السلطة الفلسطينية … دعوات الحل ومخاوف الانهيار

رمز السلطات الفلسطينية - palqa.com -
رمز السلطات الفلسطينية – palqa.com –

إبرهايم حمامي

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

الأحد، 1 ربيع الأول 1437 الموافق 13 ديسمبر / كانون الأول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

مع انطلاق المواجهات الأخيرة في الضفة الغربية، عاد مصير ومستقبل السلطة الفلسطينية ودورها لدائرة التساؤلات، خاصة مع انغلاق الأفق السياسي تماما.

المخاوف من انهيار السلطة وكذلك دعوات حلها ليست جديدة، والفكرة طُرحت أكثر من مرة ومن قبل مسؤولين وسياسيين ومفكرين، ولأسباب اختلفت باختلاف الظروف السياسية، بعضها كان بغرض تحسين الموقف، والبعض الآخر كحل جذري لكارثة اتفاق أوسلو، ونتائجه التي كبلت الشعب الفلسطيني، وربطت اقتصاده باقتصاد الاحتلال، وحولته إلى جيش من الموظفين المدجنين المنتظرين لراتب آخر الشهر، وإلى فرق أمنية تسهر على حماية المحتل.

لكن التصريح الأكثر وضوحا حتى الآن جاء قبل أيام على لسان وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي حذر في كلمته بمعهد بروكينغز من تفكك السلطة الفلسطينية، ومن أن ذلك سيؤثر سلبا على إسرائيل.

وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون انتقدت بدورها، في لقاء في منتدى سابان بمعهد “بروكينغز” القادة الإسرائيليين الذين يرفضون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كشريك محتمل للسلام، وحذرت من أن البديل لعباس قد يكونتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

تأتي هذه المخاوف والتحذيرات على خلفية أن السلطة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية خالصة، وأن وجودها ضرورة لأمن “إسرائيل”.

موقف قيادة السلطة
سبق للقيادي البارز في حركة فتح عزام الأحمد أن قال في لقاء مع صحيفة القدس العربي بتاريخ 13/11/2011 “إن السلطة الفلسطينية تنهار” مشددا على أنه لا يوجد أي قرار بحل السلطة بل هي “تنهار” نتيجة فشل عملية السلام واستمرار الاحتلال للضفة الغربية واحتجاز الأموال الفلسطينية، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية الحالية “سلطة وهمية غير موجودة بشكل فعلي إلا بجانب محدد وفق ما تريد إسرائيل” مضيفا “إذا كانت إسرائيل هي التي تتحكم في مصير السلطة فلتذهب هذه السلطة إلى الجحيم”. وتابع الأحمد قائلا “السلطة لا تحل وإنما تنهار، السلطة تنهار، ليس هناك شيء اسمه حل السلطة، السلطة تنهار لا تحل ” مشيرا إلى أن “عوامل انهيار السلطة بدأت تتزايد”.

بدوره، سبق وأن صرح عريقات وبحسب وكالة كونا الكويتية في 25/06/2010 محذرا من أن حل السلطة الفلسطينية سيكون “خيارا” مطروحا في حال عدم التوصل إلى حل الدولتين بنهاية العام الجاري.

وقال عريقات بحسب (كونا) في كلمة خلال مناقشات الوضع في الشرق الأوسط نظمها معهد السلام الدولي إنه “إذا كانت السلطات الإسرائيلية تعتقد أن الاحتلال سيظل للأبد فيجب أن تنسى ذلك.. الوقت مهم للغاية.. محمود عباس وسلام فياض وصائب عريقات.. لم نولد.. لنبقى في السلطة للأبد”، مضيفا
وقد حصر صائب عريقات في حينها خيارات السلطة في:
– الخيار الأول: استمرار المفاوضات، شرط وقف تام للاستيطان.
– الخيار الثاني: مطالبة الجانب الأميركي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

اقرأ أيضا  وزارة القوى العاملة متفائلة بسد فجوة الأجور بين الجنسين

– الخيار الثالث: التوجه إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967.
– الخيار الرابع: التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن البند المعروف باسم تحالف من أجل السلام.
– الخيار الخامس: مطالبة الأمم المتحدة بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية
– الخيار السادس: وقف تطبيق الاتفاقات الموقعة مع “إسرائيل”.
– الخيار السابع: حل السلطة، ووضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كدولة احتلال.

السيناريو الكابوس
سيناريو انتهاء السلطة وتأثيره على الجانب الإسرائيلي لخصه الكاتب الإسرائيلي يهودا ليطاني في صحيفة يديعوت أحرونوت (2/ 10/2003) من خلال سؤاله “ماذا يحصل إذا أعلن ياسر عرفات ذات صباح عن حل السلطة الفلسطينية؟” وقد وصفه الرجل بأنه “السيناريو الكابوس”.

يعدد يهودا ليطاني المشاكل التي ستترتب على الإسرائيليين من جراء انتهاء أو انهيار السلطة وأولها اضطرار “الجيش الإسرائيلي إلى البقاء هناك لزمن غير محدد، ما يعني أن عليه -إضافة إلى المهمات الأمنية العادية- أن يقوم بـ “حماية رجال الحكم الإسرائيلي الذين سيتولون مسؤولية إدارة جهاز التعليم والإغاثة والمواصلات والمياه والكهرباء والبلديات”.

وبالطبع، فإن ذلك سيتطلب “إيجاد التمويل للنشاط المدني الذي تقدر كلفته بعشرة مليارات الشياكل (حوالي 2.7 مليار دولار) في السنة على الأقل”.

“العودة إلى ما قبل أوسلو: أي الاحتلال المباشر وتحمل كل تبعات الاحتلال، هو أحد سيناريوهات ما بعد السلطة، وهو ما يضع الأمور في سياقها الحقيقي دون تجميل أو تزوير، ومما يُعفي السلطة من ممارسة أية مهام، فلا يصبح لها أية سلطة سياسية تتولى بموجبها إدارة المناطق الفلسطينية “

ويضيف “في سياق الإجابة عن هذا السؤال (ما الذي يحول دون حل السلطة؟)” يقول ذات الكاتب (يهودا ليطاني) إن “تسع سنوات من الحكم قد فعلت فعلها، فالبيروقراطيون وكبار القادة يتلقون أجرا جيدا جدا ولن يتخلوا عنه بسهولة”.

ولا شك أن هذا المعطى ليس سهلا على الإطلاق، فقد نشأت على هامش السلطة مجموعة من المافيات المنتفعة بالوضع الجديد من العسكريين والسياسيين الذين تحول بعضهم إلى رجال أعمال، وقد ارتبط هؤلاء بشبكة مصالح مع الاحتلال يصعب عليهم التخلص منها.

وفي وصف ما يسميه الاحتلال الديلوكس، يقول الكاتب اليساري ميرون بينيفستي في فبراير/شباط 2003 “في الوقت الذي تقسم فيه الضفة الغربية إلى خمسة كانتونات، والحركة بينها مشروطة بسلسلة تصاريح تعسفية. في الوقت الذي تغلق فيه 580 مدرسة لأن ربع مليون تلميذ وآلاف المدرسين لا يمكنهم الوصول إليها بسبب خضوع مئات الآلاف لحظر التجول، وفي ظل انهيار أجهزة السلطة والإغاثة، وتدهور الوضع الاقتصادي نحو الكارثة. أليس لنواب الشعب الفلسطيني ما يفعلونه سوى الانشغال بصلاحيات رئيس الوزراء؟”.

يضيف الكاتب “من الصعب انتقاد الفلسطينيين الذين يفرض عليهم ضعفهم ويأسهم التمسك بكل قشة، ولكن عليهم أن يفهموا بأن البحث والتعيين والاحتفال لا يخدم إلا حكومة إسرائيل، فليس صدفة وبشكل مفاجئ أن تعاملت محافل إسرائيلية مع السلطة وكأنها دولة ذات سيادة”.

اقرأ أيضا  ترمب يهدد بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية

إنه “احتلال ديلوكس” يضيف بينيفستي “يتحلل فيه المحتل من كل مسؤوليته عن مصير السكان المحتلين، ويكون معفيا من كل النتائج الناجمة عن أعمال الردع الفظيعة والعقاب الجماعي التي يقوم بها جهاز بيروقراطي كامل يمارس طريقة العصا والجزرة: ضغوط اقتصادية، تصريح مرور، حظر تجول ومنع خدمات وعقوبات للرافضين، وكل شيء انطلاقا من الاستناد إلى وجود السلطة الفلسطينية ومحافل الدعم الخارجي التي لا يمكنها رؤية شعب كامل يتضور جوعا ولهذا فهي تساعده قدر المستطاع”.

بعد مقال بينيفستي بثلاثة أعوام، وتحديدا في يناير/كانون الثاني 2006 عاد شلومو غازيت، وهو مدير الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي سابقا، إلى استخدام ذات المصطلح “احتلال ديلوكس” وفيه شرح واقع الاحتلال بصيغته القديمة مقابل الصيغة الجديدة.

يصف غازيت الصيغة القديمة بالقول إنه خلال ثلاثين عاما أقامت إسرائيل حكما عسكريا “متوازنا” إلى حد ما في المناطق، فمن ناحية كانت تهتم لأوضاع السكان، لحياتهم وأعمالهم وتقديم ما ينقصهم، ومن الناحية الثانية كانت دؤوبة في بسط قوتها والحفاظ على الأمن الإسرائيلي.

ما بعد السلطة
لعل أهم الاحتمالات المطروحة:

1) العودة إلى ما قبل أوسلو: أي الاحتلال المباشر وتحمل كل تبعات الاحتلال، وهو ما يضع الأمور في سياقها الحقيقي دون تجميل أو تزوير، ومما يُعفي السلطة الفلسطينية من ممارسة أية مهام، فلا يصبح لها أية سلطة سياسية تتولى بموجبها إدارة المناطق الفلسطينية أو أية سلطة مدنية وإنسانية تتحمل بموجبها أعباء الوضع في الأراضي الفلسطينية.

2) انسحاب أحادي لجيش الاحتلال والانطواء خلف الجدار: أي فرض أمر واقع وترسيم للحدود، واعتبار أن المناطق التي انسحب منها خارج نطاق مسؤوليته ولا دخل له بها، بعد أن ينتزع ما يريد من مناطق إستراتيجية وحيوية بالنسبة له، ويُعلن أنه غير مسؤول عن المناطق التي قام بالانسحاب منها.

3) إعلان دولة فلسطينية كاملة السيادة في حدود عام 1967. لكن مثل هذا الإعلان سيعني مواجهة مفتوحة مع سلطات الاحتلال ومن يساندها دوليا.

4) دولة ثنائية القومية: ستؤدي لاحقا ودون شك إلى تغييب الدولة اليهودية، وهنا يفصل الكاتب هاني حبيب فيقول “ولعل حل السلطة، وقيام دولة ثنائية القومية، سيجعل من القنبلة الديموغرافية، سلاحا فلسطينيا حقيقيا، ويهدد السعي الإسرائيلي الحثيث للاحتفاظ بهويتها اليهودية” وهو كما أشرنا جوهر خطة الفصل أحادية الجانب.

وباختصار، فإن مسألة حل السلطة، في ظل هذا الرأي، يضع إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما، إما دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، أو قيام دولة ثنائية القومية.

اقرأ أيضا  من يحاسب ولي الأمر إذا انحرف عن الطريق؟

5) شبه احتلال: وهذا يتطلب تعاونا مصريا أردنيا مع الاحتلال بحيث تتكفل الدولتان بإدارة الشؤون الحياتية للشعب الفلسطيني في الداخل، وتبقى السيطرة الأمنية على المعابر والحدود بيد الاحتلال، وهو ما يشبه إلى حد كبير مرحلة ما قبل أوسلو، لكن بتكلفة أقل بالنسبة للمحتل، وهو ما يصطلح على تسميته بالخيار العربي.

6) حل السلطة مع حماية دولية: أي مع طلب لفرض الحماية الدولية لفترة انتقالية محددة، وهو ما سيدفع العالم لتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني خاصة توفير الحماية والأمن والمساعدات اللازمة، ويصطدم هذا السيناريو بضرورة قبول الدول الكبرى به للحصول على الغطاء الأممي المطلوب.

حل السلطة أم انهيارها؟
يستصعب البعض فكرة حل السلطة، لكنه يتقبل فرضية انهيارها، باعتبارها نهاية محتومة لعملية سلام فاشلة، ورغم أن النتيجة واحدة وهي نهاية إفرازات أوسلو وما نجم عنها من اتفاقات، إلا أن طرح انهيار السلطة بالشكل الذي تحدث عنه رئيس السلطة عبّاس أو عزام الأحمد، ينطوي على مخاطر كبيرة ليس أقلها عدم الاستعداد والتحضير، وانهيار المؤسسات والخدمات بشكل كامل، دون إيجاد بدائل واضحة ولو لفترة مؤقتة.

الحديث عن انهيار السلطة تهرب من المسؤولية، ومحاولة للتملص من تحمل النتائج التي أفضى إليها نهج أوسلو التفاوضي، ورفض الاعتراف بهزيمة يتعرض لها هذا النهج اليوم.

القبول بمبدأ انهيار السلطة لا مناقشة خيار حلها، هو مقامرة جديدة بمصير الشعب الفلسطيني، وقفزة في الهواء نحو المجهول، وعبثية جديدة تضاف لسجل السلطة.

ولكن ما هو المطلوب في ظل ذلك؟
الواقع أنه ما بين دعوات حل السلطة والمخاوف من انهيارها، وما بين التمسك بها، تبقى الساحة السياسية الفلسطينية بحاجة لجرد حساب، وسواء كان الحل في إنهاء السلطة أو الإبقاء عليها، لابد من خطوات عملية تبقي كافة الاحتمالات والخيارات مفتوحة.

إن تغيير الفلسفة التي قامت عليها السلطة الفلسطينية من سلطة أمنية تفاوض وتوقع اتفاقات، إلى سلطة تحرير وتحرر عبر إصلاح مؤسساتها وتغيير برنامجها إلى برنامج مقاوم، يبقى كذلك احتمالا قائما بذاته، رغم أن من يعارض إنهاء السلطة سيعارض حتما تحولها إلى سلطة مقاومة ما دام خيار التفاوض لديهم هو الخيار الوحيد.

إن مستقبل السلطة يتطلب حوارا وإجماعا سياسيا فلسطينيا لا حالة تفرد جديدة تقامر بمصير الشعب.

المصدر : الجزيرة.نت