من القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم .. الإخلاص

الإثنين،11 ربيع الاول 1435ه الموافق 13 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.

محمود العشري

القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم

القاعدة الأولى: الإخلاص:

الإخلاص – يا صاحب القرآن – هو أهمُّ قاعدة في هذا الموضوع، بل وفي كل موضوع؛ وذلك أن الإنسان إذا عَمِل عملاً لا يبتغي به وجه الله – تعالى – فإن هذا العمل يكون مُحبَطًا؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]، فإيَّاك إيَّاك أن تبتغي بالقرآن جاهًا، أو وجاهة، أو ارتفاعًا فوق الناس، أو إمامة للصلاة، أو أن يشار إليك، ويقال: هذا قارئ، أو تحصيل مال، أو أي عرض من أعراض الدنيا.

 

روى أبو داود – بسند صحيح – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغَى به وجهُ الله – عز وجل – لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجدْ عَرْف الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها.

 

وروى الإمام مسلم والنسائي وأحمد – رحمهم الله جميعًا – حديثًا عن أبي هريرة – رضي الله عنه – يوضِّح فيه خطورة أن يفعل الإنسان الخير ابتغاء مرضاة الناس، وليس ابتغاء رضا الله – عز وجل؛ فقد قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن أول الناس يُقضَى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم، وعلمتُه وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلَّمت العلم ليقالَ: عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحب أن ينفقَ فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ ليقال: هو جَوَاد، فقد قيل، ثم أُمِر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار)).

 

فكان من الممكن أن تسعَّر جهنم أول ما تسعَّر بقاتلٍ، أو بزانٍ، أو بشارب خمر، ولكن الله – عز وجل – أراد أن يوضِّح خطورة هذا الأمر، وخطورة طلب رضا الناس على حساب رضا الله – عز وجل – فجعل أول مَن يُقضَى عليهم يوم القيامة مجموعةً من غير المُخلِصين، الذين لم يضعوا في اعتبارهم ثواب العمل ورضا الله – عز وجل – بل طلبوا أعراض الدنيا فقط.

 

روى الحاكم – وقال: صحيح – عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((تعلَّموا القرآن وسَلُوا الله به الجنة، قبل أن يتعلَّمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرؤه لله)).

 

وكلما زاد إخلاصك عَظُم أجرك عند الله – تعالى؛ وذلك كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو حديث جامعٌ في أمر الإخلاص؛ حيث قال عمر – رضي الله عنه -: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمَن كانت هجرته إلى دنيا يُصِيبها، أو إلى امرأة يَنكِحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)).

 

وكلما أكثرت من النوايا الصالحة عَظُم أجرك كذلك؛ فقد ينوي الإنسان بعملٍ صالح واحدٍ أكثرَ من نيَّة صالحة، وهنا – في مقام حفظ القرآن الكريم – تستطيع أن تعدِّد النوايا الصالحة أيضًالماذا نحفظ القرآن الكريم؟ لماذا نحرص على حفظه كاملاً؟

 

إليك – أخي يا صاحب القرآن – هذه العشرين، اجعلها نيات، أو مبشرات، أو محفزات، المهم العمل، فافهم معي، وانطلق، والله المستعان.

 

1- القرآن تجارة رابحة، وكل الناس تعاملُك لتربحَ منك إلا الله؛ فإنه يعاملك لتربح منه، قال عثمان – رضي الله عنه -: “يا أيها الناس، إن ربكم أنزل هذا القرآن ليُعمَل به، فاتخذوا تلاوتَه عملاً”، وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 29، 30].

اقرأ أيضا  تفسير سورة الكافرون عدد آياتها 6

 

2- تلاوة القرآن بالأمر المباشر من الله – تعالى – فاستحضر النيَّة عند تلاوة القرآن العظيم، أنك تتلوه استجابةً لأمر الملك العظيم، قال الكبير المتعالِ – سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ [النمل: 91، 92].

 

3- في تلاوة القرآن حِصْن حَصِين، وملجأ منيع لتَالِيه، ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الكهف: 27].

 

4- كل إنسان يبحث عن نسبة يتشرف بها ويفتخر، وإنه لحلمٌ فعلاً أن ينتسبَ إنسان إلى الملك القدُّوس، فهل تُرِيد أن تنال هذا الشرف؟!

 

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح ابن ماجه: ((إن لله أَهْلِين من الناس))، قالوا: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: ((هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته)).

 

5- التنافس على الخير مطلوبٌ، وأن تكون خير الناس مرتبةً لا تطال، ولكن ذلك ليس بالمحال، وأهل القرآن الذين هم أهلُه خير الناس؛ ففي البخاري عن عثمان – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه)).

 

6- قال – تعالى -: ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس: 15، 16]؛ السَّفَرة: هم الملائكة، كرام بررة؛ أي: خَلْقهم كريم، وأخلاقهم طاهرة، إن الفلاح كل الفلاح في التشبه بهؤلاء الكرام، فأتقن تكن معهم؛ ففي البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران)).

 

7- لكل إنسان ريح وطعم يشمه ويتذوَّقه أهل الإيمان، ويشهد الواقع بذلك، فللمعاصي ريح خبيثة، تظهر على العصاة والمذنبين، أسأل الله أن يتوب علينا وعلى المسلمين أجمعين، وللطاعات روائح وطعومات، والقرآن يغيِّر طعم الإنسان وريحه؛ ففي البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمَثَل الأُتْرُجَّة، ريحُها طيِّب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمَثَل التَّمْرة، لا ريح لها وطعمُها حلو، ومَثَل المنافق الذي يقرأ القرآن كمَثَل الرَّيحانة، ريحُها طيِّب وطعمها مُرٌّ، ومَثَل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمَثَل الحنظلة، ليس لها ريح، وطعهما مر)).

 

8- قال – تعالى -: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين: 4، 5]، الله – سبحانه وتعالى – يرفع ويخفض، بيده مقادير الخلق، فاللهم ارفعنا ولا تضعنا، وفي مسلم عن عمر – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين)).

 

9- يوم القيامة أهواله عظيمة، يحتاج الإنسان إلى مَن يقف معه، ويشفع له عند ربه، في يومٍ يغضب الله فيه غضبًا لم يغضبْ قبله مثلَه، ولن يغضب بعده مثله؛ قال – تعالى -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]، والقرآن شفيع مشفَّع؛ ففي مسلم عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)).

 

10- يتحاسد الناس على المظاهر وعلى الدنيا وعلى الأشكال، وكل ذلك عَرَض زائل، والغبطة الفَرَح بالنعمة على عباد الله وتمنِّي مثلها، ولا يُغبَط في هذه الدنيا مثل حامل القرآن؛ ففي البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن؛ فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)).

 

11- في القيامة قد يخف ميزان العبد، ويحتاج إلى حسنة واحدة، حسنة واحدة فقط، وقد يدور على الناس ولا يُعطِيه أحدٌ، الكل يقول: نفسي نفسي، أمامك فرصة اليوم بالعشرات، وويلٌ لمن غلبت آحادُه عشراتِه، اقرأ واغتنم بالعشرات، بالمئات، بالآلاف، بالملايين، ما بين مستقلٍّ ومستكثرٍ، ولا حرجَ على فضل الله – تعالى؛ ففي صحيح الترمذي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرفٌ، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).

اقرأ أيضا  أسباب نزول سورة آل عمران إلى الآية 113

 

12- نفسُك تعملُ، إن لم تشغلْها بالحقِّ شَغلَتْك بالباطلِ، وحتى الشغل درجاتٌ تتفاوت بين حق وأحق منه، وفاضل ومفضول، ولكنْ مع الله وأنت تتعامل مع الكريم – سبحانه – لا يحرمك فضله، إذا عَرَفت فضله، ففي صحيح الترمذي عن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الرب – تعالى -: مَن شغله القرآن وذكري عن مسألتي، أعطيته أفضلَ ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه)).

 

13- القلوب تمتلئ وتفرغ، وفراغ القلب خراب، والبيت الخرب تسكنه البوم والغربان، والقلب الخراب تسكنه الوساوس والهموم والأحقاد والأنكاد.. اعمُرْ قلبك بالقرآن يستنِرْ ويتطهَّرْ؛ ففي صحيح الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرِب)).

 

14- في صحيح مسلم عن أبي سعيد – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن أهل الجنة ليَتَراءَون أهلَ الغرفِ من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدُّرِّي الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب))، سبحان المَلِك! الجنة خمسمائة درجة، ما بين كل درجة ودرجة مسيرة خمسمائة عام، فانظر كم الفرق بين الأدنى والأعلى؟! واللهِ إنها لمسافةٌ لا تُتصوَّر! ولكن لماذا يرضى بالنزول مَن يستطيع العلوَّ؟! وفي الجنة درجتُك على حسب ما معك من القرآن! ولن تُعطَى هنالك مصحفًا تقرأ منه، إنما هو الحفظ والإتقان؛ ففي صحيح الترمذي عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((يُقَال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّل في الدنيا؛ فإن منزلتَك عند آخر آيةٍ تقرأ بها)).

 

15- حقُّ الوالدين عظيمٌ، وقلما يستطيع أحدٌ أن يوفِّي والديه حقَّهما، أمَّا إذا تولَّى المَلِك العظيم – تبارك وتعالى – إيفاءَ الوالدين هذه الحقوق، فإن الكريم – سبحانه – إذا أعطَى أعطَى بغير حساب، وأهل القرآن يتولَّى الله عنهم – سبحانه – أداءَ حقِّ الوالدين، بشرط أن يعمل الرجل بالقرآن؛ ففي صحيح أبي داود عن سهل بن معاذ الجُهَني – رضي الله عنه – عن أبيه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن قرأ القرآن وعَمِل بما فيه، أُلْبِسَ والداه تاجًا يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا))، فالحديث يبيِّن بلا شك أن ثواب الآباءِ الذين يحفِّظون أبناءهم القرآن سيكونُ كبيرًا جدًّا، وهي فرصةٌ لتذكير الآباء باستغلال سنِّ الأطفال الصغيرة للتحفيظ؛ لأن ذاكرتَهم أقوى بكثير من ذاكرة الكبار، وقديمًا قالوا: التعليم في الصغر كالنَّقْش على الحجر.

 

16- من أمتع المشاعر والأحاسيس الشعور بالأمان، وإذا كان الحذر من عذاب الله لازم لكل إنسان، فكيف بك إذا عَرَفت أن القرآن أمان، هل لك أن تنصرف من مَأْدُبة الله؟! إذا أحببت القرآن فأبشِر بالأمان؛ فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإن الله – تعالى – لا يعذِّب قلبًا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله، فمَن دخل فيه فهو آمن))؛ والحديث صحَّحه الحافظ في الفتح.

 

17- كن على يقين من الأمان مهما كان، إذا وعى قلبك القرآن، وتأكَّد إن حَفِظتَه وعَمِلت به أنك لن تدخل النار، ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لذلك مثلاً، فقال في الحديث الصحيح في مسند الإمام أحمد: ((لو أن القرآن في إهابٍ، ثم ألقي في النار ما احترق)).

 

18- الحب نعمة، وقد يشتهي الإنسان أحيانًا أن يحبَّه بعض الناس، وقد يشتهي أن يحبَّ هو الآخر بعض الناس، ولكنه لا يستطيع، وإذا كان في المعاملة مع الله ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تُحَب، فكيف الشأن إذا كان ممكنًا أن تُحِب وتُحَب؟!

اقرأ أيضا  تفسيرسورة يس عدد آياتها 83 وهي مكية

 

خُذْ هذه الهدية من السلسلة الصحيحة: قال رسول – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يحب الله ورسوله، فلينظر في المصحف، ومَن سرَّه أن يحبه الله ورسوله، فلينظر في المصحف)).

 

19- سبحان الملك العظيم، الذي لا يعلم قدرَه إلا هو – سبحانه وتعالى – وإن من الواجب على كل البشر، اللازم لكل الخلق، تعظيم الله وإجلاله – سبحانه جل جلاله، فانظر كيف يشترطُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإجلال الله – تعالى – إكرام حامل القرآن، فأي إكرام بعد هذا الإكرام؟! وأي إهانة لمن رغب عن هذا الإكرام وتخلَّى عنه؟! ففي صحيح أبي داود عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)).

 

20- حامل القرآن يقدَّم في الآخرة كما يقدَّم في الدنيا، هذا حقه؛ إكرامًا من الله – تعالى – له، وانظر معي كيف آثر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حامل القرآن، وقدَّمه حتى في القبر! ففي البخاري عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: كان – صلى الله عليه وسلم – يجمع بين الرجلين من قَتْلَى أُحُدٍ في ثوب واحد، ثم يقول: ((أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟))، فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد.

 

ملاحظة:

اعلم أن المذهب الصحيح المختار، الذي عليه مَن يُعتمد من العلماء، أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، والله أعلم.

 

ومع هذه النوايا هناك نوايا كثيرة أخرى؛ منها على سبيل المثال:

1- نية القراءة الكثيرة للقرآنفالذي يحفظ القرآن يستطيع أن يقرأ القرآن بصورةٍ أكبر عن طريق التسميع لما يحفظ، وذلك في أماكن لا يستطيع فيها أن يُخرِج مصحفَه ويقرأ، فمثلاً وهو يسير في الطريق، أو عند قيادة السيارة، أو ركوب المواصلات المزدحمة، وهو لا يستطيع أن يخرج مصحفه، أو عند وجوده في مكان لا يتوفَّر فيه مصحف، في عيادة طبيب، في مكتب، في سفر، أو في أي مكان آخر، ولا يخفى عليك يا صاحب القرآن أن الحرف من القرآن بعشر حسنات، والثواب هائل لا يتخيَّله العباد!

 

2- نية قيام الليل بما تحفظفالإنسان قد يَفْتُر عن القيامِ إذا كان في كلِّ مرة يقرأ سورًا معيَّنة بعينِها، ولا يحفظ غيرها، أما إذا كان حافظًا للقرآن، فهو يتجوَّل كل يوم في سورة، ويستمتع بكتاب الله – عز وجل.

 

3- نية أن تنال شرف أن تكون من حُمَّال القرآنوبذلك يدافع القرآن بكامله عنك يوم القيامة، وهذا مطلب عزيز، وهدف عظيم تُبذَل من أجله الأرواحُ والأبدان.

 

4- نية الوقاية من عذاب الآخرةروى الدارمي – بسند صحيح – عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – أنه قال: “اقرؤوا القرآن، ولا يغرنَّكم هذه المصاحف المعلَّقة، فإن الله لن يعذِّب قلبًا وعى القرآن“.

 

5- أن تعلِّمه غيركفأنت إذا حَفِظت القرآن ونقلتَه إلى غيرك تحفيظًا وتجويدًا وتفسيرًا، كان هذا بيانًا بأنك أصبحت من خير هذه الأمة، لم أَقُلْه أنا، بل قاله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه البخاري عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه -: ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه)).

 

6- أن تكون قدوة حسنة للمسلمين ولغير المسلمينفنحن نريد الطبيب الملتزم الحافظ، والمهندس الملتزم الحافظ، وكذلك الفلاَّح الملتزم الحافظ، والنجَّار الملتزم الحافظ، فإذا أضفنا إلى الحفظ والالتزام تفوُّقًا في المهنة، كانت هذه دعوة متحرِّكة، وسيربط الناس بسهولةٍ بين التفوق في المهنة والمهارة فيها والآداب في ممارستها، وبين الإسلام والالتزام وحفظ القرآن، وهذه دعوة بالقدوة، لا تعدلُها دعوة أخرى.

 

هذه بعض النوايا الطيبة في حفظ القرآن الكريم، ولا شك أن هناك نوايا صالحة أخرى في حفظ هذا الكتاب الجليل، والأمر على إطلاقه بين المسلمين.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.