دليل الصحة النفسية في القرآن

الأحد،18ربيع الثاني1436//8فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
شارحات الصّدر، وبواعث الرّجاء، ونفحات الأمل في القرآن الكريم كثيرة، نتلمّس هنا أبرزها أو بعض مصاديقها:
1- قانون المداولة:

قال تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).

التطبيق الحياتي: نداولها: نُصرِّفها، ونحوِّلها. والمعنى: نُصرِّفها مرّة لفرقة أو جماعة ومرّة عليها، ومداولة الأيّام تعاقب الشِّدّة والرّخاء، والهزيمة والنصر، والضراء والسّراء، فليس هناك شيء ثابت. فإذا مسّك شيء من السوء أو البلاء، فاعرف أنّه ليس بدائم.

فالنبي أيّوب (ع) عاشَ في الرّخاء، ثمّ عاش في البلاء، ثمّ عاش في الرّخاء، فداومُ الحال من المحال، وهي في تبدّل مستمر، فلا ييأس المهزوم من النصر، بل يبقى يُلاحق الأسباب التي تؤدِّي إليه، ممّا يعني مواجهة المستقبل بروحٍ متفائلة.

إنّ سنّة التحوّل في الدنيا هي سنّة التكامل والتوازن والتجدّد، ومعرفة حقائق الناس.

2- قانون النّجاة:

قال تعالى في قصّة يونس (ع): (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88).

التطبيق الحياتي: إحساس يونس (ع) بأن لا منجي له من بطن الحوت إلا الله، هو الذي منحه النجاة؛ لأنّه ثقة واعتماد وحسن ظنّ بمَن بيده كل شيء، وأيّة ثقة وحسن ظنّ بالله قائدة إلى النجاة كما فعل تعالى مع يونس (ع)، لقوله سبحانه: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله سبحانه: (كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 103).
فأيّما مؤمن عاشرَ الإيمان في روحيّته وفكره وحياته ديناً وموقفاً للحياة، وأخلص لله العبادة، فهو مشمول بقانون النّجاة من البلاء، ومفتوحة له أبواب الرّحمة على أوسع الآفاق.

قانون النجاة هذا يُقابله قانون مماثل يصبّ في نفس الإتِّجاه، وهو قانون (الخروج من المأزق)، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3).

فالسّير على خطِّ الإيمان بالله واليوم الآخر يجعلك محبوباً عند الله، وإذا أحبّ الله عبداً، سهّل له المخرج من المضائق والمآزق والمواقف الصعبة، فحيث لا مخرَج تكون رحمة الله هي المخرج والمنفَذ والسعة. ففي ذهنية الإنسان المرتبط بالله، ليس هناك شيء اسمه الطرق المسدودة؛ لأنّ قدرة الله ليست محدودة، وهي تدخل لصالح الإنسان الصالح لتنتشله من قلب اليأس لتضعه في قلب الأمل.

قال عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4).

3- غلبة اليُسْر على العُسْر:

قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 5-6).

التطبيق الحياتي: هذا امتنان إلهي آخر في أنّ العُسْر لا يدوم، بل يعقبه اليُسْر، في تأكيد مكرّر لهذه الحقيقة الحياتيّة، أي أنّ الحالات الصعبة والمعقّدة في الحياة لا دوام لها، بل أنّ (المعيّة) والاقتران في الآية تلفت الإنتباه إلى أنّ اليُسْر مرافق وملازم ومصاحب وقرين للعُسْر، تماماً كما أنّ الشمس تدورُ في وقتِ الظلام لتولد في صباح جديد.

ويرى أهل اللّغة أنّ (تعريف) العُسْر بأل التعريف، و(تنكير) اليُسْر، يعني أنّ هناك يُسْرَين بعد العُسْر، لبعث الراحة النفسيّة لدى العامل المُجهَد والمُعاني والمُكابِد في سبيل الله، يقول الشاعر:

إذا ضاقَت بِكَ الدُّنيا **** تأمّل في (ألَمْ نَشْرَحْ)

اقرأ أيضا  أهل القرآن

تَجِد يُسْرَينِ بَعْدَ العُسْرِ **** إن تأخذ بها تَفْرَح

4- أبواب الأمل المُشرعة:

قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر/ 53).

التطبيق الحياتي: هل من باب للأمل أوسع وأرحب للخاطئين من عباد الله، في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)، إنّه أشبه بالمطر النازل بعد جفافٍ شديدٍ تهتزّ له الأرض المجدية، فهذه الالتفاتة الروحية الحميمة في محو سيِّئات الماضي والتجاوز عنها، وفتح صفحة جديدة، تغمر الخاطئ بحنان ربّاني، فلا يتعقّد من ماضيه أو سجلّ أعماله الأسود، فما زالت الفرصة مُتاحة أمامه ليعود إلى الله الذي منحه عفواً عاماً عن ذنوبه ومعاصيه، وأحاطه باللّطف والعناية، وحقٌّ للمسلمين أن لا يفرحوا بشيء بعد الإسلام كما فرحوا بهذه الآية، بل إنّ جوّ الرحمة في الآية مفتوح على مصراعيه، فحتّى المُشرِك إذا تابَ من شركه، ورجع إلى توحيد الله، وجدَ أحضان الله مفتوحة لاستقباله والعفو عنه.

5- ربّنا بيدهِ كلُّ شيء:

قال تعالى: (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (البقرة/ 165).

وقال عزّ وجلّ: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران/ 26).

وقال جلّ وعلا: (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد/ 29).

التطبيق الحياتي: حينما تطرح الثِّقة بالله القادر على كلّ شيء، فإنّك بالضِّمن تستمدّ الحول والقوّة منه فلا تشعر بالحاجة إلى غيره: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5). فالله تعالى هو الذي يُعطيك القوّة وهو الذي يمنعها، وهو المهيمن بقوّته على كلِّ قوّة مهما طغت وتجبّرت وتكبّرت، وكلمة (جميعاً) تعني أن لا قوّة لغيره في قِبال قوّته، فهو الذي يمنحك أدوات القوّة لتستقوي بها، وإلا فلا حول ولا قوّة إلا به.

وكلمة (بيده) أي أنّ زمام كل شيء بيده، يرخي أو يُمسِك، يُسيِّر أو يُوقِف، فالقوّة بيده، والرِّزق بيده، والفضل بيده، والكون والإنسان ومقدّراتهما بيده، والرِّزق بيده، والفضل بيده، والكون والإنسان ومقدّراتهما بيده، فأيّ ضعف تشعر به وأنتَ في رحال القوّة العظمى، والخير المطلق، والفضل اللامتناهي، والغنى الذي لا غنى بعده؟
أنتَ في عناية مَن يكفل للحياة امتدادها من خيرات ونِعَم وتوفيقات ومخارج من الأزمات، فإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟!

قال عزّ وجلّ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزمر/ 36)، وقال جلّ جلاله: (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) (آل عمران/ 109).

إنّ هيمنته على الأمر كلّه تدفعنا إلى الالتجاء إلى حصنه، والاحتماء بكهفه، والارتباط الوثيق به؛ لأنّه مصدر القوّة والمالك للأمر في بدايته وفي نهايته.

6- وعدُ الله الصادق:

قال تعالى: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) (يس/ 52).

وقال عزّ وجلّ: (كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (مريم/ 61).

وقال سبحانه: (كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا) (المزمل/ 18).

وقال جلّ جلاله: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ) (الروم/ 6).

التطبيق الحياتي: شعورك الصادق والعميق في أنّ الله تعالى بيده كلّ شيء، وهو قادر على كلّ شيء، وأنّه إذا أراد شيئاً يقول له: كُن فيكون، يجعلك تطمئنّ اطمئناناً عالياً أنّ وعدَ الله حتمٌ مقضيّ، و(مفعول) و(لا يُخلف)، كلها تحمل دلالة الصدق في الوعد، فكم تأنس نفسك ويرتاح قلبك حينما يعدك أحدهم بشيء وأنتَ واثق بأنّه سَيَفي بما وعد، فلا يتردّد ولا يتراجع ولا يُخلف؛ لأنّ كلمته قاطعة ووعده مجرّب؟!

اقرأ أيضا  تفسير: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)

إنّ الذي يُخلف وعده إمّا أن يكون عاجزاً فيفشل في الوفاء بوعده، أو أنّه لا يجد ما يلزمه بالوعد فيتحلّل منه، أو أنّه يرى نفسه في الخيار له أن يَفي وله أن يخلف.
هذا في غير الله، أمّا الله لا يعجزه شيء والذي لا يُخلف وعده إطلاقاً؛ لأنّ وعد الحقّ والصِّدق، فإنّ ممّا يبعث الراحة النفسية في نفوس المؤمنين هو أنّ كل وعود الله آتية ومفعولة وصادقة وحتميّة.

7- ربّنا قريبٌ مُجيب:

قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186).

التطبيق الحياتي: الطريق إلى الله تعالى مفتوحة دائماً وعلى مدار الساعة، فليس بينك وبين الله حجاب سوى ذنوبك ومعاصيك، والمسألة لا تحتاج إلى طقوس معيّنة، فبمجرّد أن تفتح قلبك له بالتضرّع وطلب الحاجة، تجدهُ عند بابك ملبِّياً ومُجيباً.

إنّ المطالب التي يحملها دعاؤك، صغيرة كانت أم كبيرة، تضعها بين يدي الله، وأنت على ثقة أنّه قادر على تلبيتها؛ لأنّه المالك لحوائج السائلين، والعالِم بضمير الصامتين.

ولكلِّ مسألة عنده سمع حاضر وجواب عتيد، وأنّ مواعيده الصادقة وأياديه الفاضلة، وما دمتَ تشعر أنّ حاجاتك الصعبة هي في دائرة رحمة القادر على قضائها، والعالِم بما يُصلحك ويُفسِدك منها، فإنّ هذا بحدِّ ذاته سبيل للشعور بالأمن والطمأنينة والإستقرار والفرج.
إنّ سُبل الحياة مهما اتّسعت قد تضيق، ولذلك يبقى الباب المفتوح على السماء هو الأمل المرتجى بعد أن تظلمَّ الآفاق، وتُغلق النوافذ. وبذا يكون الدعاء معراجاً وانفتاحاً وامتداداً لتلقِّي المَدَد والفيض والروح والراحة.

8- الجزاء المضاعف الجزيل:
قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا) (الأنعام/ 160).

وقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف/ 10-13).

وقال جلّ جلاله: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 261).
التطبيق الحياتي: ثواب الحسنة الواحدة عند الله عشر أمثالها، فإذا عرفنا أنّ الإنسان بطبعه يحبّ الكسب والرِّبح والفائدة، فإنّ أقصى ما تُقدِّمه لك البنوك (المصارف) هو 10% كفائدة، أمّا العطاء هنا فالواحد بعشرة فالمئة بألف، أي أنّه فائدة مُغرية وربح كبير لا نظنّ عاقلاً يؤثر عليه ربحاً صغيراً أو محدوداً، فضلاً عن رضوان الله الذي هو مغنَم جسيم ولا تعدله كلّ الفوائد والأرباح مهما تضاعفت.

اقرأ أيضا  تفسير: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)

رُوي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) قوله: “يا سوأتاه لِمَن غلبت أحداتهُ عشراته”(1).

وقد حسب بعضهم المسألة بشكل حسابيّ، فقال، إنّ عملاً صالحاً واحداً يعدل في النتيجة ارتكاب عشرة أعمال منحرفة، فهل يعقل أن يرتكب الإنسان في مقابل كلّ عمل صالح عشرة أخطاء أو أكثر.

إنّ مَن يفعل ذلك ليس ضعيفاً في الحساب فحسب، بل لا يفهم فيه شيئاً.

وحجم الجزاء لا يتوقّف عند مكافأة الواحدة بعشرة، بل يصل في بعض المكافآت إلى الـ(700) مرّة وزيادة.

يقول تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 261).
وأمّا الصِّفة التجارية التي تشير إليها الآية من سورة الصفّ، فهي تُقدِّم الأرباح المعنويّة الدائمة والتي تفوق كل الحسابات المتصوّرة.

جاء في الدّعاء عن الإمام السجاد في كتابه المعروف بـ(الصّحيفة السجاديّة): “وأنتَ الذي زدتَ في السوم على نفسك لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتهم لك، وفوزهم بالوفادة عليك، والزيادة منك، فقُلتَ تبارك اسمكَ وتعاليت: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا…) (الأنعام/ 160)، وقُلتَ: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)، وقُلتَ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (البقرة/ 245)، وما أنزلتَ من نظائرهنّ في القرآن من تضاعيف الحسنات”(2).

9- تثبيت الفؤاد:

قال تعالى في أثر القصص القرآنيّة: (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود/ 120).

التطبيق الحياتي: إنّ أيّة قصّة تشبه في مضمونها العام ما يجري لكَ من أحداث، تُخفِّف عن كاهلك النفسي ما قد يُثقله، خاصّة وأنّ شخوص القصص الماضية هم بشر مثلك، وبالتالي فلست الوحيد الذي تتعرّض لما تتعرّض له، وكان يُقال بأنّ المصائب إذا عمّت هانت، وما دامت الأيامُ دولاً يوم لك ويوم عليك فطب نفساً إذاً.

تثبيت الفؤاد هو الغاية من قصص مرّت بأمثالك، فواجهوها إمّا بالعزم والصبر والتحدي فنجوا وفازوا، وإمّا بالإستسلام والإنكسار والهزيمة فخابوا وخسروا، أي أنّ القصص التي تُقدِّم لك دروسها زاداً يُضاف إلى رصيد تجاربك، هي فعلاً لـ(التسلية)، ولكن ليس التسلية بمعنى اللّهو وتمضية الوقت والإستمتاع الآنيّ، بل بمعنى إدخال الطمأنينة إلى النفس بأنّ ما تذوقه من كأس المعاناة هناك لمن سبقك إلى تذوّقه، فنجح مَن نجح وفشلَ مَن فشل، وما أكثر العِبَر وأقلّ المُعتبِر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تحف العقول، ص201.
(2) الدّعاء الخامس والأربعون.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.