القرآن والأحرف السبعة

الأحد،5جمادى الثانية1435 الموافق6نيسان/أبريل 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

د. عبدالعزيز رضوان

القرآن والأحرف السبعة

هذا القرآن الكريم المصدرُ الأساسي للشريعة والتشريع الإسلامي، ومصدر الإثراء للغة العربية في كل فنونها من بلاغة، وأدب، وسلامة للَّفظ والمعنى، وهو الحارس الأمين على فصاحتِها، تتعدد أساليبُه كما تعددت لغاته ولهجاته بتعدد لهجات ولغات القبائل العربية، كما هو واضح الآن في مجتمعنا العربي والإسلامي؛ ولذا كان إلحاح محمد – عليه الصلاة والسلام – على جبريل أن تراعى في القرآن حالةُ وألسنة كل القبائل العربية الفصيحة، فقال له: ((يا جبريل، إني أُرسلت إلى أمة أميَّةٍ، فاسأل الله أن يخفِّف عليها، فإن فيهم الشيخ الفاني…)) إلخ، فأوحى إليه أنِ اقرَأِ القرآن على سبعة أحرف، وقد ناقشنا سابقًا مفهوم السبعة في الحديث، وعرضنا لأقوى الآراء فيها، كما أوردنا أيضًا ضابط صحَّة القراءة وقبولها الذي وضعه ابن الجزري، وهو (صحة السند عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وموافقة العربية ولو بوجه، وموافقة خط مصحف الإمام ولو احتمالاً).

وفي هذا العدد نناقش الشرط الأخير وهو (موافقة خط مصحف الإمام ولو احتمالاً)، فنقول وبالله التوفيق:

قد يوافقُ اختلافُ القراءات الرسمَ تحقيقًا، نحو (تعلمون) بالتاء والياء، و(يغفر لكم) بالياء والنون، ونحو ذلك، مما يدل تجرُّده عن النقط والشكل في حذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة – رضي الله عنهم – في علم الهجاءِ خاصة، وفهم ثاقب في تحقيق كل علم، وانظر كيف كتبوا الصراط بالصاد المبدلة من السين، وعدلوا عن السين التي هي الأصل؛ لتكون قراءة السين – وإن خالفت الرسم من وجه – قد أتت على الأصل فيعتدلان، وتكون قراءةُ الإشمام محتملة، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك، وعدت قراءة غير السين مخالفةً للرسم والأصل؛ ولذلك اختلف في (بصطة) الأعراف دون (بسطة) البقرة؛ لكون حرف البقرة كتب بالسين والأعراف بالصاد، على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم، أو مبدل، أو ثابت، أو محذوف، أو نحو ذلك، لا يعدُّ مخالفًا إذا ثبتت القراءة به، ووردت مشهورة مستفاضة.

وبناءً عليه لم يعدُّوا إثبات ياء الزوائد وحذف ياءتسألنيفي الكهف، وواو (وأكون من الصالحين)، والظاء من (بظنين) ونحوه، من مخالفةِ الرسم المردودة، فإن الخلاف في ذلك مغتَفَرٌ؛ إذ هو قريبٌ يرجع إلى معنى واحد، وتجيزه صحة القراءة وشهرتها وتلقِّيها بالقَبول، بخلافِ زيادة كلمة ونقصانها، وتقديمها وتأخيرها، حتى ولو كانت حرفًا واحدًا من حروف المعاني، فإن حكمَه في حكمِ الكلمة؛ لا يسوغ مخالفة الرسم فيه، وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة الرسم ومخالفته.

 

قال ابن الجزري:

وقولناوصح سندها؛ نعني به أن يروي تلك القراءةَ العدلُ الضابط عن مثله، وهكذا حتى ينتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذَّ بها بعضهم.

 

قال: وقد شرط بعضُ المتأخرين التواترَ في هذا الركن، ولم يكتفِ بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، قال: وهذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وجب قبولُه وقُطع بكونه قرآنًا، سواء وافق الرسم أم لا.

 

وإذا شرطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف، انتفى كثيرٌ من أحرف الخلافات الثابتة من السبعة.

 

وقد قال أبو شامه (النشر 6):

شاع على ألسنةِ جماعةٍ من المقرئين المتأخرين – وغيرهم من المقلدين – أن السبع كلَّها متواترة؛ أي: لكل فرد فرد فيما روى عنهم، قالوا: والقطع بأنها منزَّلة من عند الله واجب.

 

قال السيوطي:

ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقلِه عنهم الطرق، واتفقت عليه الفِرَق من غير نكير له، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتَّفِق التواتر في بعضها.

 

وقال الجعبري:

الشرط واحد، وهو صحة النقل، ويلزم الآخران، فمَن أحكم معرفة حال النقَلَة، وأمعن في العربية، وأتقن الرسم، انجلت له هذه الشبهة.

 

وقال مكي (النشر 9): ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام:

1- قسم يُقرَأ به ويكفُرُ جاحده، وهو ما نقله الثقات، ووافق العربية وخط المصحف.

 

2- وقسم صحَّ نقله عن الآحاد، وصح في العربية، وخالف لفظُه الخطَّ، فيُقبل ولا يُقرأ به؛ لأمرين:

أ– مخالفته لما أجمع عليه.

ب– وأنه لم يأتِ بإجماع، بل بخبر الآحاد.

 

وهذا لا يثبت به قرآن، ولا يكفر جاحده، ولبئس ما صنع إذ جحده.

 

3- وقسم نقله ثقةٌ، ولا حجة له في العربية، أو نقله غير ثقة، فلا يقبل وإن وافق الخط.

 

وقد مثَّل ابن الجزري للأقسام الثلاثة، فقال:

مثال الأول كثيرٌ: كمالِك ومَلِك، ويخدَعُون ويُخادِعُون.

 

ومثال الثانيقراءة ابن مسعود وأبي الدرداء (والذكر والأنثى)، وقراءة ابن عباس (وكان أمامَهم ملِك يأخذ كل سفينة صالحةٍ)، ونحو ذلك فيما ثبت برواية الثقات.

 

قال: واختلف العلماء في القراءة بذلك، والأكثر على المنع؛ لأنها لم تتواتر، وإن ثبتت بالنقل، فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني.

 

قال (النشر 8):

ومثال القسم الثالثما نقله غيرُ ثقة كثيرٌ مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف؛ كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما في قوله – تعالى -: ﴿ نُنَجِّيك ببدنك : نُنَحِّيك بالحاء المهملة، وقوله – تعالى -: ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس: 92] بفتح سكون اللام، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة التي جمعها أبو الفضل، ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي؛ ومنها: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء، وقرر الدارقطني وجماعة أن هذا الكتاب موضوعٌ لا أصل له.

 

ومثال ما نقله ثقةٌ ولا وجه له في العربية، ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط، وهو قليل لا يكاد يوجد، وقد جعل بعضُهم منه رواية خارجة عن نافع (معائش) بالهمزة.

اقرأ أيضا  نبأ القرآن

 

وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء (أدريَ أقريب) مع إثبات الهمزة، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب.

 

وما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمرو (سحرَانِ تَظَّاهَرَا) بتشديد الظاء، والنظر في ذلك لا يخفى.

 

وبقى قسم رابع مردود أيضًا، وهو ما وافق العربية والرسم، ولم ينقل ألبتة، فهذا ردُّه أحق، ومنعه أشد، ومرتكبُه مرتكبٌ لعظيم من الكبائر؛ لأنه مَن قال به ابتدع بدعة ضلَّ بها عن قصد السبيل.

 

وقد ذُكِر جوازُ ذلك عن أبي بكر بن مقسم، وعُقِد له بسبب ذلك مجلسٌ، وأجمعوا على منعه، ومن ثَمَّ امتنعت القراءة بالقياس المطلق الذي لا أصل له يرجع إليه، ولا ركن يعتمد في الأداء عليه، قال: أما ما له أصل كذلك، فإنه مما يصار إلى قبول القياس عليه؛ كقياس إدغام (قال رجلان) على (قال رب)، ونحوه مما لا يخالف نصًّا، ولا يرد إجماعًا، مع أنه قليل جدًّا.

 

قال السيوطي (الإتقان 1: 77)، قلت: أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدًّا، وقد تحرر لي منه أن القراءات أنواع:

• الأولالمتواتر: وهو ما نقله جمعٌ لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه، وغالب القراءات كذلك.

 

• الثانيالمشهور: وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة المتواتر، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراء، فلم يعدُّوه من الغلط ولا من الشذوذ، ويقرأ به على ما ذكره ابن الجزري، ويُفهِمه كلامُ أبي شامة السابق، ومثالُه ما اختلف الطرق في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض، وأمثلة ذلك كثيرة في فرش الحروف من كتب القراءات كالذي قبله.

 

ومن أشهر ما صنف في ذلك (التيسير للداني)، و(قصيدة الشاطبي)، و(أوعية النشر في القراءات العشر)، و(تقريب النشر)؛ كلاهما لابن الجزري.

 

• الثالثالآحاد: وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، ولا يقرأ به، وقد عقد الترمذي في جامعه، والحاكم في مستدركه لذلك بابًا أخرجَا فيه شيئًا كثيرًا صحيح الإسناد.

 

ومن ذلك ما أخرجه الحاكم عن طريق عاصم الجحدري عن أبي بكرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قرأ: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [الرحمن: 76]: (عباقري).

 

وأخرج من حديث أبي هريرة أنه – صلى الله عليه وسلم – قرأ: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17]: (قرات).

 

وأخرج عن ابن عباس أنه – صلى الله عليه وسلم – قرأ: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 128]؛ بفتح الفاء.

 

وأخرج عن عائشة أنه – صلى الله عليه وسلم – قرأ: ﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ [الواقعة: 89]؛ يعني بضم الراء.

 

• الرابعالشاذ: وهو ما لم يصح سنده، وفيه كتب مؤلَّفة؛ ومن ذلك قراءة: {مَالِكِي يَوْمَ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] بصيغة الجمع، ونصب يوم، و{إِيَّاكَ يُعْبَدُ} [الفاتحة: 5] ببنائه للمفعول.

 

• الخامسالموضوع: كقراءاتِ الخزاعي (ولم يذكر لها أمثلة).

 

• السادسقال: وظهر لي سادسٌ يشبه من أنواع الحديث المدرَج، هو ما زيد في القراءات على وجه التفسير؛ كقراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت – من أم)؛ أخرجها سعيد بن منصور.

 

وقراءة ابن عباس: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198]، “في مواسم الحج”؛ أخرجها البخاري.

 

وقراءة ابن الزبير: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104]، “يستعينون بالله على ما أصابهم”، قال عمرو: فما أدري أكانت قراءته أم فسر؛ أخرجه سعيد بن منصور، وأخرجه ابن الأنباري وجزم بأنه تفسير.

 

وأخرج عن الحسن أنه كان يقرأ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا  [مريم: 71]، (الورود الدخول)، قال ابن الأنباري: قوله: “الورود الدخول” تفسيرٌ من الحسن لمعنى الورود، وغلط بعض الرواة فأدخله في القرآن.

 

وتعقيبًا على النوع السادس قال ابن الجزري في آخر كلامه: وربما كانوا يُدخِلون التفسير في القراءات إيضاحًا وبيانًا؛ لأنهم محقِّقون لما تلقَّوه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قرآنًا، فهم آمنون من الالتباس، ثم قال: وربما كان بعضهم يكتبه معه.

 

وقال: وأما مَن يقول: إن بعض الصحابة كان يجيز القراءة بالمعنى، فقد كذب، وسأفرد في هذا النوع (أعني المدرج) تأليفًا مستقلاًّ.

 

 فائدة اختلاف القراءات:

يقول ابن الجزري (النشر 26): أما فائدة اختلاف القراءات وتنوُّعها، فإن في ذلك فوائد:

1- منها: ما في ذلك من عظيم البرهان وواضح الدلالة؛ إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرَّق إليه تضادٌّ ولا تناقضٌ ولا تخالف، بل كله يصدِّق بعضُه بعضًا، ويبين بعضه بعضًا، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد، وما ذلك إلا حكمة بالغة وبرهان قاطع على صدق ما جاء به – صلى الله عليه وسلم.

 

2- ومنها سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة؛ إذ هو على هذه الصيغة والبلاغة والوجازة، فإن مَن يحفظ كلمة منه ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقَبوله من حفظ جمل من الكلام تؤدي إلى معاني تلك القراءات المختلفات، لا سيما فيما كان خطه واحدًا، فإن ذلك أسهل حفظًا، وأيسر لفظًا.

 

3- ومنها: إعظام أجر هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلُغوا قصدَهم في تتبُّع معاني ذلك، واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ واستخراج كمين أسراره.

 

4- ومنها: بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم من حيث تلقِّيهم كتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن ألفاظه لفظه لفظة، والكشف عن صيغه صيغة صيغة، وبيان صوابه وتحرير تصحيحه.

اقرأ أيضا  القرآنيون يتساءلون: ما حاجتنا مع القرآن إلى مصادر أخرى؟

 

5- ومنها: ظهور سر الله – تعالى – في تولِّيه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأرقى البيان والتمييز، فإن الله – تعالى – لم يُخلِ عصرًا من الأعصار ولا قطرًا من الأقطار من إمامٍ حجةٍ قائم بنقل كتاب الله – تعالى – وإتقان حروفه ورواياته، وتصحيح وجوهه وقراءاته، يكون وجوده سببًا لوجود هذا السبب القويم على مر الدهور، وبقاؤه دليلاً على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور.

 

قلتُوقد يستفاد من قراءةٍ بعينِها استنباط حكم شرعي أو لغوي سائر الوقت ويحفظ التراث، ولولا ذلك ما وصلت إلينا دقائق اللغة وأصولها وتعدُّد لهجاتها، ولَمَا نهض النحو واستوفى أركانَه بهذه الصورة التي نراها.

 

كذلك: فإن هذه القراءات وتنوُّعها مع اتفاقها في المعنى كاملاً أو مقاربة، كانت هي قمةَ الإعجاز للمشركين، فوقَ أنها المنهل الذي لا ينضبُ لكل قبيلة ولسان، فلم تبقَ قبيلةٌ أو لهجة تنطقُ لغة الضاد سليمةً إلا ووجدت لسانَها فيه، ولهجتَها بين طيَّاته.

 

• لمَّا نزل القرآن عُنِي المسلمون عامَّة بحفظه وتتبع آياته المنزَّلة على محمد – صلى الله عليه وسلم – أولاً بأوَّلٍ؛ ولذلك كان رسوخُه في قلوبهم شديدًا، فأثار هذه القلوب؛ فعمِلَت بما حفظت، ووعت ما قرأت، فكان لها نورًا من الله وهداية، وقد اشتهر جماعةٌ من الصحابة بإقراء القرآن والأخذ عنه؛ ومن هؤلاء:

1- عثمان بن عفان – رضي الله عنه – الخليفةُ الثالث، ذو النورينِ، وصاحب المصحف الإمام، والذي أخذ على عاتقه توحيدَ المصاحف وكتابتها، وأرسل لكل مصر مصحفًا، واستبقى لنفسه واحدًا سمِّي (بمصحف الإمام)؛ راجع ترجمته في المعارف لابن قتيبة 191 – 202.

 

2- علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأخوه في الإسلام، وزوج ابنته فاطمة، والخليفة الرابع؛ راجع ترجمته في المعارف 203 – 218.

 

3- زيد بن ثابت بن الضحاك من الأنصار – رضي الله عنه – كان آخر مَن عرَض رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – القرآنَ على مصحفه، وهو أقرب المصاحف من مصحفنا، وقد انتهت إليه الرئاسة في القرآن، واشترك في جمعه وكتابته، وأخذ عنه ابن عباس؛ المعارف 260.

 

4- أُبي بن كعب – رضي الله عنه – من الأنصار، كانت له قراءة، وكان يكتب في الجاهلية، كما كان كثير الحفظ دقيقًا، وكان له مصحف، وكان ضمن جامعي القرآن، قال عمر – رضي الله عنه – لما مات أُبَي: اليوم مات سيِّد المسلمين، وقرأ عليه أبو هريرة، وابن عباس، وعبدالله بن السائب؛ المعارف 261.

 

5- عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – من (هذيل)، كان له مصحف وقراءة، وأخذ عنه ابن عباس وعبدالله بن السائب أيضًا؛ المعارف 249 – 251.

 

6- أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – كان حَسَنَ الصوتِ، وكان يُحبَّب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يسمع منه القرآن.

 

(2) الآخذون القرآن عن السابقين:

وقد أخذ عن هؤلاء السابقين جمعٌ من التابعين، كل حسب موطن إقامته:

• بالمدينة: ابن المسيب – عروة – سالم – عمر بن عبدالعزيز – سليمان وعطاء ابنا يسار – معاذ بن الحارث (المعروف بمعاذ القارئ) – عبدالرحمن بن هرمز الأعرج (الطبقة الأولى البصرية في النحو) – ابن شهاب الزهري – مسلم بن جندب – زيد بن أسلم.

 

• بمكة: عُبيد بن عمير – عطاء بن أبي رباح – طاوس – مجاهد – عكرمة – ابن أبي مليكة – ابن كثير – وابن مُحَيْصن.

 

• بالبصرة: أبو العالية – أبو رجاء نصر بن عاصم – ويحيى بن يعمر (الطبقة الأولى البصرية) – الحسن – ابن سيرين – قتادة.

 

• بالكوفة: علقمة – الأسود – مسروق – عمرو بن شرحبيل – الحارث بن قيس – الربيع بن خثيم – عمرو بن ميمون – أبو عبدالرحمن السُّلَمي – زِر بن حبيش – عبيد بن نضيلة – سعيد بن جبير – النخعي – الشعبي.

 

• بالشام: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان – خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء.

 

(3) المتجرِّدون لضبط القراءات:

وقد تجرَّد جماعةٌ لضبط القراءات حتى صاروا أئمةً يحتذون، ويُرحَل إليهم للأخذ عنهم أو التصحيح عليهم، وذلك أيضًا بحسب الموطن؛ وهم:

• بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، أحد القراء الثلاثة متمِّمي العشرة – نافع بن أبي نعيم الذي صار صاحب مذهب وقراءة (أحد القراء السبعة) – شيبة بن نصاح.

 

• بمكة: عبدالله بن كثير (أحد القراء السبعة)، حميد بن قيس الأعرج – محمد بن مُحَيْصن.

 

• بالكوفة: يحيى بن وثَّاب – وعاصم بن أبي النَّجود – سليمان الأعمش – حمزة والكسائي (من القراء السبعة).

 

• بالبصرة: عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي – عيسى بن عمر – أبو عمرو بن العلاء (أحد القراء السبعة) والثلاثة من الطبقة الثانية البصرية – عاصم الجحدري – يعقوب الحضرمي أحد الثلاثة متمِّمي العشرة.

 

• بالشام: عبدالله بن عامر (أحد القراء السبعة)، عطية بن قيس الكلابي – إسماعيل بن عبدالله بن المهاجر – يحيى بن الحارث الذماري – شريح بن يزيد الحضرمي.

 

(4) القراء السبعة:

القراءات ظلت غير متميزة حتى القرن الرابع الهجري، حينما جمعها أبو بكر بن مجاهد (هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، شيخ القراء في بغداد، ولا يعلم أحد من القراءات أكثر منه، توفِّي سنة 324 هـ؛ (طبقات القراء 1 : 139)، غير أنه لم يكن متَّسِع الرواية والرحلة كغيره من العلماء، والمراد بالقراءات السبع المنقولة عن الأئمة السبعة الذين تميَّز كل واحد منهم بقراءة بعينها، وأصبحوا يعرفون بها؛ وهم:

1- عبدالله بن كثير بن المطلب المكي القرشي، كذلك رفع نسبَه الداني، وزعم أنه تبع في ذلك البخاري، والبخاري إنما ذكر عبدالله بن كثير بن المطلب القرشي من بني عبدالدار، فنقله إلى القارئ، ولم يتجاوز أحدٌ كثيرًا إلا هو، أخذ القراءة عرضًا عن: عبدالله بن السائب فيما قطع به الحافظ أبو عمرو الداني وغيره، وعرض قراءاتِه على مجاهد بن جبر، ومولاهم أبو سعيد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو بكر، وقيل: أبو الصلت، ويقال له: الداري؛ نسبة إلى عبدالدار – وهو من التابعين، سمع عبدالله بن الزبير وغيرَه، وتوفي سنة عشرين ومائة، وقد نقل البخاري عن أصحابهما عنه؛ (طبقات القراء 2 : 330 – 334، والنشر 27 وما بعدها).

اقرأ أيضا  معنى نزول القرآن على سبعة أحرف

 

2- نافع بن عبدالرحمن بن أبي نُعَيم مولى جعونة بن شعوب الليثي: هو مدني أصله من أصبهان، كنيته أبو رويم – وقيل: أبو الحصن – وقيل: أبو عبدالرحمن، وقيل: أبو عبدالله، توفي بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، وقيل: سبعين، وقيل: سبع وستين، وقيل: خمسين، وقيل: سبع وخمسين، وقد أخذ عن سبعين من التابعين؛ منهم: أبو جعفر، وابن كثير، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، كما أخذ عن عبدالله بن السائب الصحابي، وأخذ عنه قالون وورش؛ (طبقات القراء. 330 – 334 والمعارف 528).

 

3- عبدالله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي الدمشقي: قاضي دمشق، وهو من كبار التابعين، ولد في أول سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة ومائة، وقيل: ولد سنة ثمانٍ من الهجرة، ومات وهو ابن مائة وعشر سنين، وفي كنيته سبعة أقوال، أصحها: أبو عمرو، وقيل: أبو محمد، وأبو عبدالله، وأبو موسى، وأبو نعيم، وأبو عثمان، وأبو مغيث.

 

وقد أخذ عن أبي الدرداء، وعن المغيرة بن أبي شهاب صاحب عثمان، وقيل: عرض على عثمان نفسه وأصحاب عثمان، وأخذ عنه هشام وابن ذكوان عن أصحابه عنه؛ (طبقات القراء 1 : 423 – 425 المعارف 531).

 

4- أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن عبدالله البصري: قيل: اسمه زبان، وقيل: يحيى، وقيل: عثمان، وقيل: محبوب، وقيل: اسمه كنيته، توفي بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة، وقرأ على ابن كثير وغيره.

 

وقد أخذ القراءة عن التابعين، وأخذ عنه الدوري والسوسي عن اليزيد عنه، وهو زبان بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبدالله بن الحسن بن الحارث بن جلهمة بن حجر بن خزاعي.

 

قرأ على: الحسن بن أبي الحسن البصري، وحميد بن قيس الأعرج، وأبي العالية بن مِهران الرياحي، وسعيد بن جبير؛ (طبقات القراء 1 : 288 – 392 معارف 531).

 

5- عاصم بن أبي النَّجود – بفتح النون – أبو بكر الأسدي الكوفي: توفي بالكوفة سنة سبع، وقيل: ثمانٍ وعشرين ومائة، قال سفيان وأحمد بن حنبل وغيرهما: بهدلة هو النجود، وقال عمرو بن علي: بهدلة أمه، قال أبو بكر بن داود: هذا خطأ، وقال عبدالله بن أحمد: أنا أختار قراءة عاصم.

 

وقد أخذ القراءة عن التابعين، وأخذ عنه أبو بكر بن عيَّاش وحَفْص.

 

قال: قرأتُ على أنس بن مالك: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]، فقال: ألاَّ يطوَّف بهما، قال: فرددتُ، فرد عليَّ مرارًا.

 

أخذ القراءة عرضًا عن زر بن حبيش؛ (طبقات القراء. 1 : 346 – 249 والمعارف 530).

 

6- حمزة بن حبيب بن عمار بن إسماعيل الزيَّات التيمي، مولاهم، الكوفي أبو عمارة: توفي بحلوان سنة ثمانٍ، وقيل: ست وخمسين ومائة.

 

أخذ القراءة عن عاصم، والأعمش، والسَّبِيعي، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم، وأخذ عنه خَلَفٌ وخلاَّد عن سليم عنه، ولد سنة ثمانين، وأدرك الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأى بعضهم، أخذ القراءة عن سليمان الأعمش، وحمران بن أعين أبي إسحاق السَّبيعي؛ (طبقات القراء 1 : 261 – 263 المعارف 529).

 

7- الكسائي علي بن حمزة الأسدي مولاهم، الكوفي: توفِّي سنة تسع وثمانين ومائة، كان يقرأ على حمزة، قال مكي: وإنما ألحق بالسبعة في أيام المأمون، وإنما كان السابع يعقوب الحضرمي، فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة، أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب.

 

وقد أخذ القراءة عن حمزة وأبي بكر بن عياش، وأخذ عنه الدوري وأبو الحارث، علي بن حمزة بن عبدالله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم، وهو من أولاد الفرس من سواد العراق.

 

أخذ القراءة عرضًا عن: حمزة أربع مرات، وعليه اعتمد، وعيسى بن عمر الهمداني، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وإسماعيل ويعقوب بن جعفر عن نافع؛ (طبقات القراء 1 : 535 – 540).

 

وبعد السبعة يأتي القراء الثلاثة متمِّمو العشرة؛ وهم:

1- أبو جعفر يزيد بن القعقاع من روايتي عيسى بن وَرْدَان، وسليمان بن جَمَّاز عنه.

 

2- يعقوب بن إسحاق الخضرمي من روايتَي رُويس ورَوح عنه.

 

3- خلف بن هشام البزَّار من روايتي إسحاق الورَّاق، وإدريس الحداد عنه، وبعدهم يأتي القراء الأربعة متمِّمو الأربعة عشر، وهم:

1- ابن مُحَيصن محمد بن عبدالرحمن المكي من روايتي البزِّي السابق، وأبي الحسن شنبوذ.

2- اليزيدي يحيى بن المبارك من روايتي سليمان بن الحكم وأحمد بن فرح.

3- الحسن البصري من روايتي شجاع بن أبي نصر البلخي والدُّوري.

4- الأعمش سليمان بن مِهران من روايتي الحسن بن سعيد المطوعي وأبي الفرج الشنبوذي الشطوي.

 

وارجع إلى ما قاله ابن الجزري مفصلاً عن هؤلاء القراء جميعًا في كتابه النشر، وكتاب إتحاف فضلاء البشر.

 

واللهَ نسألُ أن ينفعَنا بالقرآن وأهله، وأن يوفِّقنا دائمًا إلى أن نكون من حماتِه وحفظته العاملين بما علموا، وأن يجعله لنا نورًا في دنيانا وقبورنا ومحشرنا، إنه نعم المولى ونعم النصير.

المصدر : الألوكة 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.