علم الاقتصاد الإسلامي
الثلاثاء-8رمضان 1434 الموافق16 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
هل جاء القرآن الكريم والسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده بعناصر متكاملة تمد الفكر العلمي بنظرية علمية يقوم عليها النشاط الاقتصادى في كل من الإنتاج والتوزيع، وفي ظل ما يعرف بالاقتصاد النقدى؟ والجواب: نعم، وسنكتفي بإلمامة خفيفة فى هذا الشأن تفصح عن غرضنا.
إن القرآن الكريم قد أرسى القواعد الكلية لتنظيم الاقتصاد، وجاء بعناصر متكاملة تمد الفكر العلمي بحاجته منه، وتشتمل على الأسس التى تكفل للجنس البشري أوضاعا اقتصادية تحقق له مستويات عليا من الرفاهية قبل أن يقوم علم الاقتصاد ويصل إلى ما وصل إليه من التقدم، ومما جاء في القرآن الكريم:
1- مبدأ العمل:
فالعمل هو السبيل الطبيعي لكسب المعاش، وهو الدعامة التي يقوم عليها المجتمع الإنساني؟ فهذا رجل من أفراد المجتمع يزرع، وذاك يصنع، وآخر يتجر، وغيره يعالج المرضى، أو يسهر على حفظ الأمن، أو يدافع عن الوطن إلى غير ذلك من الأعمال التي يقتضيها نظام الجماعة البشرية، ومن أجل ذلك حثَّ الإسلام على العمل وحضَّ على الكسب من طرقه المشروعة؛ فقال تعالى: (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، وقال سبحانه: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)، وقال عز وجل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
وقال صلى الله عليه رسلم: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده“ (أخرجه البخاري)، وقال أيضا: “والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه“.(أخرجه البخاري.)
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: “لا يقعدنَّ أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهمَّ ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة“، إلى كثير من الآيات والأحاديث والآثار التي تدل على عناية الإسلام بالعمل، وتبين مدى أهميته للفرد والجماعة.
2- الزكاة:
وهي من أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإنساني وينتظم بها اقتصاده؛ فهي من العوامل التي تقلل الفوارق بين الناس فى حظوظ الدنيا، وتطهر نفوس الأغنياء من الشُّحِّ والبخل، وفيها تتجلى مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء، وسدُّ خُلَّتهم، كما أنها تدفع عن الأغنياء عواقب الحقد عليهم من نفوس الفقراء؛ فتسود المحبة وتقوى أواصر الألفة والتعاطف والتراحم بينهما، ومن ثم جعلها الإسلام أحد الأركان التي يقوم عليها بنيانه.
ولقد حث عليها القرآن فى كثير من آياته ورغب فيها وقرنها بالصلاة؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه وفيها إصلاح للنفوس، والزكاة صلة بين الأغنياء والفقراء وفيها إصلاح لشئون المجتمع، قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا)، وقال عز من قائل: (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون)، وقال عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، وقال سبحانه🙁والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، وقال صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تكشف عن كثير من نواحي الاقتصاد التى يسعد بها المجتمع.
وإذا استمع الأغنياء إلى مثل هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أدى ذلك إلى صيانة المجتمع من الآلام والشرور التي يقاسيها، وإلى البعد عن الشيوعية، وعن الفتن والثورات التي تنشأ من احتكار الأغنياء للثروة وحرمان الفقراء منها.
وإن الناظر إلى الزكاة وأثرها فى المجتمع يدرك الحكمة من فرضيته، وجعلها ركنا من أركان الدين، وفي المرتبة الثالثة بعد التوحيد والصلاة. وإذا اطمأنت نفس المسلم إلى هذا الحق، وأنه واجب عليه لأخيه المسلم دعاه ذلك لأن يعرف أن عليه أنواعا أخرى من التعاون ليست دون المال.
3- تحريم الربا:
الربا فيه من المفاسد والإضرار بالمجتمع الإنساني من نواحيه الاقتصادية والاجتماعية ما لسنا في حاجة هنا إلى الإسهاب فيها؛ فهو يتنافى مع الأخلاق الكريمة التي يجب أن تسود كل مجتمع فاضل، من المروءة والتعاون والتعاطف والتراحم، ويورث أفراد المجتمع الحقد والبغضاء، ويؤدي إلى حصول أصحاب الأموال على كسب دون عمل؛ فإنهم يستغلون حاجة المحتاج، وينصرفون عن الأعمال المشروعة للكسب الحلال، ويخلُدون إلى الراحة والكسل، ويؤثرون التعامل بالربا مع الراحة الجسمية عن الاشتغال بالزراعة أو الصناعة أو التجارة أو غيرها مما يحتاج إلى تعب وعناء؛ فتتعطل أيدٍ كثيرة من الأيدي التي يجب أن تعمل، كما أنه يوجِد هُوَّةً عميقةً بين طبقات الأمة بتحويل مجرى الثروة إلى جهة واحدة، هي جهة أصحاب الأموال ومحاباة رأس المال أو الانحياز معه على حساب العاملين الكادحين، وفى هذا يقول القرآن الكريم: (كي لا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم.)
وفى ذلك كما رأينا ما فيه من مفاسد اجتماعية واقتصادية، واختلال في توازن المجتمع، فتحريمه والنهي عنه تشريع حكيم له أثره البالغ فى اقتصاد الأمة ومعاشها، يقول الله تعالى🙁يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)، ويقول سبحانه: (يمحق الله الربا ويُربي الصدقات)، ويقول عز وجل: (فإن لم تفعلوا فَأْذَنُوا بحرب من الله ورسوله)، وعن جابر رضي الله عنه قال: “لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء“.
وإن المجتمع الذي يدين بالإسلام؛ فيتذكر دائما قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة)، وقوله عز وجل: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقةا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون) إلى أمثال هذه الآيات التي تحث على الإنفاق، وعلى فعل الخير لوجه الله تعالى لهو المجتمع الفاضل الذي تنشده الإنسانية، والذي أرسى قواعده محمد صلوات الله عليه وسلامه.
4- الميراث:
شرع الإسلام للميراث نظاما حكيما يقضي بتقسيم تركة المتوفى بين عدد من أفراد أسرته؛ ليحول بذلك دون تضخم الثروات وتجمعها في أيدٍ قليلة، فأين من هذا النظام الإسلامي الحكيم تلك النظم التي يقضي بعضها بانتقال جميع ثروة المتوفى إلى ابنه الأكبر، أو يدع بعضُها المالكَ حرا في أن يوصي بتركته لمن يشاء؛ فتجتمع من جرَّاء ذلك ثرواتٌ ضخمة في أيدي نفر قليل من الناس، مما يثير حفيظة الفقراء في المجتمعات التي تخضع لهذه النظم، ويسبب انتشار المذاهب المتطرفة.
5- قانون من أين لك هذا:
وهو قانون اقتصادي عظيم، ومبدأ خلقي جليل، وأصل إسلامي صميم طبقه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض عماله على الصدقات حين رأى أنه استغل عمله لجمع مال لنفسه فأخذه منه، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: “استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا، ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي؛ فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقه إلا جاء اللهَ يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه إلى السماء حتى رُؤِيَ بياض إبطيه وهو يقول: ألا هل بلغت؟“. (رواه البخاري ومسلم.)
وقد مضى على تطبيقه في حزم وصرامة عمر بن الخطاب، فكان يراقب عماله وولاته؛ فلا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى لا ينحرفوا فيستغلوا مناصبهم في الاستكثار من الثروات الشخصية، وله في ذلك التصرفات الحازمة الحكيمة التي ازدانت بها سيرته.
6- الأراضي التي فتحت عنوة:
كان لعمر رضي الله عنه رأي سديد في شأن الأراضي التى فتحت على المسلمين، وكان لرأيه هذا أثر عظيم في اقتصاد الدولة الإسلامية، من حيث الإنتاج والتوزيع – وهما جوهر الاقتصاد كما هو معروف – ذلك أنه حينما فتح الله على المسلمين العراق والشام، وغيرهما من الأقاليم الواسعة رأى عمر رضوان الله عليه ألا تقسم هذه الأراضي المفتوحة بين الغانمين، ولكن تترك لأهلها مع وضع الخراج عليها لينفق منه على مصالح المسلمين على الدوام، ووافقه على رأيه هذا بعض الصحابة، وعلى رأسهم عثمان وعليّ وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم، وعارضه بعضهم، وكان أشدهم عليه فى ذلك الزيير بن العوام وبلال بن رباح وسلمان الفارسي، فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا فيما بينهم، فعمد إلى تحكيم عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج؛ رغبة منه في أن يشتركوا معه في الأمانة التي حملها، فأعطى المحكمون رأيهم لعمر بعد أن استمعوا إلى رأي كل فريق من الطرفين، وكل ذلك إلهاما من الله وتوفيقا لعمر، وفيه كانت الخيرة والمصلحة الراجحة للمسلمين، وعموم النفع لجماعتهم.
7- النقود:
كذلك لم يفت الإسلام أن يُعنَى بأمر النقود؛ لأثرها المهم في معاملات الناس بعضهم مع بعض، فنرى أنه قد عني بضبطها وتحديد قيمتها حتى لايكون هناك سبيل إلى التلاعب بها، والفوضى في تداولها.
روى البلاذُرِي أن دراهم الأعاجم كانت ما العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فجمع ذلك فَوُجِدَ واحدا وعشرين مثقالا، فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل فضربوا دراهم وزن سبعة مثاقيل. (أبو زيد شلبي، تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ص47 – 53 بتصرف.)
المصدر : هدي الاسلام