إذا نظف كل منا أمام بيته صار الشارع نظيفا

الأحد،18رجب 1435الموافق18 أيار/ماي2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.

د. وليد خالد الربيع

يقوم بعض الناس بالتهاون في أداء الواجبات أو التقصير في الالتزام بالقوانين أو احترام الأعراف العامة، فيكسر القانون، ويتمرد على العرف العام، ويقصر في أداء مسؤولياته الفردية تجاه المجتمع والآخرين، ويجعل لنفسه مبررا يتكئ عليه، ألا وهو: كل الناس يفعل ذلك، أو أن الدنيا كلها بهذه الصورة، وإذا أدى غيري واجبه قمت بأداء واجبي، أو يقوم بإلقاء اللوم والعتب على المسؤولين، وأنهم مقصرون في أداء أعمالهم، ويتخذ من ذلك مبررا لإهماله وتقصيره ومخالفاته.

ونصوص الشريعة وقواعدها تؤكد مبدأ المسؤولية الفردية، وهي كون الشخص مكلفا بأداء ما كلف به تجاه ربه ونفسه والآخرين، بحسب وسعه وطاقته، وأن قيامه بتلك التكاليف إنما يكون بالإخلاص لله U، والإحسان في العمل، لأنه سيسأل عن أعماله وسيجازى عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، إلا أن يعفو الله ويتجاوز.

فقيام الفرد بمسؤولياته الدينية والدنيوية عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فهي ليست مصالح متبادلة يقوم بها الشخص ردا على إحسان الدولة إليه أو مقابلة لجميل أسداه غيره إليه، والمسؤولية ليست فضلا يمتن به المرء على أسرته أو مجتمعه أو دولته، فمسؤولية الفرد تجاه ربه وتجاه الآخرين أساسها إيمان الشخص بالله واليوم الآخر، وأداؤه لتلك المسؤوليات هو أثر لإيمانه، وانعكاس لدينه، وهذا ما يفرق بين المسؤولية في الإسلام والمسؤولية في النظم الغربية، حيث يكون أداء الإنسان لواجباته مناطا برقابة القانون وحضوره، أما عند غيبة الرقيب فإن الشخص يتهرب من مسؤولياته والتزاماته.

فمن الآيات الكريمة التي تؤكد مبدأ المسؤولية الفردية قوله U: ]وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[  قال الشيخ ابن سعدي: ” أي: لا أولاد، ولا مال، ولا أنصار، ليس معه إلا عمله، فيجازيه الله ويوفيه حسابه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كما قال تعالى:   ]وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ[ “اهـ.

اقرأ أيضا  القدس.. إصابة فلسطينيين في مواجهات مع قوات إسرائيلية في سلوان

وقال الله تعالى: ]وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ[، قال الشيخ ابن سعدي: “وهذا إخبار عن كمال عدله أن كل إنسان يلزمه طائره في عنقه، أي: ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازما له، لا يتعداه إلى غيره، فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله، وقوله تعالى: ]وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا[  فيه ما عمله من الخير والشر حاضرا صغيره وكبيره، ويقال له: ]اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[ وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد: حاسب نفسك ليعرف بما عليه من الحق الموجب للعقاب”اهـ.

وقال تعالى: ]مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[، قال الشيخ ابن سعدي: “أي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر، والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة، وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه”اهـ.

وأما ما جاء في السنة المطهرة مما يؤكد مبدأ المسؤولية الفردية فما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته”(متفق عليه).

اقرأ أيضا  الجهاديون .. و الزيادة في الجهاد

قال النووي: “قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء، فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته”اهـ.

قال الطيبي: “في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوبا لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه”.

قال ابن حجر: “وقال غيره: “دخل في هذا العموم المنفرد الذي زوج له ولا خادم ولا ولد فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل بالمأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته”.

فالأمر خطير، إذ إن كل إنسان سيسأل بمفرده عن أعماله ويجازى عليها، ولن ينفعه أو يدفع عنه أفعال الآخرين أو أعذارهم، وعليه أن يعد لكل تصرف جوابا يجيب به ربه، كما جاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر وزاد في آخره: “فأعدوا للمسألة جوابا ” قالوا: وما جوابها؟ قال: “أعمال البر” قال ابن حجر: “أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط وسنده حسن”اهـ.

فهذه المقولة: “إذا نظف كل منا أمام بيته صار الشارع نظيفا” هي مثل بريطاني يصور حقيقة المسؤولية الفردية بصورة تقريبية واضحة وسهلة الفهم، حيث إن قيام كل فرد بما كلف به وحده دون انتظار للآخرين سيؤدي في النهاية إلى شيوع النظام واستقامة الأمور، وتقلص الفوضى وانحسار الفساد، أما أن ينتظر كل فرد من غيره أن يقوم بواجباته وواجبات غيره، فهنا تتعطل مصالح المجتمع، ويشيع الفساد، وينمو التواكل والأنانية، وتبرز صفة اللامبالاة وقلة الاهتمام، وهذا يتنافى مع ما قرره الدين من الأخوة الإيمانية في قوله U: ]إنما المؤمنون إخوة[، وما أكده من تلاحم المجتمع وأخذه على أيدي المقصرين والمهملين حتى لا ينهار المجتمع بسبب سوء تصرفهم وقلة فهمهم، كما قال r: “‏مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”(أخرجه البخاري)، فالحديث يؤكد أهمية تعاون الجميع لحفظ بقاء المجتمع وسلامته، وأن إهمال البعض أو تقصيره وحتى سلبيته قد يكون سببا لهلاك المجتمع وفوات مصالحه، فأهم الأمور أن يقوم الفرد بما كلف به تجاه ربه ونفسه والآخرين، إخلاصا لله تعالى وإحسانا للغير، وإتقانا للعمل، وبالله التوفيق.

اقرأ أيضا  إسرائيل تشرع مجددا بهدم قرية "حمصة البقيعة" شمالي الأغوار

المصدر:البشرى

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.