العلم في القرآن الكريم
الخميس،23جمادى الثانية1435الموافق24نيسان/أبريل2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
د. بليل عبدالكريم
يعتبر العلمُ من أكثر الألفاظ ورودًا في القرآن الكريم، سواء بالتعيين أو بما يرادفه، أو ما يرشد إليه، ولم يأمر الله – تعالى – نبيَّه بأن يدعوَ بالزيادة إلا في العلم.
ومسألة الوقوف على دلالات العلم بُغيةَ تحديد المفهوم تتطلب الخوضَ في مباحثَ كثيرةٍ لتجلية الدلالات الاصطلاحية، ويتصدَّر البحثُ المعجمي أولى تلك المباحث، مع بيان الأقسام والفروق التي تميِّزه عن غيره، وتكوين الحقل الدلالي للفظ الناتج من علاقاته مع غيره ضمن حقله الدلالي المعجمي، فاللفظُ وسيلة لتحميل المعنى، والمفهوم يُكوِّن خصائصه بالسياق.
تعريف العلم وأقسامه:
تعريف لفظ “العلم من أكثر المباحث الفكرية المتنازَع فيها بين العلماء المسلمين؛ لتصرفهم في المعنى وَفق اتجاهاتهم الفكرية والعقدية، فيطوعون المعانيَ على مذاهبهم؛ لئلا يقع التداخلُ والتناقض داخل النسق المذهبي الواحد، غيرَ أن ذاك كان يميز صورةً للتقدم العلمي والتعمق الفكري، ومثالاً حيًّا عن البنية المعرفية والنظرية المعرفية لكل فرقةٍ أو مذهب.
التعريف اللغوي:
العلم نقيض الجهل، وهو الإدراك، أو المعرفة عامة، أو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة.
قال أهل اللغة: سمي العلم علمًا من العلامة، وهي الإشارة، ومنه معالم الثوب والأرض.
والمَعْلَمُ: الأثر يستدلُّ به على الطريق، والعِلم من المصادر التي تجمع[1].
ويقال: رجل عالم وعليم من قوم علماء، ويقال إذا بُولِغ في وصف الشخص بالعِلم: عَلاَّمة، وتِعْلامة[2].
وعَلِم بالشيء والأمر: شعر به، وعَرَفه، وأتقنه، وأحاط به، وأيقنه، وميَّزه[3].
وفرَّق سيبويه فقال: عَلَّمْتُ كأَدَّبْتُ، وأعْلَمْتُ كآذنْتُ، والمُعَلِّم المؤدب[4].
ويُوقع العلم مَوْقِعَ المعرفة، فتقول: “علمت زيدًا” إذا أردْتَ بها عِلْمَ الشخص فقط، وكُنْتَ أولاً لا تَعْرِفه، والعليم بمعنى العالم[5].
والعلم يتعدى بنفسه وبالباء، ويزاد في مفعوله قياسًا {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101]، {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14].
ولا يتعدى بـ (مِنْ) إلا إذا أريد به التمييز {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220][6].
وقد صح أن ابن عباس قال في قوله – تعالى -: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة: 143]: أي لنميز أهل اليقين من أهل الشك[7].
والعلم بمعنى إدراك الشيء بحقيقته المتعلق بالذات، يتعدى إلى واحد، وبالنِّسبة يتعدى إلى اثنين، وثاني مفعولي (علم) عين الأول فيما صدقا عليه، كما أن ثاني مفعولي (أعطى) غير الأول[8].
و(عَلَّم) “بالتضعيف” منقول من (عَلِم) الذي يتعدى إلى واحد، فتعدى إلى اثنين.
والمنقول بالهمزة من (علم) الذي يتعدى إلى اثنين، يتعدى إلى ثلاثة، وقد نظمت فيه:
وَعَلَّمَ بِالتَّضْعِيفِ مِنْ عَلِمَ الَّذِي تَعَدَّى إِلَى فَرْدٍ فَعُدِّيَ لاثْنَيْنِ |
و(عَلِمْت) يستعمل ويراد به العلم القطعي، فلا يجوز وقوع (أن) الناصبة بعده، ويستعمل ويراد به النص القوي، فيجوز أن يعمل في “أن“: ما علمت إلا أن يقوم زيد.
واستعمال العلم بمعنى المعلوم شائع، وقد يكنى بالعلم عن العمل؛ لأن العمل إذا كان نافعًا قلَّما يتخلف عن علم[9].
التعريف الاصطلاحي:
قال ابن جني: لمَّا كان العلم إنما يكون بالوصف به، والمزاولة له، وطول الملابسة، صار كأنه غريزة، ولم يكن على أول دخوله فيه، ولو كان كذلك لكان متعلِّما لا عالمًا، فلما خرج بالغريزة إلى باب فَعُلَ – صفات الذات – صار “عالم” في المعنى كعليم؛ فكُسِّر تكسيره، فقالوا: عالم جمعه: علماء[10].
ويعرَّف العلم بأنه إدراك الشيء على حقيقته، وذلك ضربان:
أحدهما: إدراك ذات الشيء.
والثاني: هو الحكم على الشيء، بوجود شيء، هو موجودٌ له، أو نفي شيء، هو منفيٌّ عنه.
فالأول يتعدى إلى مفعول واحد؛ نحو قوله – تعالى -: {لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].
والثاني المتعدي إلى مفعولين، نحو قوله – تعالى -: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10][11].
وعرفه الجرجاني بأنه: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع[12].
وقال التهانوي أنه على معانٍ عديدة عند أهل الفنون، وهي ملخصة في أنه: الإدراك مطلقًا، تصورًا كان أم تصديقًا، يقينيًّا أم غير يقيني[13].
أما في القرآن الكريم، فمدلول العلم ورد بالتصريح في مواضعَ كثيرةٍ، وعن آلياته كذلك في مواضع كثيرة، ولفظه أكثر إطلاقًا وذكرًا من المعرفة، كما سمى الله – تعالى – نفسه بالعالم والعليم والعلاَّم، ووصف نفسه بأنه يعلم، وعلِم، وأن له علمًا، وهو ذو العلم، قال أبو نصر البغدادي: إنا لا نقول: إن الله ذو علم، على التنكير، وإنما نقول: ذو العلم، على التعريف، كما نقول: إنه ذو الجلال والإكرام، ولا نقول: ذو جلال وإكرام[14].
والله – تعالى – علام الغيوب، لا يخفى عليه خافية؛ فهو يعلم ما يكون وما لا يكون، وما لو كان كيف يكون، كما يعلم إيمان المؤمنين، وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وهذا علم لا تجب به حجة، ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة، وهذا أكثر ما في القرآن، وعلمه – تعالى – علم للباطن والظاهر، وهذا ما ورد في عدة آيات، كما اختص الباطن باسم الخبير واللطيف، والظاهر بالسميع والبصير، فكان من تأكيد الإحاطة، والمحاججة بعلمه – تعالى – أنه يعلم ما خفي وما دقَّ، وما جلي وبان؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وأما علم الله – تعالى – فهو قديم.
غالبُ ما ورد في تعريفات العلم نجده اجتمع على أنه الاعتقاد الجازم المطابق المواقع، أو هو ما يُمثل اليقين والحكم الجازم غير القابل للتشكيك[15]، وكلها تفرق بين العلم والتخيل، من جهة إدراك الشيء على ما هو عليه، تصورًا في الذهن، وواقعًا في الحس، وبمقدار التطابق بينهما يكون العلم دقيقًا[16].
والمعنى الحقيقي للفظ العلم هو الإدراك، ولهذا المعنى متعلق، وهو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون وسيلةً إليه في البقاء، وهو الملكَة، فأطلق لفظ العلم على كلٍّ منها، إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية، أو مجازًا مشهورًا.
ويطلق على معانٍ بالاشتراك:
أحدها: يطلق على نفس الإدراك.
ثانيها: على الملكة المسماة بالعقل في الحقيقة.
ثالثها: على نفس المعلومات، وهي القواعد الكلية، التي مسائل العلوم المركبة منها.
رابعا: التهيؤ القريب المختص بالمجتهد، وهو مَلَكَة يقتدر بها على إدراك الأحكام الجزئية.
من خلال النظر في الآيات الواردة في موضوع العلم، يتبين أنها تناولتْ فيه أبعادًا مختلفة، مثل: الكلام على علم الله – تعالى – الحث على طلب العلم، واشتمال مفهوم العلم لميداني الغيب والشهادة، وميدان الشهادة يشمل الكون والإنسان والطبيعة، وهو ذاته غيب وشهادة، وهو من خصال الأنبياء، ومن تبعهم ممن حمل ميراثهم، ومنازل العلماء من أثر التقوى في العلم.
وحدَّد القرآن الغاية منه لتصحيح طرق الأخذ من العلوم، وترشيد وسائل العلم وأهدافه، وقسم الناس إلى فريقين: عالمٍ عامل، يزداد يقينًا وثوابًا واقترابًا من ربِّه، يسخر كل المعارف لخير البشرية، مخلصًا للغاية السماوية، وعالمٍ جاحد، يزداد غرورًا، ويثقل ميزانه بخطاياه، فينكل به يوم الحساب، كما ذمَّتِ العقول المعطلة، والملكات المنحرفة عن سُبل السلام، وجعل أهلها في مقام الأنعام.
هذا كله يرمي إلى فهم الغاية من العلم، وكيفية تحصيله، وطرق تنميته، وتصحيحه؛ ليكون أداةَ هدايةٍ، وسبيلَ نعيمٍ للناس أجمعين.
الخلاصة: أن العلم أوضح من أن يعرف، من حيث شعور الإنسان بنفسه أنه يعلم، وما من تعريفٍ إلا وكان قابلاً لأنْ يُعتَرض عليه، وكل محاولات تعريف للعلم، هي من جانب دون جانب، فمن عرَّفه بأنه اطمئنان النفس وسكونها، فقد أراد للعلم درجةً يقينية تملكها النفس، دون تقليد أو اعتقاد قابل للتشكيل، ومنهم من عرَّفه مركزًا على كونه صفة للحي، ومنهم من ميَّز به الإنسانَ عن البهائم.
نخلص إلى ما قال أبو بكر بن الطيب: وإن قال لنا قائل: ما حد العلم عندكم؟ قلنا: حده “معرفة المعلوم على ما هو به”، والدليل على ذلك أن هذا الحد يحصره على معناه، ولا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه شيء هو فيه، والحد إذا أحاط بالمحدود على هذا السبيل، وجب أن يكون حدًّا ثابتًا صحيحًا، فكلُّ ما حُدَّ به “العلم” وغيره، كانت حاله في حصر المحدود، وتمييزه من غيره، وإحاطته به، حال ما حددنا به “العلم”، وجب الاعتراف بصحَّتِه.
وقد ثبت أن “كل علم تعلق بمعلوم” فإنه “معرفة له على ما هو به”، و”كل معرفة بمعلوم” فإنها “علم به”، فوجب توفيق الحد الذي حددنا به “العلم”، وجعلناه تفسيرًا لمعنى منه، بأنه “علم“[17] [18].
والتعليم يكون بمعنى التفهيم، وحصول العلم للمتعلم، بتكرير أو تكثير؛ حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلم، أو تنبيه النفس لتصور المعاني، ويكون بمعنى إلقاء أسباب العلم، ولا يحصل به العلم؛ ولذلك يقبل النقيضين، فنقول: علَّمتُه فتعلَّم، وعلمته فما تعلَّم، والمعلم هو الذي يتلطف في إيصال المعاني إلى فهم المتعلم ويتسبب في ذلك.
ومدلولُه في القرآن شامل، يخص الإدراكَ لجملة من المعارف، بالتأمُّل والنظر في الوجود والخلق، وتدبُّر آيات الله في الأرض والسماء؛ وذلك لتعلُّقه بالحواس السليمة والخبر الصادق والعقل.
أقسام العلم:
العلم أقسام عدة حسب الحيثيات المقسم عليها، وحسب الفن المقسم له؛ لذا نحاول انتقاء بعض التقاسيم المشهورة، ونكتفي بها عن غيرها؛ إما لشمولها لها، أو لدقَّتها أكثر من غيرها.
فعلماء الأصول يقسمون العلم إلى قسمين:
الأول: علم قديم، وهو ما يختص بالله – عز وجل.
الآخر: علم حادث، وهو ما يختص بالخلق، وهو نوعان:
الأول: علم ضروري، وهو ما لا يقع عن نظرٍ واستدلال؛ أي: لا يحتاج إلى ذكاء ومعرفة قواعد العلماء، كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس الظاهرة.
وقُيدت بالظاهرة؛ احترازًا من الحواس الباطنة، من مثل: حديث النفس، والإلهام، والمنام.
كذلك العلم بالتواتر، سواء كان ذلك في الماديات، أو في التصورات، أو في التصديقات، فكل هذا لا يحتاج إلى إعمال نظرٍ وفكر وتأمل.
والآخر: علم مكتسب، وهو الموقوف على النظر والاستدلال؛ أي: يحتاج إلى قدح الذهن والتعلم، وهذا المعنى من قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إنما العِلم بالتعلُّم))[19]، وهذا العلم يتفاوت فيه الناس على حد قوله – تعالى -: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17][20]، كل له قدر باختلاف ما قُدِّر، وما قَدَر عليه[21].
فالعلم الضروري هو الحاصل لكل الناس في أحوالهم العادية، وهو ما أنزل على صورته الشرائع السماوية من الله – عز وجل – حيث كانت مرسلةً على خطاب يعيه الذكيُّ والغبي، وينتفع به العالمُ والبليد، فخاطب الأنبياءُ جميعَ طبقات الناس باختلاف مقاماتهم، الفكرية والسياسية والاقتصادية، فكانت أصول الدين حجةً على كل ذي عقل بالغ، مهما كانت مرتبة فهمه؛ لأن الضروري من البديهي، وهو ما لا يُحتاج فيه إلى تقديم مقدمة[22]، فهو يُتحصل عليه بسهولة، وبلا تعقيد، ولا حاجة إلى تأمل وتحليل واستنتاج[23]، ومن العلم الضروري إدراك حرق النار، وعلو السماء، ونور الشمس، والعلم بأن الله خالق الكون.
أما النظري، فمنه تفاصيل العبادات من أركانٍ وشروط، وفهم مسائل النحو، وتحاليل المركبات، وغيرها من مسائل العلوم الدقيقة.
والعلم من وجه آخر ضربان، هما: النظري والعملي[24].
فالنظري: ما إذا عُلِم فقد كَمَل، نحو العلم بموجودات العالم.
والعملي: ما لا يتم إلا بأن يعمل، كالعلم بالعبادات.
كما يسمى النظري بالاكتسابي، وهو نوعان: عقلي وسمعي:
فالعقلي: ما يحصل بالتأمل والنظر بمجرد العقل، كالعلم بحدوث العالم، وثبوت الصانع، وبوحدانيته وقِدَمِه.
والسمعي: ما لا يحصل بمجرد العقل؛ بل بواسطة، كالعلم بالحلال والحرام، وسائر ما شرع من الأحكام.
ومن الأقسام: العلم الفعلي: هو كليٌّ يتفرع عليه الكثرة، وهي أفراده الخارجية التي استفيد منها.
العلم الانفعالي: هو كلي يتفرع عن الكثرة، وهي أفراده الخارجية التي استفيد منها أيضًا.
مراتب وضوابط العلم:
للعلم مراتبُ تتعدد حسب حيثيات متنوعة، تتأثر بالاتجاهات الفكرية الصادرة عنها، غيرَ أنه هنا تُعرض على أساس وصول المعلومة للنفس المدركة.
مراتب العلم:
العالم الخارجي هو علة العلم، والحواس هي الوسيلة الوحيدة للنفس المدركة للاتصال بالوجود المشهود؛ فعليه أول مراتب وصول العلم هو الإحساس، وهو انفعال الحواس مع المحسوسات، بالتلقي للمعطيات الحسية، الناتجة عن المؤثرات الحسية.
تنتقل تلك المعطيات نحو النفس، وهنا تتدرج صعودًا، من العمليات الإدراكية الأولية البسيطة إلى ما هو أعقد، “واعلم أن أول مراتب وصول العلم إلى النفس الشعور، وهو إدراك من غير إثبات، فكأنه إدراك متزلزل، وهو من الحس، ثم الإدراك، وهو تمثل حقيقة الشيء عند المدرِك، وهو كمال يحصل به مزيد كشف على ما يحصل في النفس، من الشيء المعلوم، وهذا الكمال زائد على ما حصل في النفس، بكل واحدة من الحواس هو الإدراك.
ثم الحفظ، وهو استحكام المعقول في العقل.
ثم التذكر، وهو محاولة النفس استرجاع ما زال من المعلومات.
ثم الذكر، وهو رجوع الصور المطلوبة إلى الذهن.
ثم الفهم، وهو التعلق غالبًا بلفظ من مخاطبك.
ثم الفقه، وهو العلم بغرض المخاطب من خطابه.
ثم الدراية، وهي المعرفة الحاصلة بعد تردد مقدمات.
ثم اليقين، وهو أن تعلم الشيء ولا تتخيل خلافه.
ثم الذهن، وهو قوة استعدادها لكسب العلوم غير الحاصلة.
ثم الفكر، وهو الانتقال من المطالب إلى المبادئ، ورجوعها من المبادئ إلى المطالب.
ثم الحدس، وهو الذي يتميز به عمل الفكر.
ثم الذكاء، وهو قوة الحدس.
ثم الفطنة، وهي التنبه للشيء المراد معرفته.
ثم الكَيَس، وهو استنباط الأنفع، ثم الرأي، وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها.
ثم التبين، وهو علم يحصل بعد الالتباس.
ثم الاستبصار، وهو العلم بعد التأمل.
ثم الإحاطة، وهي العلم بالشيء من جميع وجوهه.
ثم الظن، وهو أخذ طرفي الشك بصفة الرجحان.
ثم العقل: وهو جوهر تدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة“ [25].
وقوله بأن العقل جوهر، مبنيٌّ على مرادفته للقلب، وإلا فهو عرض قائم بجوهر، هو القلب، وسيتضح ذلك أكثر حال البحث في مفهوم العقل، وعلاقته بالقلب في الفصل التالي.
والحدس هو عمل الفكر، ويتمثل في الانتقال بين المبادئ والمطالب دون مقدمات.
ولابن القيم تقسيم آخر يبدأ من الأعلى على أوجه الهداية الخاصة والعامة [26]:
المرتبة الأولى: مرتبة تكليم الله – عز وجل – لعبده يقظةً بلا واسطة؛ بل منه إليه، وهذه أعلى مراتبها، كما كلَّم موسى بنَ عمران – صلوات الله على نبينا وعليه – قال الله – تعالى -: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، فذكر في الآية وحْيَه إلى نوحٍ والنبيين من بعده، ثم خصَّ موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلَّمه، وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخصُّ من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية، ثم أكَّده بالمصدر الحقيقي، الذي هو مصدر “كلم”، وهو “التكليم”؛ رفعًا لما يتوهمه المعطلة والجهمية.
المرتبة الثانية:مرتبة الوحي المختص بالأنبياء؛ قال – تعالى -: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]، وقال – تعالى -: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، فجعل الوحي في هذه الآية قسمًا من التكليم، وجعله في آية النساء قسيمًا له، وذلك باعتبارين: فهو قسيم التكليم الخاص، الذي هو بلا واسطة، وقسم من التكليم العام، الذي هو إيصال المعنى بطرقٍ متعددة، والوحي لغةً هو الإعلام السريع الخفي.
المرتبة الثالثة: إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري، فيوحي إليه عن الله ما أمره أن يوصله إليه.
فهذه المراتب خاصة بالأنبياء، لا تكون لغيرهم.
المرتبة الرابعة: مرتبة التحديث، وهذه دون مرتبة الوحي الخاص، وتكون دون مرتبة الصدِّيقين، كما كانت لعمرَ بنِ الخطاب – رضي الله عنه – قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنه كان في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في هذه الأمة، فعمرُ بن الخطاب)).
قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية يقول: “جزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعلَّق وجودهم في هذه الأمة بـ “إن” الشرطية، مع أنها أفضل الأمم؛ لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناءِ هذه الأمة عنهم بكمال نبيِّها ورسالته، فلم يحوج الله الأمةَ بعده إلى مُحدَّث ولا مُلهَم، ولا صاحبِ كشف ولا منام، فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها، لا لنقصها“.
والمحدَّث: هو الذي يُحَدَّث في سرِّه وقلبه بالشيء، فيكون كما يُحدَّث به، قال ابن تيمية: والصدِّيق أكمل من المحدَّث؛ لأنه استغنى بكمال صديقيَّته ومتابعته، عن التحديث والإلهام والكشف، فإنه قد سَلَّم قلبَه كلَّه وسرَّه وظاهره وباطنه للرسول، فاستغنى به عما سواه.
قال: وكأن هذا المحدَّث يعرض ما يحدَّث به على ما جاء به الرسول، فإن وافقه قَبِله، وإلا ردَّه، فعُلِم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث.
المرتبة الخامسة: مرتبة الإفهام؛ قال الله – تعالى -: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79]، فذكر هذين النبيين الكريمين، وأثنى عليهما بالعلم والحكم، وخص سليمانَ بالفهم في هذه الواقعة المعينة.
وفي كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما -: “والفهمَ الفهمَ فيما أُدلي إليك”، والفهم نعمة من الله على عبده، ونورٌ يقذفه الله في قلبه يعرف به ويدرك ما لا يدركه غيرُه ولا يعرفه، فيفهم من النصِّ ما لا يَفهمه غيرُه، مع استوائهم في حفظه، وفهم أصل معناه، فالفهم عن الله ورسوله عنوانُ الصديقية، ومنشورُ الولاية النبوية، وفيه تفاوت مراتب العلماء، حتى عُدَّ ألفٌ بواحد، ويدق هذا حتى يصل إلى مراتبَ تتقاصر عنها أفهامُ أكثر الناس، فيحتاج مع النص إلى غيره، ولا يقع الاستغناء بالنصوص في حقه، وأما في حق صاحب الفهم، فلا يحتاج مع النصوص إلى غيرها.
المرتبة السادسة:مرتبة البيان العام، وهو تبيين الحق، وتمييزه من الباطل بأدلته وشواهده وأعلامه، بحيث يصير مشهودًا للقلب، كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه، التي لا يعذب أحدًا ولا يضله إلا بعد وصوله إليها، قال – تعالى -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115]، فهذا الإضلال عقوبة منه لهم، حين بيَّن لهم، فلم يقبلوا ما بيَّنه لهم، ولم يعملوا به؛ فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى، وما أضل الله – سبحانه – أحدًا قط إلا بعد هذا البيان، وإذا عرَفتَ هذا، عرفتَ سرَّ القدر، وزالت عنك شكوكٌ كثيرة، وشبهات هذا الباب.
المرتبة السابعة: البيان الخاص، وهو البيان المستلزم للهداية الخاصة، وهو بيان تقارنه العناية والتوفيق والاجتباء، وقطع أسباب الخذلان وموادها عن القلب، فلا تتخلف عنه الهداية ألبتة؛ قال – تعالى -: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37]، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، فالبيان الأول شرط، وهذا موجب.
المرتبة الثامنة: مرتبة الإسماع؛ قال – تعالى -: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: 19 – 23]، وهذا الإسماع أخصُّ من إسماع الآذان، فهذا إسماع القلوب، فالكلام له لفظٌ ومعنى، وله نسبة إلى الأذن والقلب، وتعلق بهما، فسماع لفظه حظُّ الأذن، وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظُّ القلب، فإنه – سبحانه – نفى عن الكفار سماعَ المقصود والمراد، الذي هو حظ القلب، وأثبت لهم سماعَ الألفاظ، الذي هو حظ الأذن، في قوله – تعالى -: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 2، 3].
وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه، أو تمكُّنه منها، وأما مقصود السماع وثمرته والمطلوب منه، فلا يحصل مع لهْوِ القلب وغفلته وإعراضه؛ بل يخرج السامع قائلاً للحاضر معه: {مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد: 16]، والفرق بين هذه المرتبة ومرتبة الإفهام: أن هذه المرتبة إنما تحصل بواسطة الأذن، ومرتبة الإفهام أعمُّ، فهي أخص من مرتبة الفهم من هذا الوجه، ومرتبة الفهم أخص من وجه آخر، وهي أنها تتعلق بالمعنى المراد ولوازمه ومتعلقاته وإشاراته، ومرتبة السماع مدارها على إيصال المقصود بالخطاب إلى القلب، ويترتب على هذا السماع سماعُ القبول، فهو إذًا ثلاث مراتب: سماع الأذن، وسماع القلب، وسماع القَبول والإجابة.
المرتبة التاسعة: مرتبة الإلهام؛ قال – تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8]، وقد جعل صاحب المنازل “الإلهام” مقام المحدثين، قال: وهو فوق مقام الفراسة؛ لأن الفراسة ربما وقعتْ نادرة واستصعبت عليه، والإلهام لا يكون إلا في مقام عتيد.
المرتبة العاشرة: الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة “46” جزءًا، وفي سبب التخصيص قيل: إن أول مبتدأ الوحي كان الرؤيا الصادقةَ، وذلك نصف سنة، ثم انتقل إلى وحي اليقظة مدة “23” سنة، فنسبة ذلك إلى الوحي في المنام جزء من “46” جزءًا، وفي رواية هي جزء من “70“.
وقد قيل في الجمع بينهما: إن ذلك بحسب حال الرائي؛ فإن رؤيا الصديقين من “46”، ورؤيا عموم المؤمنين الصادقة من “70”، فالرؤيا مبدأ الوحي، وصدقها بحسب الرائي، فأصدقُ الناس رؤيا أصدقُهم حديثًا، وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطئ؛ وذلك لبُعد العهد بالنبوة وآثارها، فيُعوض المؤمنون بالرؤيا.
ضوابط العلم:
من خلال التأمل في القرآن الكريم، نلاحظ عنايةً بضبط العلم وآلياته، في جانبيه الأخلاقي والعلمي؛ ذلك أن الانضباط الخُلقي في العلم لا يكفي وحده؛ فلا يُقبَل أن يكون البحث موثوقَ النقل من غير اكتمال أجزائه، كما أن الانضباط العلمي في مسألة التفكير لا يكفي؛ فلا يقبل عرض قضية مكتملة، وهي تتعارض مع الفضيلة والأخلاق.
من أهم الضوابط ما يلي:
أ- الموضوعية: وذلك بأن يكون التنظير العلمي والقوانين مبنيةً على دراسات عميقة، مستمدة من أدلة قطعية، فيتخلى عن عواطفه وانفعالاته، خاصة في الأمور الاجتهادية القابلة للصواب والخطأ، ويتحرَّى العدل في الأحكام، وهي على هذا “معيار أساسي من معايير البحث، مبنيٌّ على الصدق، والعلم، والأمانة، والبعد عن الأهواء الشخصية“[27].
ونجد هذا الخلق في آيات عدة، منها: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
كما يتبين في قوله – تعالى -: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]، فالكافرُ رغم عزوفه عن الإيمان، واتِّباعِه للباطل، وعصيانِه لربه، فقد ذكر الله – تعالى – أنه يعلم شيئًا من الدنيا ويدرك أمورها، فخصَّه بصفة العلم، وإن كان لأمور الدنيا فقط، ووصفه بالغفلة، لا الجهل لأمور الآخرة، فكان عدلاً منه – تعالى – وقاعدة في نقد الآخر وتقييمه في مسألةٍ ما، بأن يراعى ما له وما عليه، فلا تكون النظرة جانبية مائلة نحو السالب فقط؛ {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
غير أنه ينبَّه على أن معايير تقييم الأفكار والنظريات العلمية، يجب ألاَّ تكون مناقضة للمعايير الربانية، فلا يسلم أن يوصف من يتمسَّكُ بمعتقده، المبني على أدلة قطعية واضحة الدلالة، أنه متعصب، وغير متجرد من السوابق والشوائب، فشخصية العاقل لا تكون مفكرة دون علم سابق وقواعد ثابتة لمنهج التفكير، فإن لم يكن كذلك، فهو عامي لا مبادئ له، ولا علم مقعد يركن إليه.
فقد تحولتْ أصول الدين إلى مبادئَ قابلةٍ للأخذ والعطاء عند البعض، تحت مزاعم الموضوعية والتجرد، فقد “أصبح الكثير منهم يعرِّف الموضوعية بأنها: تجرُّد الباحث من كل اعتبار قيمي وعقدي![28]، وهذا ينافي ما نسعى إليه من البحث، وهو البلوغ بجميع العلوم لتحقيق الغاية الوجودية، وهي عبادة الله وتوحيده، فكيف يكون الباحث موضوعيًّا، وهو يكفر بالحقائق المطلقة المتعلِّقة بالخالق والمخلوق، والدنيا والآخرة؟! وكيف تكون المعايير الإلهية غيرَ علمية ولا موضوعية، والبشرية هي الموضوعية الدقيقة؟!
فالعقيدة هي المبدأ قبل الدخول في أي بحث؛ لأن العلم في القرآن الكريم وسيلةٌ وليس غايةً، هدفُه ترسيخ عقيدة: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وكلُّ شيء في الوجود خاضعٌ لما سَنَّه الله – تعالى – وشرعه، والاستخلاف في الأرض يكون لإعمارها على مراد الله – سبحانه – ولو اتَّبع الحقُّ أهواءَ الناس لفسدتِ السمواتُ والأرض.
من ثوابت الموضوعية التثبُّتُ قبل إصدار الحكم، وقد ركَّز القرآن على هذا الجانب؛ حتى لا يقع المسلم في سلسلةٍ من الأخطاء نتيجةَ الفهم الخاطئ[29]، كما في قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وفي حكايته عن قول سليمان: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21]، فكل أحكام الشريعة قائمةٌ على التثبت من الدليل، ومن وجه استدلاله؛ فالصلاة لا تقوم إلا بالتأكُّد من دخول وقتها، والحدود لا توقع إلا باليقين من الجُرم.
ب- الأمانة العلمية: وهذه القاعدة مبنيَّةٌ على حفظ حقوق الناس، سواء المادية أو المعرفية، وذاك في قوله – تعالى -: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: 183]، فالأمانة العلمية من آكد الأمور في النقل، وذاك بالاعتراف بفضل من أخذ عنه، فيقول القول عن قائله مثبتًا له السبق؛ لأنه “إذا نقل الإنسان فكرةً عن الغير، أو استفاد علمًا من الغير، لا بد أن يثبت هذه الفكرةَ لصاحبها.
وإذا استشهد الباحث بكلام عن الغير، توجب عليه أن يوثِّق هذا النقل، فيذكر اسم المؤلف أو القائل، والكتاب الذي نقل عنه، ورقم الجزء، ودار الطباعة، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ حتى يتضح المنقول، ويسهل الرجوع إلى مصدره لأي قارئ“[30]؛ وذاك أن “من أمانة العلم أن يُنسَبَ القول لمن قاله، والفكرةُ لصاحبها، ولا يستفيد من الغير ثم يسند الفضلَ إلى نفسه؛ فإن هذا لونٌ من السرقة، وضربٌ من الغش والتزوير“[31].
وهذه الأمانة العلمية تُضم إلى خُلقِ الصدق، الذي يعكس ما في أعماق الشخصية المحترمة لنفسها والمحترمة لغيرها، وآيات الصدق عديدة، منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، فكان الصدق من خصال التقوى والإيمان؛ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]، فعلى الباحث أن يتحرَّى الأمانة العلمية في النقل للمسموع أو المكتوب.
ج- أدب الخلاف: القرآن الكريم أمَرَ بالدعوة للحق، والهداية الربانية، لكن ركَّز على الأدب في الدعوة؛ بأن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة؛ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، والجدال بالتي هي أحسن يكون بترك الفظاظة في الخطاب، والتي لو استعملها خيرُ الخلق مع خير أصحابه، لانفضوا من حوله؛ {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، فكيف مع من هو لا يقارن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دعا من هم أدنى من خير القرون؟!
فالمناظرات يجب أن تكون لقصد الخير، وإبلاغِ الحق؛ فلا يصح فيها استفزازُ الخَصم، والطعن في النيَّات، وتسفيهُ الأحلام؛ بل من أخلاقها الإشادةُ بما للخصم من فضلٍ وعلم، والتلطُّفُ واللين في القول، ومجانبةُ خدش الكرامة والنبز بما لا يرتضَى؛ فقد ورد في القرآن النهيُ عن الكبر وإثارة الآخرين: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].
والمؤمن دائمًا متَّصفٌ بطِيب القول، وسلامة اللسان؛ {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]؛ لذا نجد نهج الأنبياء في عرْض ما بلغوا من الوحي والعلم، يتميَّز بالرِّفق والبيان، والتلطف في الجدال، والإيضاح للحق؛ {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44]؛ فإيصال الحق يستدعي أولاً تهيئة القلوب لقَبول ذاك الحق، ومعلوم أن كسب القلوب خيرٌ من كسب المواقف؛ فكم من انتصار لطرفٍ أدَّى إلى حنق وخصومة الطرف الآخر، وزاد من اتِّساع الشُّقة بينهما في القلوب والمعارف، مع الحرص على كسب المواقف.
كذا من الآداب عدمُ هتك أستار الخصوم حالَ الجدال، والترفق بهم، خاصة إن دلَّتِ القرائن على قربهم من الحق، ودنوِّهم من الحقيقة؛ ليُترك لهم حَظٌّ للرجعة إلى الجادة، ومراجعة النفس.
د- الدليل قبل التنظير والتقعيد: فوضوح الرؤى والأحكام، واتساق المعلومات لا يكفي، ما لم يكن الأساس المستند إليه صحيحًا؛ لذا كان المنهج القرآني قائمًا على المطالبة بالدليل أولاً على صحة أيِّ ادعاء، وسماتُ أهل الحق تتبُّعُ الدليل ثم الاعتقاد، وسمات أهل الباطل الاعتقاد المبنيّ على ما تشتهي الأهواء، أو ميراث الآباء، ثم البحث عن الدليل؛ لصبغ تلك السوالف بالرداء الشرعي العلمي، وذاك إنما هو التماس لمخرج من مواجهة الصواب والحقيقة، لا قصدًا نحو الحق والهداية.
والدليل قد يكون نقليًّا، وقد يكون عقليًّا أو حسيًّا، ولكل مسألة ما يناسبها من الأدلة ومن المسالك، وما يصلح في علمٍ لا يصلح في غيره لزومًا.
نجد صيغ المطالبة بالدليل في القرآن متنوعة، منها: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، فكان قولهم قول الجبرية، فردَّ الله – عز وجل – عليهم قولهم: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148].
فهم يتقَوَّلون على الله – تعالى – بغير كتاب، ولا بيِّنة يبنون عليها علمًا قائمًا، يُكسِبهم حجية في ادعائهم، ومثله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4] قال الطبري في معنى الأثارة أنها: “بقية من علم يُوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك، إن كنتم صادقين في دعواكم؛ فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة؛ لم تُغنِ عن المدعي شيئًا“[32]، وقال ابن كثير: “أي دليل بيِّن على هذا المسلك الذي سلكتموه، فلا دليل لكم نقليًّا ولا عقليًّا على ذلك“[33].
وللدليل مسمياتٌ عدة في القرآن، منها: العلم، وأثارة من علم – كما سلف – ومنها الكتاب: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
قال القرطبي في معنى الكتاب والأثارة: فيه بيان مسالك الأدلة بأسرها، فأولها المعقول، وهو قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ}، وهو احتجاج بدليل العقل في أن الجماد لا يصح أن يُدْعَى من دون الله؛ فإنه لا يضر ولا ينفع، ثم قال: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، فيه أدلة السمع[34].
فإن كان قولهم مبناه على النقل والخبر، فأين الكتاب؟ وإذا كان قولهم مبناه على العقل، فأين البرهان؟ فهو – عز وجل – قد طالبهم بتقديم البرهان النقلي، أو البرهان العقلي، وما دامت دعواهم خاليةً من نقل صريح، أو عقل صحيح، فهي دعوى ساقطة، ليس لها سند ولا دليل[35].
البرهان: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].
السلطان: {هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف: 15].
الحجة: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
الآية: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} [البقرة: 211].
البينة: {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة: 110].
البصائر: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104].
هـ- العناية بلغة العلم: ويراد بهذا فهم مصطلحات العلم المتخصص فيه، والعناية بالمصطلحات مهمة؛ لأثرها النفسي على العقول والقلوب.
فالمصطلحات نشأتْ لحاجة الناس إليها، ثم تطورتْ حتى صارت عاملاً مفيدًا وخطيرًا في التأثير في فهم الناس؛ فهي مفاتيحُ للعلوم، ولها تأثيرٌ سلبًا وإيجابًا في العلوم والسلوك، وهي وسيلة لتركيب المعاني الظاهرة والباطنة في مصطلح، باشتماله على أفكار عدة، فيوجه العقل إلى معنى يراد منه من قبل.
فالمصطلح يجعل العقل لا يتوجَّه إلى الفكر إلا على ما جُعل عليه، واتفق عليه، وما تواضع أهلُه عليه؛ فعدمُ ضبطه يؤدي إلى فوضى فكرية، وعدمُ فهمه يتولَّد عنه اضطرابٌ في التصور، وربما يفسر البعض مصطلحًا ما على غير ما تواضع عليه أهلُه، فإذا شاع تشعبتْ معانيه، فيفتقد خصوصيتَه العلمية، وقيمته اللُّغوية.
فلكل أهل علمٍ لغتُهم، وقد عُني المسلمون بفن المصطلح، فجعلوه علمًا خاصًّا، وهو يبحث كثيرًا في اللسانيات، وفقه اللغة، وعلم الدلالة؛ أي: علم يبحث بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها؛ “وذاك لأن اللغة ظاهرة اجتماعية، تخضع لكل ما تخضع له الظواهرُ الاجتماعية، وهي تمرُّ في كل أطوارها بعين المراحل التي يمر بها الكائن الحي“[36]، “فاللفظ حين يقال: تكتنفه ظروف وملابسات، وبيئات وأزمان، وأفكار وتخصصات وثقافات، كلها تحدد المراد منه في غالب الأمر، فإن أُخذ مجردًا عن ذاك، أوقع في الخلل والتخبط“[37].
كما أن لبعض الألفاظ حساسيةً، وإيرادها يكتنفه الغموضُ، ويخالف الواقعَ، ويُنبئ عن جهل قائلها بما يعني كلامُه، وما يترتب عنه؛ مثل هذا في ادِّعاء الأعراب وقت النبوة الإيمانَ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات: 14]، هذا قولهم بأفواههم، وهو نتاج فهمهم للإيمان، فردَّ الله عليهم بأمره لنبيِّه: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} الإيمان المُراد منكم تحقيقُ شروطِه، والانتفاء من موانعه؛ {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 14]،”فكان إسلامهم انقياد الجوارح في الظاهر بالعمل، والإقرار باللسان، وإن كان القلب منطويًا على الكفر“[38].
من ذاك أن يريد القائل لفظ خيرٍ؛ لكن الشائع منه سوء، كما في فعل اليهود مع النبي، حيث كانوا يشتمونه بما يظن أنه كلام مدح؛ فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104].
قال السعدي: “كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلُّمهم أمر الدين: “راعنا”؛ أي: راعِ أحوالنا؛ يقصدون المعنى الصحيح، وكان اليهود يريدون به معنى فاسدًا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك سبًّا للرسول، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة؛ سدًّا لهذا الباب، وفي هذا النَّهيُ عن الجائز إذا كان وسيلةً إلى محرَّم، وفيه أدب استعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفحش“[39].
و- تناسب القدرات المعرفية مع مجال البحث: فأدوات العلم لدى الإنسان لها قدراتٌ محدودة، ومجالاتها منتهية؛ لذا كان للسمع فاصلٌ لا تدرك فيه الأصوات، وللعين مجال لا تبصر فيه الصور، وللعقل حدود لا يعيها.
فمن ضوابط العلم أن لا يبحث الإنسانُ فيما لا طاقة له به؛ لأن ذاك من إضاعة الوقت، وإهدار الجهد، فكان توجيه القرآن إلى ما فيه فائدة الناس، في حالهم ومآلهم، وما هو مسخَّر لهم حسًّا وعقلاً، ونهاهم عن الخوض فيما لا علم لهم به، وما لا يترتَّب عنه عملٌ مفيد لا في الدنيا، ولا في الآخرة، وفيما تقصر عقولهم عن إدراكه، فكانت الأجوبة عن مسائل الناس تراعي حاجياتِهم؛ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187].
والتناسب بين المجال المعرفي والمنهج العلمي المستخدم مهمٌّ في ضبط القدرات المعرفية؛ فلكل جانب علميٍّ منهجُه المناسب لسبر أغواره، وفهْم دقائقه، وهذا مبيَّن في: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19]، فإما أن المشركين كانوا مع الله حالَ خلقِه للملائكة، ورأَوْا ذاك رأي العين، فنقلوه إلى الناس، أو أنهم رأَوُا الملائكة فعلموا أنهم إناث! فإذا انتفى الأمران، فادِّعاؤهم باطل، لا أساس يرتكز عليه؛ لأن الملائكة من عالم الغيب، وهم من عالم الشهادة، ولا يملكون وسائلَ الاتصال بعالم الغيب.
ــــــــــــــــــــــ
[1] “جمهرة اللغة”، ابن دريد، ج3، ص 139.
[2] “العين”، أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط(1)، 1988، ج2، ص 152.
[3] “مقاييس اللغة”، ابن فارس، ج4، ص 109.
[4] “مجمل اللغة”، ابن فارس، ج3، ص 624.
[5] “معجم ألفاظ العلم والمعرفة”، عادل زاير، ص 42.
[6] “الكليات”، الكفوي، ص 610.
[7] “زاد المسير”، ابن الجوزي، ص 93.
[8] “المفردات”، الراغب، ص 347.
[9] “الكليات”، الكفوي، ص 611.
[10] “الخصائص”، لابن جني.
[11] “المفردات”، الراغب، ص 343.
[12] “التعريفات”، الجرجاني، ص 200.
[13] “كشاف اصطلاحات الفنون”، التهانوي، ج 4، ص 1055.
[14] “الأسماء والصفات”، البيهقي، ص 123.
[15] “نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة”، راجح الكردي، ص 44.
[16] “التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات”، أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط(1)، 2005، ص 95.
[17] “الرد على المنطقيين”، ابن تيمية، ص 17.
[18] أبعاد العلم في القرآن تشمل كلام الله – تعالى – وصفاته وأفعاله، وميداني الشهادة والغيب.
[19] “سلسلة الأحاديث الصحيحة”، محمد ناصر الدين الألباني، مراجعة: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف: الرياض، ط(1)، 2004، ح 342.
[20] “التحقيقات على متن الورقات”، مشهور آل سلمان، ص (97 – 98).
[21] “إعلام الموقعين عن رب العالمين”، ابن قيم الجوزية، تح: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، ط(1)، 2003، ج 1، ص 354.
[22] “روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه”، موفق الدين بن قدامة المقدسي، تح: عبدالكريم بن علي بن محمد النملة، مكتبة الرشد ناشرون: الرياض، ط(7)، 2004، ج1، ص 347.
[23] “المعرفة في نظر القرآن”، محمد البهشتي، ص 82.
[24] “المفردات”، الراغب، ص 247.
[25] “الكليات”، الكفوي، ص 67.
[26] “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”، شمس الدين محمد بن القيم، تح: حامد الفقي، دار الكتاب العربي: بيروت، ط(2)، 1972، ص (37 – 50).
[27] “الموضوعية في العلوم التربوية”، عبدالرحمن صالح، دار المنار: جدة، ط(1)، 1407، ص6.
[28] “الموضوعية في العلوم الطبيعية”، حمدان الصوفي، ص أ.
[29] “فصول في التفكير الموضوعي”، عبدالكريم بكار، ص 51.
[30] “منهجية البحث العلمي وضوابطه في الإسلام”، حلمي صابر، ص 147.
[31] “الرسول والعلم”، يوسف القرضاوي، دار الصحوة: القاهرة، دت، ص 63.
[32] “جامع البيان”، الطبري، ج8، ص 79.
[33] “تفسير القرآن العظيم”، ابن كثير، ج4، ص 182.
[34] “الجامع لأحكام القرآن”، القرطبي، ج16، ص (182 – 183).
[35] “منهجية البحث العلمي وضوابطه في الإسلام”، حلمي صابر، ص (129 – 130).
[36] “فصول في التفكير الموضوعي”، عبدالكريم بكار، ص 260.
[37] “منهجية التفكير العلمي”، خليل الحدري، ص 239.
[38] “أضواء البيان”، الشنقيطي، ج7، ص 637.
[39] “تيسير الكريم الرحمن”، السعدي، ص 47.
المصدر: الألوكة