العناية بصلة الرحم في الكتاب والسنة

السبت 24جمادى الثانية 1437// 2 أبريل/نيسان 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
العناية بصلة الرَّحِم في الكتاب والسنَّة
لصلة الرَّحِم عنايةٌ عظيمة وأهميَّة وأوليَّة في الذِّكر من بين سائر الأعمال الصالحة؛ يقول تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ [الأحزاب: 6].

وجعَل الله تعالى الوصيَّة بصلة الأرحام قرينةَ الوصيَّة بالتقوى؛ فقال تعالى:﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]؛ أي: اتَّقوا الله تعالى بفِعلِ طاعته وترْك معصيته، واتَّقوا الأرحامَ أنْ تقطَعُوها، ولكن صِلُوها وبرُّوها، كما قاله ابن عبَّاس وغير واحدٍ من السَّلَفِ.

فأمَر سبحانه بصلة الأرحام بعد أمرِه بالتقوى، مُنبِّهًا سبحانه على داعِيها وهو ما بين الناس من صلة النسب، وليدلَّ على أنَّ صلة الرَّحِم ابتِغاءَ وَجهِه أثرٌ من آثار التقوى المبارَكة، وعَلامةٌ من عَلامات تمكُّنها في القلوب، ودليلٌ على صِدق الإيمان؛ فأوصَلُ الناس لرَحِمِه أكمَلُهم إيمانًا بربِّه وأتقاهم له؛ ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أوصَلَ الناس لرَحِمِه وأتْقاهم له، ولذلك ذكَّرَتْه خديجة بذلك عند أوَّل نزول الوحي حين قال لخديجة وأخبرها الخبر: «إنِّي قد خَشِيتُ على نفسي»، فقالت: كلا، والله ما يُخزِيك الله أبدًا؛ إنَّك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتُعِين على نوائب الحق[1].

اقرأ أيضا  مخالفات كثيرة تقع فيها المرأة المسلمة

ولقد كانت الدعوة لصلة الرَّحِم من أوائل ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أوَّل بعثَتِه، كما في الصحيح من حديث أبي سُفيان مع هرقل حين سأَلَه هرقل قائِلاً: فماذا يأمُركم؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سيفان: قلت: يقول: اعبُدُوا الله ولا تُشرِكوا به شيئًا، واترُكوا ما يقول آباؤكم، ويأمُرنا بالصلاة والصدق والعَفاف والصِّلة[2].

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضِي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليَصِل رحمَه»[3]، فقد جعَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صِلَةَ الرَّحِم من واجِبات الإيمان وعَلاماته.

وقد رغَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلة الرَّحِم، وحَذَّرَ من قَطِيعتها بغايةٍ من البَيان والوُضوح، مُذكِّرًا بسُرعَة ظُهور آثار الصِّلَة أو القَطِيعة على الإنسان، وأنَّ ذلك من عاجِل الجَزاء؛ ففي سنن ابن ماجه عن عائشة رضِي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرَعُ الخير ثوابًا البرُّ وصِلَةُ الرَّحِم، وأسرَعُ الشر عقوبةً البغيُ وقطيعةُ الرَّحِم»[4].

اقرأ أيضا  أفضل قدوة وأعظم معلِّم

وأخرج الإمام أحمد بإسنادٍ رواته ثِقات والبزار عن سعيد بن زيد رضِي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «من أربى الربا الاستطالةُ في عِرضِ المسلم بغير حقٍّ، وإنَّ هذه الرَّحِم شِجنَةٌ من الرحمن؛ فمَن قطَعَها حرَّم الله عليه الجنَّة»[5].

وأخرج أبو يعلى بسندٍ جيِّد عن رجلٍ من خَثعَم قال: أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفرٍ من أصحابه فقلت: أنت الذي تزعُم أنَّك نبيٌّ؟! قال: «نعم»، قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «الإيمانُ بالله»، قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: «ثم صلة الرَّحِم»، قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أبغَضُ إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله»، قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: «قطيعة الأرحام»[6].

ففي الحديثِ التنبيهُ على أنَّ صلة الرَّحِم من أحبِّ الأعمال إلى الله؛ لأنها من آثار التوحيد؛ ولذلك قُرِنَتْ به في الذِّكر، وعلى أنَّ قطيعة الرَّحِم من عَلامات نقصِه؛ ولذلك ذُكِرَتْ بعد الشِّرك الذي هو أكبر الكبائر وأعظم الفَساد في الأرض.

ولذلك لَمَّا بيَّن صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح أنَّ صلة الرَّحِم شِجنَةٌ من الرحمن، وأنَّ مَن وصَلَها وصَلَه الله، ومَن قطَعَها قطَعَه الله، قال: «اقرؤوا إنْ شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]».

اقرأ أيضا  شرح الحديث الشريف - جامع الأحمدي : الرجاء .

وكفى بذلك بَيانًا لشأن صِلَةِ الرَّحِم، وتَنبِيهًا على مَنزِلتها من الدِّين، وحَثًّا على صِلَتِها، وتَنفِيرًا من قَطِيعتها، وتحذيرًا من عدم الاكتِراث بها، والله المستعان.

________________________________________
[1] أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160).
[2] جزء من حديث أخرجه البخاري (7).
[3] جزءٌ من حديثٍ أخرَجَه البخاري (6138).
[4]أخرجه ابن ماجه (4212)، وانظر: كنز العمال (45465، 45549).
[5] أخرجه أحمد في مسنده: (1 /190).
[6] أخرجه السيوطي في الدر المنثور (4 /56)، وانظر: مجمع الزوائد: (8 /151).
-الألوكة-