مأساة عائلة دوابشة وتجلّيات العجز
لمى خاطر
الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتمبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”
استشهدت أول من أمس رهام دوابشة، والدة الطفل الرضيع علي دوابشة، الذي أحرقه المستوطنون في قرية دوما قرب نابلس قبل نحو أربعين يوماً، فلحقت بابنها علي وبزوجها سعد الذي قضى لاحقاً متأثراً بحروقه.
وفي ردود الفعل على الجريمة المأساة لن يكون هناك أية قيمة للتساؤل عن سبب بقاء القاتل طليقاً أو افتراض أن على حكومة الاحتلال اعتقاله ومحاكمته، وكذلك الحال مع مطالباتنا السلطة بالرد على الجريمة عبر وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي تعتاش منه، وعليه يرتكز جوهر بقائها.
ومع ذلك؛ فأكثر ما تظهر فداحة العجز الذي يكبّل أعناقنا في فلسطين هو عند حدوث جريمة صهيونية، وتوالي ردود الفعل الكلامية عليها، إذ بات معروفاً أن هناك صبغة نمطية واحدة تتّخذها انعكاسات الجريمة في أوساط المعلّقين عليها في الفضاء الإلكتروني، وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، فإما اعتماد الهجاء وجلد الذات والآخرين كلامياً وإما الجنوح نحو المطالبات بالثأر والانتقام، دون تحديد المطلوب منه ذلك، بل ودون اعتبار الذات جزءاً من الجمهور المطلوب منه الفعل، والمتحمل جانباً من مسؤولية التحرّك.
وهنا يتضح أن الإعلام الاجتماعي تحوّل لعامل تخذيل عن الفعل لا تحفيز عليه في كثير من الأحيان، رغم أن منصات التواصل وُصفت في بداية الربيع العربي بأنها من عوامل تفجير الثورات وديمومتها، وهذا الوصف يشتمل على جانب من الصواب لأنها كانت منابر للتحريض والتحشيد، وكانت تُستثمر للتوجيه والتحريك، فكان أثرها ينعكس مباشراً في الميدان، لكن مفهوم دورها مُسخ مع تعاقب السنوات حتى صار باعثاً على القعود، والاكتفاء بخوض المعارك إعلاميًا، فيما تطرّف لدى عينة من المتفاعلين على هذه المواقع لدرجة اعتقادهم أن الواجب يسقط بالكلام.
جرائم الاحتلال اليومية ما عادت كاشفة للعجز فقط، ودالّة على أن الفعل ما زال في تجلياته الدنيا، إنما تشير كذلك إلى أمراض اللامبالاة التي تفتك بعقول وأفهام قطاع عريض من الجمهور، ومن هذه الأمراض استثناء الذات من نداء الواجب، والغرق في متاهات التنابز المناطقي، والبحث عن شماعة للتراجع، والنتيجة مطوّلات من الجدل لا تفرز شيئاً ذا قيمة على أرض الواقع.
أما الفعل السابق للقول فقد بات عملة نادرة، ومما يعمّق ندرته أن أصحابه صامتون لا يثرثرون، ولا يحترفون صناعة معارك كلامية من لا شيء، أو اختراع ظاهرة وتضخيمها من مجرد وهم أو فكرة عابرة.
ولذلك فإن العزاء يكمن فقط في بقاء تلك القلة التي فطنت إلى أفضلية الفعل فبادرت لتقديم ما تيسر لها منه، لأنها عرفت واجبها وأبصرت مسارها دونما ضجيج، فيما الأغلبية ما تزال تعتقد بخرافة اقتصار دورها على النداء والهجاء.
المصدر : فلسطين أون لاين