أبواب تحصيل الحسنات وتكفير السيئات

الثلاثاء 22 ذو الحجة 1436//6 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ أحمد الزومان
أبواب تحصيل الحسنات وتكفير السيئات
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
نحن في هذه الحياة بين تقصير في حق خالقنا وقوعا في الحرام وتركا للواجبات فنستحق بذلك العقوبة الأخروية وبين فعل للمأمور وتركا للمنهي تعبدا لله فنحصل على الثواب تفضلا من مولانا وسيدنا.

فكيف يتم تطهيرنا من التقصير في الدنيا وما هي الأعمال التي نثاب عليها؟ في هذا الخطبة أذكر أهم الوارد في هذا الباب سائلا الله أن يهبني وإياكم علما نافعا.

إخوتي: إذا حصل من أحدنا خلل في عبوديته ووقع فيما نهاه عنه ربه تبارك وتعالى طهر في الدنيا قبل أن يقدم على ربه فمن ذلك المصائب التي تصيب الواحد منا في النفس والمال ومن نحب فهي كفارة لنا مما نجترحه في حق خالقنا فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت (من يعمل سوءا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أو الشوكة يشاكها رواه مسلم (2574).

فالمصائب التي تصيبنا عموما ومنها الهموم والغموم كفارات فعن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حُزْن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه رواه البخاري (5642) ومسلم (2573) والحُزْن على أمر مضى والهم على أمر مقلق في المستقبل.

وظاهر النصوص الشرعية أنه بمجرد حصول المصيبة يحصل التكفير ولو لم يحصل الرضا بها.

عباد الله الناس متباينون في موقفهم من المصائب: قال الشيخ محمد بن عثيمين في الشرح الممتع (5/495) الناس إزاء المصيبة على درجات: الأولى: الشاكر. الثانية: الراضي. الثالثة: الصابر. الرابعة: الجازع.

اقرأ أيضا  افتراق الأمة والمخرج (خطبة)

أمَّا الجازع: فقد فعل محرماً، وتسخط من قضاء رب العالمين الذي بيده ملكوت السموات والأرض، له الملك يفعل ما يشاء.

وأمّا الصابر: فقد قام بالواجب، والصابر: هو الذي يتحمل المصيبة، أي يرى أنها مرة وشاقة، وصعبة، ويكره وقوعها، ولكنه يتحمل، ويحبس نفسه عن الشيء المحرم، وهذا واجب.

وأمّا الراضي: فهو الذي لا يهتم بهذه المصيبة، ويرى أنها من عند الله فيرضى رضاً تاماً، ولا يكون في قلبه تحسر أو ندم عليها؛ لأنه رضي رضاً تاماً، وحاله أعلى من حال الصابر.

ولهذا كان الرضا مستحباً، وليس بواجب. والشاكر: هو أن يشكر الله على هذه المصيبة. ولكن كيف يشكر الله على هذه المصيبة وهي مصيبة؟ والجواب: من وجهين:
الوجه الأول: أن ينظر إلى من أصيب بما هو أعظم، فيشكر الله على أنه لم يصب مثله، وعلى هذا جاء الحديث: «لا تنظروا إلى من هو فوقكم، وانظروا إلى من هو أسفل منكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»[1].

الوجه الثاني: أن يعلم أنه يحصل له بهذه المصيبة تكفير السيئات، ورفعة الدرجات إذا صبر، فما في الآخرة خير مما في الدنيا، فيشكر الله، وأيضاً أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، فيرجو أن يكون بها صالحاً، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة…. والشكر على المصيبة مستحب؛ لأنه فوق الرضا؛ لأن الشكر رضا وزيادة. أهـ.

إخوتي: مما نطهر به في الدنيا على ما اجترحناه الحدود الشرعية والتعزيرات فإذا وقع المسلم فيما يوجب الحد أو التعزير ثم أقيم عليه ذلك في الدنيا كان ذلك كفارة له من الذنب فلا يعاقب به في الآخرة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك “رواه البخاري (18) ومسلم (1709). وكما أنالحد والتعزير كفارة فكذلك التوبة النصوح كفارة فلا يستحب لمن وقع في معصية تتعلق بالخالق وقد ستره الله أن يكشف ستر الله ويرفع أمره إلى القضاء للتطهير بإقامة الحد أو التعزير عليه بل يستر على نفسه وتكفيه التوبة فلذا كره النبي صلى الله عليه وسلم إقرار ماعز والغامدية رضي الله عنهما بالزنا وإصرارهما على التطهير بالحد.

ومما يطهرنا في الدنيا من تقصيرنا في الواجبات نوافل العبادات فإذا حصل خلل في صلاة الفرض جبره نفل الصلاة وهكذا سائر العبادات لحديث أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ” رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره

اقرأ أيضا  لماذا الخوف من الإسلام؟

الخطبة الثانية
كما أن المصائب تكفر السيئات فهي ترفع الدرجات أيضا ففيها تكفير للسيئات ورفع للدرجات بسبب الثواب عليها فعن الأسود بن يزيد النخعي قال دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها وهي بمنى وهم يضحكون فقالت ما يضحككم قالوا فلان خر على طُنْب فُسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب فقالت لا تضحكوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) واللفظ له.

وفي هذا الحديث أن المسلم قد يثاب على أمر ليس باختياره ولم ينوه.

فمن أبواب تحصيل الثواب النفع الذي يتعدى نفعه للغير فيثاب المسلم عليه ولو كان غافلا عن احتساب الأجر فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة ” رواه مسلم (1552). وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه ” وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا” رواه مسلم (1006).

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أنهم مأجورون على جماعهم أهلهم وظاهر الحديث أنهم لم يكونوا ملتفتين لاحتساب الأجر في تحصين فروجهم وفروج نسائهم.

ومما نحصل به الثواب مما نفعه متعد النفقة الواجبة علينا من مأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن وغير ذلك حتى لو لم نستشعر التعبد لله حين الإنفاق كحال الكثير منا لأن الواحد منا لو أخل بالنفقة الواجبة كان عرضة للعقاب في الآخرة فكان من عدل الله أن يثيبه إذا أدى الواجب. فإن قال قائل قد يفهم من قول النبي لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ” إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك” رواه البخاري (56) ومسلم (1527) يفهم منه عدم الثواب على النفقة الواجبة مع الغفلة عن احتساب الثواب فيقال منطوق الأحاديث التي تفيد أن المسلم يثاب على النفع المتعدي مقدمة على مفهوم حديث سعد رضي الله عنه وقد تقرر عند أهل العلم أن المنطوق مقدم على المفهوم.

اقرأ أيضا  خطبة المسجد النبوي - اغتنم حياتك للآخر

فيحصل الثواب مع الغفلة عن احتساب الأجر في النفقة الواجبة وإن كان من يستشعر التعبد أكمل وأفضل وكذلك من يستشعر التعبد في النفع المتعدي.

ومن أسباب تحصيل الثواب المداومة على العمل فمن اعتاد عملا صالحا ثم تركه عجزا عنه لمرض أو غيره يثاب عليه ثواب العامل لنيته الصالحة حيث وطن نفسها على الاستمرار على هذا العمل فعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا ” رواه البخاري (2996). فمن انقطع عن العبادة أو عن وصفها بعذر فله الأجر بنيته.

ومن أسباب تحصيل الثواب ترك المعاصي امتثالاً لله فمن نفسه تنازعه للمعصية لكنه يتركها لله كمن يترك النظر المحرم والسماع المحرم وكحال التائبين حينما يرون أو يتذكرون المعاصي التي تابوا منها قد تدعوهم نفوسهم لهذه المعاصي لكن لا يطاوعون أنفسهم بل يتركونها استمرارا على توبتهم فهم مأجورون على الترك فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ” رواه البخاري (7501) ومسلم (128).

ومن أسباب تحصيل الأجر الهم بالعمل الصالح للحديث السابق فمجرد الهم بالخير عبادة يؤجر المسلم عليها فمن هم بنفل صلاة أو صيام أو حج أو عمرة أو صدقة ثم عدل عن ذلك مع قدرته على العمل فيؤجر على هذه النية ولو لم يعمل. وإن ترك العمل عجزا عنه فله مثل أجر العامل.

ومن أعظم أبواب تحصيل الثواب فعل الواجبات فما تقرب متقرب لله بأفضل من فعل الواجبات.

________________________________________
[1] أخرجه مسلم (2963) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
-الألوكة-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.