بيان القرآن

الأحد 15 ذوالحجة1434 الموافق20 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. محمد حسان الطيان 

نزل القرآن على أمة ما كانت تقدر شيئا تقديرها للكلمة، ولا كانت تحسن شيئا إحسانها للبيان، حتى قيل في حقها: إنها أمة سجدت للبيان قبل سجودها للأوثان، وحقا ما قيل وعدلا، فقد سمعنا بمن استخفَّ منهم بالأوثان، لكنا لم نسمع أبدا بأحد منهم استخفَّ بالبيان، ألم يأتك نبأ بني حنيفة أولئك الذين اتخذوا رباً من تمر فلما جاعوا أكلوه فقال الشاعر في حقهم:

 

أكلت حنيفة ربها 

زمن التقَحُّمِ والمجاعَهْ 

 

على حين أولت العرب شعر شعرائها كل العناية والرعاية فأقامت له أسواقا ومهرجانات، واحتفت بالنابغين والنابهين فيه، واصطفت أجمله وأروعه ليكتب بماء الذهب ويعلق في أستار الكعبة، ويطلق عليه من الأسماء والألقاب ما يليق بمنزلته وشرف مكانته كالمعلقات والمسمَّطات والمذهبات والمشهورات.

 

ثم ماذا كان؟

لقد نزل القرآن، نزل على أمة البيان، فلامس أسماعها ببيان لا أحلى ولا أعذب ولا أجمل ولا أروع منه! بيان يمتزج بأجزاء النفس لطافةً….وبالهواء رقةً…وبالماء عذوبةً..وبالنغم العلوي الأصيل إيقاعاً وجرساً. ما إن سمعوه حتى خالوه السحر يدِبُّ في أجسادهم.

اقرأ أيضا  مقدمة حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية

 

بيان سجدت له أسماعهم وأفئدتهم قبل جباههم ورؤوسهم، بيان حلَّق بهم في دنيا لا عهد لهم بها، بل في سماء لا تدانيها سماء، حتى قال قائلهم لما سمع أثارةً منه:

 

إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وما هو بقول بشر“.

 

وهو الوليد بن المغيرة لما سمع من رسولنا الكريم-صلى الله عليه وسلم- قوله جل وعلا:

﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .

 

إنه البيان الذي ما لبثت الجن حين سمعته أن قالت:

﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا .

اقرأ أيضا  مفهوم التغيير في القرآن الكريم

 

بل هو البيان الذي أفحم أهل البيان وتحداهم بقوله:

﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

 

فأذعنوا و انقادوا، وكان قصارى أمر الجاحدين منهم أن قالوا:

﴿ إنْ هذا إلا سحر يؤثر .

 

وذادو قومهم وغلمانهم عن سماعه خشية أن يتأثروا به:

﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تغلبون .

 

أما المؤمنون فتغنَّوا به، ورشفوا من رحيقه، و تضلعوا من منهله، وتعلموا من مأدبته “إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته“.

 

وأما أهل البيان واللسَن والفصاحة والشعر فقد هجر بعضهم لأجله شعره واستعاض عنه بكلام ربه، هذا لبيد بن عامر، وهو من فحول الشعراء، ومن أصحاب المعلقات، قيل إنه لم يقل في الإسلام إلا هذا البيت:

اقرأ أيضا  زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي

 

فَالحمدُ لِلّهِ إِذ لَم يأتِني أَجَلي 

حَتّى لَبِستُ مِنَ الإِسلامِ سِربالا

 

وفي هذا يقول شيخنا الشيخ صالح الفرفور:

 

أتيتَهُم بكتاب الله معجزة 

أخجَلتَ قُسّاً وسحباناً وحسانا 

 

ألقى لبيدُ عصاه حين أعجزه 

قولٌ بليغ بآيات لعُمرانا 

 

ولم تَجُد بَعدُ في شعر قريحَتُهُ 

شتَّانَ شعر وآيُ الله شتّانا 

 

ذاكَ البيانُ الذي تبقى عجائبه 

رغم الأنوفِ وإن شانوه بُهتانا

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.