البلاغة في آيات خلق الجبال وخاصية التربة في الإنبات

الأربعاء،21رجب 1435الموافق21 أيار/ماي2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.

البلاغة في آيات خلق الجبال وخاصية التربة في الإنبات

بعد أن أفردنا المقالات السابقة لخلق السماء، سيكونُ هذا المقال لخلق الأرض، علمًا بأنهما قد ذُكِرا في القرآن الكريم متلازِمينِ، فما ذُكِرت السماء إلا وذكرت معها الأرض، إلا أن الدراسة اقتضت الفصلَ لإشباع الدراسة حول كلٍّ منهما مع ما يلازمهما من توابع.

وأرى أن أبدأ بما ورد في سورة فُصِّلت عن خلق الأرض وما حوت، في قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 9 – 11].

وقد ورد في تفسيرِ هذه الآيات:

يُنكِرُ الله -تعالى- ويعجَبُ من كفرِ الكافرين به، الذين جعلوا معه أندادًا يُشرِكونهم معه، ويبذلون لهم التقديس والقرابين والخضوع والعبادة، ويسوُّونهم بالرب العظيم المَلِك الكريم الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة في يومينِ، ثم دحاها في يومين؛ بأن جعل فيها رواسي من فوقها تُرسِيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار، فكمل خلقها ودحيها وإخراج أقواتها وتوابعها ﴿ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ  عن ذلك، فلا ينبِّئك مثل خبير، ومع أن قدرة الله ومشيئته صالحةٌ لخلق الجميع في لحظةٍ واحدة، ولكن مع أنه قدير فهو حكيم رفيق، فمن حكمته ورفقه أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة.

 

واعلم أن ظاهر هذه الآية مع قوله في (النازعات) لما ذكر خلق السموات قال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات: 30]، يَظهَرُ منهما التعارض، مع أن كتاب الله لا تعارض فيه ولا اختلاف.

 

والجواب عن ذلك ما قاله كثيرٌ من السلف أن خلق الأرض وصورتِها متقدِّم عن خلق السموات كما هنا، ودحي الأرض بأن ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَاوَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات: 31، 32] مُتأخِّر عن خلق السموات”؛ نقلاً عن تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.

اقرأ أيضا  القرآن المبين وحضارات الأقدمين

 

وكلٌّ من هذه الحالات مخلوق في يومين، وحسب تسلسل الأيام فإن الأرض خُلِقت يومَي الأحد والاثنين، ثم السموات يومي الثلاثاء والأربعاء؛ أي: خلق الأرض وصورتها، ثم السموات، ثم تقدير ما في الأرض من أنفس وأقوات وجبال في يومي الخميس والجمعة، وقد ذُكِر في الأحاديث الصحيحة أن آدم خُلِق يوم الجمعة، ومات يوم الجمعة، وستقوم الساعة يوم الجمعة.

 

البلاغة:

الإيضاح بعدم الإبهام؛ وذلك لدفع التوهم ﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ  إلى أن قال﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ }، فإنَّ من جملة هذه الأيام الأربعة اليومين المذكورين.

 

الاستعارة الحسية؛ حيث استعار للجبال كلمة (رواسي) التي تُثبِّتُ الأرض وتثقِّلها، وفي تنكيرها تفيد العموم؛ أي: كل جبل يعد من الرواسي.

 

الطباق في ﴿ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا .

الإرصاد في توقُّع الفاصلة القرآنية ﴿ طَائِعِينَ  وهذا من تمام الانقياد لله.

إضفاء الحياة على السماء والأرض في الخطاب، ثم ردهما بالخضوع والإذعان﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ  ؛ مصداقًا لقوله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: 44].

 

الالتفات في ﴿ لَتَكْفُرُونَ ﴾ و﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ .

الإيجاز في ﴿ أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وذلك حسب ما استقر عليه الوضع النهائي؛ لأن جواب ﴿ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا : “نمتثلُ أمرَك يا رب فنأتي طائعين، فأتوا”، وهذا الاختصار لسرعة تلبية الأمر؛ حيث لا يحتاج أمر الله إلى التردُّد أو التفكير، وإنما تلبية الأمر حالاً، فكان بيان مطاوعة السماء والأرض لأمر الله.

اقرأ أيضا  تفسير سورة الملك عدد آياتها 30 وهي مكية

 

• ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد: 41]:

قال في تفسير فتح القدير:

الخطاب لأهل مكة، والاستفهام للإنكار؛ أي: أو لم ينظروا ﴿ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾؛ أي: نأتي أرض الكفر كمكَّة – قبل الفتح – ننقُصُها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئًا فشيئًا… وفي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾، قال: ((ذهاب العلماء))، وفي رواية ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: ((موت علمائها وفقهائها، وذَهاب خِيارِ أهلِها)).

 

وفي قوله: ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾؛ أي: ليس أحدٌ يتعقَّب حكمَه، فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضُهم حكم بعض فيرده”، هذا مختصر أقوال أهل التفسير، لكنَّ العلم الحديث له رأي لطيف في إنقاص الأرض من أطرافها.

 

ورد في كتاب من الإعجاز العلمي في القرآن:

وأطراف الشيء هي أبعد أجزائه عن وسطه أو مركزه، وبالنسبة لكوكب الأرض، فإن أطرافه تتمثَّل في ناحيتين؛ هما:

أ- القمم والهامات العليا للجبال، وهي التي تُمثِّل الأطراف الرأسية لقشرةِ الأرض، وهذه الأطراف العليا تتناقصُ في الارتفاع تبعًا لتآكلها ونحتها المستمر بفعل عوامل التجوية والتعرية.

 

ب- أطراف الكرة الأرضية عند القطبين، وتبعًا لتفلطح منطقتي القطبين، أدى ذلك إلى تناقص طول القطر القطبي عن طول القطر الاستوائي، وهذا الأمر له أثرُه في اختلاف زاوية سقوط الأشعة الشمسية على سطح الكرة الأرضية واختلاف الليل والنهار طولاً وحرارةً على أجزاء سطح الأرض”؛ ص326.

 

أقول: التفاتة جيدة للعلم الحديث، وهذا من الإعجاز.

 

البلاغة:

الالتفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب ﴿ نَأْتِي الْأَرْضَ ﴾ و﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ﴾.

 

التوجيه إلى عظمة الخالق وقدرته وتصرفه في ملكه بما يشاء.

اقرأ أيضا  أنواع حملة القرآن

 

الاستفهام الإنكاري، وهو تقرير ما حدث، وفيه الحثُّ والتوجيه لإعمال الفكر بدل الجمود.

 

العنوان، وهو التوجيه إلى ما في الآية من علوم، وهي هنا علوم الأرض وشكلها.

 

• وفي سورة المُلْك: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15]:

قال في فتح القدير:

أي سهلة ليِّنة تستقرون عليها، ولم يجعلها خَشِنةً بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها، والذَّلول في الأصل هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك.

 

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ طُرُقِها ومسالكِها وأطرافها وجوانبها“.

 

وللعلم الحديث التفاتةٌ طريفة لمعنى (ذَلول)، شبَّهها بالناقة الذَّلول التي لا تستعصي على راكبها، بل تنقُلُه في أسفاره بيسرٍ وسهولة، وهذا دليل أن الإنسان راكب على الأرض؛ لأنها كالمطية، وهو دليل أن الأرض سابحة تجري بركَّابها.

 

البلاغة:

تشبيه بليغ ﴿ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾، ويجوز: استعارة تصريحية لبيان الانقياد للإنسان.

 

الالتفات في ﴿ جَعَلَ ﴾ الماضي و﴿ فَامْشُوا ﴾، ﴿ وَكُلُوا ﴾ الأمر.

 

الاكتفاء في ﴿ مِنْ رِزْقِهِ ﴾، والرزق في الأرض كثير، فاكتفى به عن التفصيل.

 

قدرة الله -تعالى- في الصنع وتذليل الصعب لأجل الإنسان.

 

الحذف؛ حيث يُفهم من عبارة ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ أن هناك كلامًا محذوفًا تقديره: فاشكر الله على ما أعطاك أيها الإنسان؛ لأن المرجع إليه.


المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.