، مع تعلُّم التجويد وقصر الوقت المتاح وهو زمن الحصة.
2 – إلزام الدارسين بحفظ قدر معيَّن من الآيات مع عدم قدرة البعض على ذلك.
3 – تغيير المعلمين أحيانًا، مما يسبب استياءً واضطرابًا للدارسين.
4 – عدم التنسيق بين مستويات الدارسين، فهناك من هو سريع الحفظ ومتقن للقراءة، وهناك البعض قدراتهم ضعيفة.
5 – وجود كثافة عددية داخل الصف، فزمن الحصة لو قسم على عدد الطلاب لا يتسع للتعلم المطلوب.
6 – عدم تهيئة الطلاب وتحفيظهم من سن مبكرة، كما هو مشاهد في المعاهد الدينية بدولتنا العزيزة “الكويت”؛ حيث لا يحفظ الطالب إلا من المتوسط؛ لعدم وجود معاهد للمرحلة الابتدائية مما ينعكس بالسلْب.
ثانيًا: أسباب خاصة بالمعلِّمين:
1 – أحيانًا عدم استشعار الإخلاص والنية لدى المعلم، واعتباره تعليم التجويد وظيفة ليس إلا!
2 – أحيانًا ضيق أُفُق المعلم.
3 – أحيانًا الضعف الأصلي بشخصية المدرس، مما يجعله غير قادر على إدارة الصف بشكل جيد، أو يُسيء معاملة الدارسين من حيث لا يدري.
4 – عدم حب وميل المعلم لتدريس هذه المادة لسبب أو لآخر.
5 – عدم قيام بعض المدرسين بتثقيف أنفسهم وتطويرها.
6 – افتقار المعلِّم للمهارات التربويَّة في تدريس مادة القرآن الكريم.
7 – ضعف المدرِّس علميًّا، وافتقاره لتطبيق أحكام التجويد جيدًا، وقلة خبرته تربويًّا، أو مخالفة قوله لعمله.
8 – حرص المعلم على حقوقه دون الالتفات لحقوق الدارس.
9 – إسناد تدريس مادة القرآن الكريم أحيانًا لِمَنْ ليس لها أهلاً أو لمن لا يهواها، فيجبر على تدريس القرآن وهو غير راغب، وبالتالي ينعكس على تدريسه للمادة بالسلْب.
هذه بعض الأسباب التي تتعلق بالمعلِّم نفسه.
ثالثًا: أسباب خاصَّة بالدَّارسين:
1 – عدم استشعار الدارس بفضل تعلُّم تجويد القران.
2 – ضعف اللغة العربية لدى الدارسين بشكل يتعذر معه تعلُّم التجويد.
قلتُ: وهذا شكل ملحوظ في فئة عريضة من الطلاب إلى جانب ضعفهم بالإملاء، وبالتالي يتعسرون في القراءة العادية، فضلاً عن قراءة القرآن الكريم؛ لأنَّ قراءة القرآن الكريم تتطلب مهارات معينة مفقودة عندهم.
3 – حضور الدارسين إلى الصف مع فتور همَّتهم، وعدم الرغبة في الحفظ وتعلم للقرآن، فمادة القرآن عندهم لا تستحوذ إلا على القليل من فكرهم، بخلاف غيرها من المواد التعليميَّة.
4 – شُعُور الدارس بانصراف المعلم عنه، كأن يكون المعلم ممن يعتنون بمجموعة من الطلاب دون الآخرين، ولا شك أن الطالب يريد أن يجد مكانه في الصف، وأن يحظى بشيء من اهتمام المعلم، فإذا قابله المعلم بالإغفال تأثر الدارس وكسل وغاب.
5 – أن يجد الدارس تحقيرًا أو استصغارًا لشأنه من أقرانه، أو من المجتمع أحيانًا، أو من المعلِّم، كأن يجري المعلم مقارنة بين طالبَيْن أو مجموعة طلاب من أجل بث روح التنافُس بينهم، دون مراعاة الفروق الفردية بينهم.
6 – تعوُّد الدارس على الإسراف في الترفيه، واللهو المباح، لدرجة تجعله لا يحتمل الأمور الجادة؛ مثل: تعلُّم التجويد.
7 – تفضيل ضعاف النفوس المغريات الأخرى من وسائل الترفيه، وأماكن اللهو على حفظ ودراسة القرآن الكريم.
8 – استحواذ الشيطان على الدارسين وتخويفهم وتيئيسهم من الاستمرار في الحفظ ودراسة القرآن، فيلقي الشيطان في نفوس البعض بأنه إن حفظ أو درس القرآن، يمنعه من التصرُّفات التي يريدها مما تخالف هواه، فيشعر بأن دراسة القرآن الكريم وحفظه عبءٌ على سلوكه.
رابعاً: أسباب متعلِّقة بالبيئة المحيطة بالدارس، ويُمكن تلخيصُها فيما يأتي:
1 – كثرة عدد الطلاب في الصف.
2 – عدم اهتمام الأسرة بتحفيظ القرآن الكريم وتدريسه؛ فمثلاً: تُعتبر مادة القرآن عند البعض أقل مادة يلتفت إليها، فلربما سعت الأسرةُ في تقوية الطالب عند شعورهم بضعفه في مادة ثقافية، بِخِلاف القرآن، مما يجعل الطالب لا يقبل ولا يهتم بمادة القرآن الكريم وتدريسه.
3 – عدم مناسبة الزمان والمكان بالنسبة للدارس.
4 – عدم أخذ حافظ القرآن الكريم وضعه ومكانته بين طبقات المجتمع، بخلاف مَن يتفوَّق في مجال دراسي آخر، كالطب مثلاً وغيره، مع الإغفال عن مكانة معلم القرآن الكريم ومن يحفظه، من خلال النصوص الشرعية الحافلة بتكريم هؤلاء مما سبق بيانه.
5 – الترف الزائد وغياب الوعي عن أثر تدريس مادة القرآن الكريم في تنشئة وتهذيب نفوس الدارسين.
خامسًا: أسباب تتعلَّق بطريقة التدريس[23]:
1- مثل: طريقة تدريس وعرض منهج التجويد.
2- هذا بالإضافة إلى إغفال المعلِّم للأساليب التربويَّة، والتقنيات الحديثة؛ مثل: معامل الحاسوب وغيرها من التقنيات؛ حيث نجد بعض المعلمين الذين يَلزمون طريقة واحدة في التدريس، وهي طريقة شيوخهم الذين درسوا على أيديهم، بينما يُغفلون الجوانب النفسية عند الطلاب، واحتياجهم إلى أساليب التجديد، والتحفيز، والتشويق، والتشجيع.
وقد لوحظ دور مثل هذه المعامل الحاسوبية، والاستفادة من التقنيات الحديثة في إنجاح تدريس مادة القرآن الكريم، كما هو موجود ومطبق في بعض مدارس الكويت؛ حيث يتم استخدام مختبرات ومعامل الحاسوب في تدريس مادة القرآن الكريم.
المبحث الثالث
العلاج للأسباب السابقة
أولاً: علاج الأسباب الخاصة بالنظام العام للدارس:
1 – شُعُور الأمة بأهمية دراسة القرآن الكريم، واستشعارها بهذا الأمر يدفعها حتمًا إلى تهيئة المنهج المناسب للدارس، مع زيادة زمن الحصص المخصصة لتدريس مادة القرآن الكريم.
ويُمكن التركيز على شريحة من الطلاب، خاصة ممن يقومون في المستقبل بتدريس مادة القرآن الكريم أو خطباء للمساجد، وأئمة للمصلين، وذلك بتكثير حلقات التحفيظ.
2 – بث روح الاعتزاز بكتاب الله في الطالب، ومِن ثَمَّ الاعتزاز بدينه وهُويته الإسلامية العربية[24].
3 – إنشاء معاهد ابتدائية تقوم بتحفيظ وتدريس القرآن الكريم من سن مبكرة.
4 – الاهتمام وحُسن الاختيار للطلاب المجيدين للحفظ، ودراسة القرآن الكريم ممن سيتخصصون في المستقبل بتدريس القرآن الكريم، مع عدم الإغفال لباقي شرائح الطلاب على كافة المستويات.
5 – تقويم ألسنة الطلاب، والعمل على إجادة النطق السليم للغة العربية، وإثرائهم بجُملة وافرة من مفرداتها وأساليبها.
6 – شغل الشباب بمعالي الأمور ورفيع المنازل.
7 – فتْح آفاقٍ جديدة وواسعة أمام الشباب على معاني القرآن الآسرة، وحقائقه الفذة التي تفجر الطاقات الإبداعية.
8 – أن تقومَ الإدارة باختيار المعلم الناجح الذي يجمع بين العلم بأحكام التجويد، والحِس التربوي، والذي يملك من قوة الشخصية والثقة بالنفس ما يُعينه على أداء مهمته بنجاح.
9 – كما ينبغي للإدارة أن تعين المعلم على معرفة المدخل التربوي لكل مرحلة عمرية، ولكل نوع من الأمزجة، وذلك من خلال إقامة دورات نفسية وتربوية للمعلمين.
10 – وأيضًا في نفس الوقت يجب أن تعين الإدارة مُعلميها على متابعة التطوُّرات الحديثة في تعليم التجويد، من خلال لقاءات مع المتخصصين، مع تشْجيعهم على تعليم أنفسهم بشكْلٍ مستمر من خلال القراءة، والبحث في هذا المجال ومراسلة المختصِّين.
ثانيًا: الأسباب التي تتعلَّق بالمعلم، فيُمْكِن علاجُها على النَّحْو التالي:
1 – انتقاء النُّخبة الممتازة والمؤهَّلة من المعلمين حفظًا لكتاب الله تعالى، وتطبيقًا لأحكامه وتجويده للقيام بتدريس القرآن الكريم.
2 – انتقاء المعلمين الرَّبَّانيين الذين يكونون قدوة للدارسين علميًّا وأخلاقيًّا؛ حيث ينبغي أن يتوفر في معلم القرآن صفات كثيرة أهمها: التمسُّك باعتقاد السلف الصالح[25]، إخلاص النية لله تعالى، والالتزام الأخلاقي بأوامر القرآن واجتناب نواهيه، والإلمام بأساسيات عُلُوم الشريعة.
3 – إسناد تدريس القرآن الكريم بالاختيار للمعلم، ولا يكون إجباريًّا حتى يثمر فيه ويبدع في مجال عمله.
4 – إعلاء شأن معلمي القرآن الكريم، وحفظ مكانتهم بين طبقات المجتمع، بإظهارهم بما يليق بمن يدرِّس كتاب الله تعالى.
5 – تحفيز المعلمين للقرآن الكريم ماديًّا ومعنويًّا، والكفالة لهم بمعيشة كريمة.
هذه بعض الأمور التي يمكن أن تعالج ما سبق من الأسباب التي تتعلق بالمعلم نفسه، والله أعلم.
ثالثًا ورابعًا: علاج الأسباب التي تتعلق بالدارس نفسه والبيئة المحيطة بالدارس:
1 – خلق وبث روح الإيمان بفضل تعلم وحفظ كتاب الله تعالى.
2 – التركيز على آداب تلاوة القرآن الكريم.
3 – تقوية الدارس باللغة العربية وأصول الكتابة والنطق من الصغر؛ حتى يسهل عليه الحفْظ ودراسة القرآن الكريم.
4 – الاهتمام من جانب الأسرة بأبنائها لحفظ كتاب الله تعالى، وتشجيعهم على ذلك بالحافز المادي والمعنوي والهدايا وغيره، وأخذهم بالاعتبار تنشئة أبنائهم تنشئة إسلامية ليمتد لهم الأجر بعد الممات.
5 – التحفيز من جانب المجتمع لحفظة القرآن، ودعمهم وإبراز مكانتهم في الوسائل الإعلامية وغيرها، وبث روح التنافس بإجراء المسابقات في حفظ كتاب الله تعالى وتجويده.
6 – اختيار حسن الصُّحبة للدارسين من الطلاب، وبث الأمل فيهم.
7 – محاولة صرف الشواغل من الملهيات والمثبطات للهمم والعزيمة عن حفظ كتاب الله تعالى وتعلمه، إلى الشغف والتعلق بكتاب الله تعالى وتعلمه وتعلم أحكامه.
خامسًا: علاج الأسباب التي تتعلَّق بطُرُق التدريس للقرآن الكريم:
1 – عدم الإغفال كليَّة عن الطريقة التقليدية من التلقين التي كانت منتشرة بالكتاتيب، والمزاوجة بين الطريقة القديمة والوسائل والتقنيات الحديثة من معامل الحاسوب وإمكانية الاستفادة منها.
2 – تنوُّع الطُّرق في تدريس مادة القرآن الكريم، استخدام عناصر التشويق، وخاصة في تدريس الأحكام التجويدية.
3 – عدم إغفال المعلم لمراعاة الفروق الفردية بين الدارسين ونفسية الدارس، وخاصة مع كثرة الشواغل والصوراف في هذا الزمان والملهيات.
4 – ويمكن للمعلم أن ينجحَ في تدريس القرآن الكريم، إذا توفرت عنده الرغبة الصادقة في تعليم القرآن الكريم لأولاد المسلمين، ومحبة ذلك من أجل مرضاة الله تعالى.
5 – وأن يُعَوِّد المعلم تلاميذه على عدم تجاوز تلاوة سورة حتى يربط أولها بآخرها، والتلاوة اليومية[26].
هذه بعض الأمور المقترحة لعلاج الأسباب التي تعوق دراسة مادة القرآن الكريم، والملاحظ تداخل الأسباب بعضها مع بعض أحيانًا؛ وذلك لأنها عبارة عن حلقات مترابطة، كل منها يرتبط بالآخر.
المبحث الرابع
كيف تخطط لإنجاح حصة القرآن الكريم
المطلب الأول: مرحلة الإعداد (قبل الحصة):
1 – أن يكون المعلم متأدبًا بآداب القرآن، مُتَخَلِّقًا بأخلاقه.
2 – أهمية التخطيط الجيِّد للحصة، ويشمل التحضير الذهني والكتابي، ولذلك فوائد كثيرة منها:
♦ إتقان المعلم للآيات المراد قراءتها للطلاب.
♦ معرفة شرح الآيات ومعانيها.
♦ تحديد الكلمات الصعبة.
♦ تحديد الوسيلة المناسبة وتجهيزها.
♦ اختيار الطريقة التي سيقوم باستخدامها، وما يترتب على ذلك من اختيار المكان (المسجد، معمل الحاسوب، الصف)، وكيفية توزيع الطلاب.
3 – ضرورة الاستفادة من الوسائل والتقنيات المعاصرة:
الحاسوب – الفيديو – إنشاء معمل للقرآن أو الحاسب إذا كان موجودًا بالمدرسة.
وإنشاء معمل خاص بالقرآن ليس أمرًا صعبًا أو مستحيلاً – كما يتصور البعض – فهناك تجارب عملية موجودة وناجحة في إنشاء معمل خاص للقرآن، وتصميمها لا يحتاج إلى أموال كثيرة، ولكن يحتاج إلى عزيمة صادقة.
4- تجهيز كُشُوف متابعة للطلاب والإبداع فيها، وخاصة لمدارس تحفيظ القرآن لكثرة الحصص والحاجة الضرورية للمتابعة من قبل البيت:
♦ مثل عمل برنامج على الإكسل لرصد درجات الطلاب في القرآن الكريم.
♦ مذكرة خاصة لكل طالب شبيهه بدفتر الواجبات، تكون رابطًا بين المعلم وولي الأمر.
♦ أوراق متابعة يتم تثبيتها في دفتر الواجبات.
5 – معرفة المعلم واطلاعه على الطريقة الصحيحة للتقويم المستمر للطلاب في القرآن:
♦ التقويم في مدارس تحفيظ القرآن يختلف عن مدارس التعليم العام.
♦ عدد مرات التقويم يختلف تبعًا لعدد الحصص والطلاب.
♦ المهارات تختلف من صف لآخر ومِن مرحلة لأخرى.
♦ إليك نموذجًا للمقصود بالمهارات في المرحلة الابتدائية وتقسيم الدرجات:
مهارات مادة القرآن الكريم للصف الثالث والرابع وتوزيع الدرجات:
المهارات |
تعريف المهارة |
توزيع الدرجات |
جودة الحفظ |
قدرة الطالب على إتقان الحفْظ |
20 |
صحة القراءة |
عدم الخطأ في الحركات ونطقالكلمة |
20 |
الترتيل وحسن الأداء |
التأنقفي القراءة وتحسين الصوت |
5 |
الانطلاق وعدم التردُّد |
السرعة في القراءة دون توقف |
5 |
المجموع |
50 |
المطلب الثاني: مرحلة التنفيذ (أثناء الحصة):
ضوابط عامة لسير الحصة:
1 – مراعاة النظام والهدوء.
2 – حسن إدارة الصف.
3 – إضفاء الحيوية على الجو الصفي.
4 – استخدام التوجيه المناسب في المواقف المختلفة.
5 – التحلي بالصبر والحكمة في الظروف الطارئة.
6 – مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.
ضوابط خاصة لحصة القرآن:
1 – أن يبذر المعلم في قُلُوب طلابه أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وأنه يقرأ تعبُّدًا وتدبُّرًا.
2 – إشعار الطالب أنه في عبادة يُثاب عليها.
3 – على المعلِّم التدرُّج مع التلميذ في تعليمه حسن الأداء.
4 – تدريب التلميذ على القيام باكتشاف خطئه بنفسه، وألا يرد عليه في كل خطأ يقع فيه، خاصة في درس التلاوة.
5 – إلزام التلميذ بعدم تغيير المصحف الذي يقرأ فيه حتى نهاية العام؛ حتى يألفه ويتعود عليه.
6 – تدوين الكلمات الصعبة على السبورة، ثم يقوم المعلم بقراءتها قراءة جهرية، ثم يردد جميع الطلاب الكلمة مع تكرارها.
7 – تعريف التلاميذ بالفرق بين الرسم العثماني، والرسم الإملائي، وتدوين ذلك على السبورة.
8 – تعويدهم على آداب حمل المصحف ووضعه، والمبالغة في إرشادهم، وزجر من يهمل مصحفه أو يقوم بالكتابة عليه.
9 – عدم التحدُّث مع شخص آخر أثناء التسميع لأحد التلاميذ، وإذا اضطررت لذلك فأوقف التلميذ حتى تنتهي من حديثك؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].
10 – تعويد التلاميذ على عدم الرد على خطأ زميلهم إلا بإذن من الأستاذ؛ حتى لا تسودَ الفوضى وتقل الفائدة.
11 – على المعلم الانتظار عندما يُخطئ الطالب حتى يكمل الآية، ثُم يطلب منه إعادة قراءتها، فإن صَحَّح خطأه فحسن، وإلا فيطلب من أحد زملائه تصحيح الخطأ، ثم يقرأ مرة أخرى للتأكُّد من صحَّة قراءته.
12 – على المعلم استخدام ما يُمكن من وسائل الإيضاح في درس التلاوة، والتي تُضفي نوعًا من التشويق والبُعد بالحصة عن الرتابة المملة، وتساعد المعلم على تحقُّق الهدف بكلِّ يُسر وسهولة، وهي كثيرةٌ ومتنوعة، وسيأتي الكلام عنها مفصلاً.
13 – على المعلم تشويق التلاميذ إلى درس القرآن الكريم من خلال:
♦ حسن التعامل مع التلاميذ، والعطف عليهم والرفق بهم ومحبتهم.
♦ شهادات الشكر والتقدير المميزة والتي تثير فيهم التنافُس الشريف.
♦ الهدايا العينية المناسبة بدون إسهاب.
♦ العفو والتسامح عن هفوات التلاميذ، وإشعارهم أن ذلك من أجل إجلال القرآن الكريم.
♦ تقديم المجيدين منهم للقراءة في الحفلات والنشاطات المدرسية.
♦ اتخاذ أسلوبٍ مميزٍ لحصة القرآن الكريم يشعرهم بتميزها عن غيرها من المواد، ويزيدهم تشوقًا لها.
14 – على المعلم أن يوزع الأسئلة والأجوبة على جميع الطلاب، ولا يحصرها في فئةٍ معينة منهم.
15 – أن تكون أساليب التعزيز التي يستخدمها المعلم مع طلابه لها طابع خاص بحصة القرآن الكريم في الغالب مثل: بارك الله فيك، أقرَّ الله بك عيني والديك، جعلك الله من حملة القرآن الكريم… إلخ.
16 – أهمية قراءة المعلم الآيات للطلاب قراءة نموذجية حتى يتعود الطالب على القراءة الصحيحة، وإعطاء الحروف حقها ومستحقها من أحكام التجويد وقواعده، من خلال متابعة المعلم ومحاكاته وترديدهم معه الآيات.
17 – على المعلم مراعاة النقاط التالية أثناء تلاوة التلميذ:
♦ السعي إلى تخليص لسان التلميذ من عيوب النطق، كالفأفأة، والنأنأة، ونحو ذلك.
♦ منع سريان اللهجات العامية إلى تلاوة التلميذ.
♦ مراعاة أحكام التجويد وقواعده تطبيقيًّا فقط.
♦ تعريف التلميذ بالمصطلحات والعلامات الموجودة في المصحف.
♦ تعويد التلاميذ على تعظيم القرآن الكريم قولاً، وفعلاً؛ مثل: عدم الكلام أثناء قراءة القرآن الكريم.
المطلب الثالث: مرحلة التقويم ( استمرار للنجاح):
1 – الاهتمام بمحاسَبة النفس وتقويمها باستمرار، وذلك عن طريق:
♦ التقويم الذاتي.
♦ تقويم المشرف.
♦ تقويم الزملاء المعلمين.
♦ تقويم الطلاب.
2 – توجيه الطلاب إلى أهمية الانضمام إلى حلقات القرآن الكريم في المساجد، وتشجيع المنتظم فيها.
3 – اختيار الطلاب البارزين في تلاوة القرآن للقراءة في الإذاعة المدرسية والحفلات.
4 – الاستفادة من الأنشطة المدرسية وعمل مسابقات خاصة بالقرآن.
5 – إلقاء بعض الكلمات بعد صلاة الظهر من قبل المعلم أو أحد الطلاب للتذكير بأهمية القرآن.
6 – محافظة المعلم على نموه المعرفي والتربوي والمهني، وذلك بأمور منها:
♦ الزيارات المتبادلة بين المعلمين.
♦ اللقاءات التربوية والمشاغل التربوية والدورات التدريبية.
♦ القراءات الموجهة مِن قِبَل المُشرف.
♦ القراءة العامة والتخصُّصيَّة[27].
والله أسأل أن يجعلنا من حفَظة كتابه، العاملين بما فيه، وأن يكون القرآن حجة لنا لا علينا، اللهم آمين.
فإن وفِّقت فيما قلتُ وكتبت فمن الله تعالى، وإن كانت الأخرى فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه براء.
الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــ
[1] الجديدان؛ أي: الليل والنهار؛ راجع “مختار الصحاح” ص119.
[2] البيتان قالهما أحمد شوقي.
[3] الحديث أخرجه: البيهقي في “سننه الكبرى”، في كتاب: “آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي” 10/114ح (20123)، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – بلفظ: ((يا أيها الناس…)).
[4] ذكره المُنْذري في “الترغيب والترهيب” ج 3 / ص 351.
[5] راجع “مناهل العرفان في علوم القرآن”؛ للشيخ محمد عبدالعظيم الزرقاني 1/15 وغيره.
[6] راجع: “التبيان في آداب حملة القرآن”؛ للإمام النووي – رحمه الله – ص72 وما بعدها بتصرف وغيره، وهو من أقيم الكتب في بابه، وينبغي أن يدرس للطلاب حتى يكون عند الطلاب التحفيز لقراءة ودراسة القرآن الكريم وحفظه.
[7] راجع كتاب “حفظ القرآن الكريم وتعليمه”؛ لِمؤلفه د/ حمد بن ناصر بن عبدالرحمن العمار.
[8] أخرجه: الترمذي في أبواب: فضائل القرآن، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر 3 / 9 رقم ( 3087)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني – رحمه الله.
[9] أخرجه البخاري في كتاب: تفسير القرآن، باب: سورة عبس 6 / 95 رقم 4937، وأخرجه مسلم واللفظ له في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضائل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه 1 / 549 – 550 رقم 798.
[10] أخرجها: مسلم في نفس الكتاب والباب السابقين نفس الموضع السابق برقم (798).
[11] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين باب فضيلة حافظ القرآن 1/549ح (797).
[12] أخرجه: مسلم في نفس الكتاب السابق، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة 1/553 ح رقم (804).
[13] أخرجه: البخاري، في كتاب: فضائل القرآن، باب: اغتباط صاحب القرآن 4 / 1919 رقم (4738).
[14] راجع “التبيان في آداب حملة القرآن”؛ للإمام النووي – رحمه الله – ص72 وما بعدها بتصرف.
[15] أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن، باب: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) 4/1919 ح (4739).
[16] أخرجه البخاري في نفس الموضع السابق 4/1919 ح برقم (4740).
[17] أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه 1 / 552 – 553 رقم 803.
[18] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب تعليم الصبيان القرآن 4/1922 ح برقم (4748).
[19] أخرجه: مسلم في كتاب: الذّكْر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر 4 / 2074 رقم 2699.
[20] أخرجه: مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلَّم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها 1 / 559 رقم 817 بقصة في أوله.
[21] أخرجه: ابن ماجه في المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه 1 / 42 رقم (215) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، ووصححه الشيخ الألباني – رحمه الله – في صحيح سنن ابن ماجه.
[22] راجع “المعجم الوسيط” ص 637 بتصرُّف يسير.
[23] راجع تسرب الطلاب من الحلقات القرآنية ص8 وما بعدها بتصرف يسير.
[24] راجع تسرب الطلاب من الحلقات القرآنية ص11وما بعدها بتصرف يسير.
[25] راجع المقومات الأساسية لمعلم القرآن الكريم ص6 وما بعدها بتصرف يسير.
[26] راجع إدراك المعلم للأساليب التربوية الفعالة في حلقات الجمعيات الخيرية ص6 وما بعدها بتصرف يسير، وقد بين المؤلف الأساليب التربوية سواء في تعليم القرآن الكريم أو في تلاوته أو فهمه أو في حفظه، فلتراجع هناك بالتفصيل.
[27] راجع كيف نجعل حصة القرآن الكريم ناجحة. أ. محمد بن خالد الخضير ص 8 وما بعدها بتصرف يسير – شبكة المعلومات الدولية.
المصدر:الألوكة