منهج التفكير العقلي في القرآن الكريم

www.filmey.com
www.filmey.com

الأربعاء،27 شعبان 1435الموافق25 حزيران/يونيو2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
أ. مصطفى حسنين عبدالهادي
منهج التفكير العقلي في القرآن الكريم
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}
(الحلقة الأولى)
• مدخل في المصطلح والمفهوم
• الانسجام والمواءمة بين الإسلام والعلم
• الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث
• الترحيب بالنقاش المنصف الباحث عن الحقيقة
• مجال البحث العقلي في الإسلام لا يقف عند حدٍّ
• تكريم الإنسان بآلات التعلُّم ومسؤوليَّتُهُ تُجَاهَهَا
• • • • •
مدخل في المصطلح والمفهوم:
العقل لغة: هو الإمساك والاستمساك، وحَبْسَةٌ في الشيء؛ كَـ: عَقَلَ البعيرَ بالعقال، وعَقَلَ الدواءُ البطنَ، وعَقَلَتِ المرأةُ شعرَها، وعَقَلَ لسانَه: كَفَّه[1]، وفي حديث محمود بن الربيع: “عَقَلْتُ من النبي – صلى الله عليه وسلم – مَجَّةً مَجَّهَا في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو”[2] وعرَّفه الأنصاري بالمنع[3].

واصطلاحًا: أوضح تعريفاته، وأقربها إلى هذا السياق أنه: “ما يقع به التمييز، ويمكن الاستدلال به على ما وراء المحسوس”[4]؛ فهذا التعريف روعي فيه الدور الوظيفي للعقل في الاستفادة من معطيات الحواس والبناء عليها؛ لتحصيل العلم بالمجهول.
والعقلي: ما كان منسجمًا مع العقل، متفقًا مع نتائجه، تَقبَله النفس عن قناعة بِحَقِّيَّتِهِ، لاعتماده على مسلمات العقول، وأوليات البدائه.
والبرهان: النظر المفضي بصاحبه إلى عين مطلوبه[5].

الانسجام والمواءمة بين الإسلام والعلم:
استُهِلَّ القرآن الكريم بالأمر بالقراءة، معلنًا بعثة خاتم الأنبياء، المؤيد بالعقل الصريح، المدعوم بالنقل الصحيح؛ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 – 5]، جاء الإسلام ليبعث العقل من سُباته، ويصيح فيه: إن الإنسان لم يُخلق ليُقيد بالأغلال، ولا ليقاد بالزمام، بل فُطِرَ الإنسانُ على أن يَهتدِيَ بالعلم، ويستنير بنور العقل، وآيات الكون، فأطلق الإسلام بهذه الدعوى سلطان العقل من قيوده، وردَّه إلى دوره الذي نِيط به، إنه تصفح كتاب الكون، وتأمل آيات التدبير والإحكام.

ومن لطائف السياق القرآني في مادة العقل أن القرآن الكريم لم يستعمل “العقل” بصيغة الاسم الجامد، وإنما استعمل مشتقاتِهِ الفعليةَ: (تَعْقِلُونَ 23 مرة، يَعْقِلُونَ 22 مرة، عَقَلُوهُ مرة واحدة، يَعْقِلُهَا مرة واحدة، نَعْقِلُ مرة واحدة)، وكل ذلك في سياقات الإشادة بفاعلية العقل البشري في النظر والتدبر، والتمييز بين الأضداد؛ كالحق والباطل، والصحيح والزائف، والخير والشر، والواجب والمستحيل، إن في هذا المسلك القرآني ما يلفت النظر، ويسترعي الانتباه؛ فإن هذا الإغفال للفظ العقل، والاقتصارَ على مشتقاته الفعلية يُلمِح إلى أن القرآن ناظر إلى العقل باعتباره قوة نفسية، ووظيفة حيوية، ينبغي أن تستثمر في محلها، لتؤدي دورها المنوط بها، والذي اعتبره الإسلام حَكَمًا عدلاً، ومرجعًا لا يُخْتَلَفُ في حجيته، ولا يستراب في نتائجه[6].

ومن تأمل نصوص الإسلام؛ الكتاب والسنة، وجد مظاهر احتفاء الإسلام بالعلم ظاهرة باهرة، تنادي بأعلى صوت: هلموا إلى سلطان الحق البالغ، المؤيد ببرهان العقل الدامغ، ومن هذه الظواهر:
– التكليف بشرائع الإسلام متوقف على العقل المميِّز: فالتكليف مرفوع عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ.

– الحث على النظر والتأمل: ورد القرآن الكريم بالأمر بالتعقل والتدبر، وإطلاق عنان تأمل الآيات الكونية، في أكثر من سبعمائة وخمسين آية، في حين أن آيات الأحكام الصريحة لا تزيد على مائة وخمسين آية[7]، ولم يأمر الله – تعالى – عباده في كتابه ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به، أو بشيء مما هو عنده، أو يسلكوا سبيلاً على العمياء وهم لا يشعرون، حتى إنه علل الشرائع والأحكام التي جعلها لهم[8].

ولو تفكرنا قليلاً في القرآن الكريم، ونظرنا فيه نظرة تأمل – ولو عَجْلَى – لم نجد في القرآن الكريم سورة طويلة متفردة بذكر الأحكام، في حين نجد سورًا كثيرة – خصوصًا المكية – ليس فيها إلا المباحث العقلية، وتقرير حقائق الأشياء، والكلام على الفطرة والنواميس الكونية، وخلق العالم، وإثبات الخالق، والحديث عن النفس، والإرادة، والاختيار، وعن الرسالة والوحي، والبعث، والخلود[9].

– الدعاء بطلب زيادة العلم: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وليس في القرآن الكريم أمر بطلب الاستزادة من شيء سوى العلم.

– رفع درجة العلماء: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83]؛ فالحجة التي أوتيها إبراهيم كانت بالعلم، ثم كان هذا العلم سببًا لرفع درجات إبراهيم عليه السلام؛ وتأمل معنى الاستعلاء المستفاد من حرف الجر {عَلَى قَوْمِهِ}، وقال – تعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

– النهي عن التقليد الجامد: أكد القرآن الكريم في مواضع كثيرة على ذم التقليد بغير علم ولا هُدًى؛ من ذلك: قوله – تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وقوله – تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]، ونعى على الكفار أنْ لم تكن لهم حجة إلا اتباع آبائهم: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [يونس: 78].

– استحباب الرحلة في طلب العلم، ويشير إليها قوله – تعالى -: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، وكذلك إشارة القرآن الكريم إلى رحلة موسى – عليه السلام – إلى الخضر في طلب العلم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 60 – 62] الآيات، وذِكْر النَّصَب والتعب الذي لاقاه نبي الله موسى في رحلته، فيه إشارة إلى أهمية الرحلة في الطلب، ولو بعدت الشُّقَّة، وطالت الرحلة.

– وجوب الاسترشاد بالعلماء: أمر الله – تعالى – عباده برَدِّ ما أشكل عليهم إلى العلماء الذين لهم القدرة على استنباط أحكام الله؛ فقال: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقال – تعالى -: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

اقرأ أيضا  الدلائل العلمية .. الإعجاز العلمي عند النبي

– يجب على من تولى أمرًا أن يكون عالمًا به وبمصالحه: قال – تعالى – في إمارة طالوت: {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247]، وقال – تعالى – في تولي يوسف الحكم: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: 22]، وعلل يوسف – عليه السلام – طلبَ الولاية بما يتصف به من العلم والأمانة؛ فقال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]؛ بل من عادة القرآن الكريم أن يعبر عن النبوة بالعلم؛ ومن ذلك: {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 74]، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، وفي موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14].

– التعليم شرف لصاحبه حتى للحيوانات: فقد فضل الله الحيوان المعلَّم على غيره؛ فأباح صيد الأول دون الثاني؛ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4].
ومما ضرب مثلاً للعلاقة بين العقل والنقل، ولبيان أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يُتَبَيَّنُ إلا بالعقل أن قيل:

– العقل كالأُسّ، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن بناءٌ، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن أسٌّ.

– العقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر، ولهذا قال الله – تعالى -: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15 – 16].

– العقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فإن لم يكن زيت، لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج، لم يضئ الزيت؛ قال الله – تعالى -: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور: 35].

– الشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان بل متحدان[10].

الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث:
إن البحث العلمي المنصف المتجرِّدَ عن وصمة الهوى والتعصب لرأي من الآراء قبل الاطمئنان إلى حَقِّيَّتِهِ وصوابه، المتسلحَ بآليات البحث وأدواته العاصمةِ له من الزلل في البحث، والخطأِ في التفكير والاستدلال – هذا النوع من البحث الذي يَصْفِقُ بجناحَيِ الإنصاف والمنهجية، لا محالة يصل في نهاية المطاف إلى أن يصيب جوهر الحقيقة، ويبلغ غاية الحق.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الجناحين في قوله – تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46].

فالدعوى إلى النظر والتأمل في حال ذلك النبي، بعيدًا عن تشغيب الاجتماع، وقريبًا من التأمل الفردي، أو الثنائي المعتمد على اختيار أهل النصح والمشورة في امتحان صدق هذه الدعوى، كل ذلك أبعد عن حَمِيَّة الجاهلية، وتشويش المناوئين حقدًا وحسدًا؛ أولئك الذين اتسم موقفهم من دعوة الحق بالرفض المجمل؛ بسبب إلف العادة، والأنس بموروث الآباء؛ حتى قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [سبأ: 43]؛ إن البعد عن هذه الهيئة الاجتماعية المشوِّشة المضلِّلة أرجى في انفتاح القلب، واستقبال الوعي لهذه الدعوى للنظر في أمرها، وقياس صِدق صاحبها.

وأيضًا: فإن الأمر بالتفكر فيه إشارة إلى اعتماد المنهج القويم في التفكير، والنظر السديد في اعتبار حال هذا المدعي للنبوة بحال الأنبياء قبله ممن بقيت فيهم آثار رسالاتهم، ومقارنة دعوته بدعوتهم، والنظر في حال ذلك النبي نفسه وصفاته؛ هل حاله قبل دعواه توحي بصدقه، أو بكذبه وافترائه.

والإسلام رَغَّبَ في طلب العلم، ودَفَعَ الناس إليه بإلحاح، وندبهم إلى طرْق أبواب المعرفة بكل طريق معقول مقبول، وشجعهم على الإقدام على البحث في أي موضوع[11]، مهما كانت سبيل البحث فيها شاقة، وطريق الوصول إليها وَعِرًا؛ بل حث الإسلام على خوض غِمار البحث بكل شجاعة وتصميم، ومنع من وضع أي حجاب على العقل ساترٍ، أو تهويلٍ بقداسةٍ عن النظر والتأمل حاجبٍ، وما ذاك إلا لانسجام الإسلام – مبادئهِ وأصولِه، ثم تفريعاته وفصوله – مع منطقية العقل، وتوافقية المنطق؛ إن الإسلام لا يخشى على عقائده ومبادئه من أي بحث علمي سليم؛ إنه على يقين من أن البحث العلمي السليم، والتأمل والنظر السديد البريء من الهوى والتعصب الذميم – لا بد أن يوصل أصحابه إلى النتائج التي قررها الإسلام، ودعا إليها، ونادى بها في عقائده ومبادئه؛ وذلك وَفق القاعدة المشهورة: (الحقيقة لا تخشى البحث)[12].

الترحيب بالنقاش المنصف الباحث عن الحقيقة:
لما كان الإسلام يساير معطيات العقل، وينسجم مع نتائج المنطق والبرهان، كان الإسلام واسع الصدر لكل نقاش منصف، بريء عن التعصب والهوى، غايته الوصول إلى الحقيقة، ويتقبل كل جدال بالحكمة؛ كما يتقبل كل نظر وتفكر.

لذلك حث الإسلام أتباعه على أن يتحلوا في جدالهم بالصبر وسعة الصدر، وعلَّمهم في الجدال اتباع الآداب الحسنة، والأخلاق الرفيعة السامية التي منها:
– البعد عن تشويش المخالفين: قال – تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46].
– إنصاف الخصم: قال – تعالى -: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].
– الجدال بالتي هي أحسن: قال – تعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
– القصد إلى إظهار الحق والتجرد من رغبة الانتصار وحب الظهور: لأن الجدل إنما هو صورة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ المجادل من رأيه أن مخالفه على خطأ، فهو عامل على إقناعه بما يراه صوابًا ومشروعًا في الدين، وقد كان الشافعي – رضي الله عنه – يقول: “ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يُوفَّق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بَيَّنَ اللهُ الحقَّ على لساني أو لسانه”[13].

اقرأ أيضا  تفسير سورة قريش

ولما كانت رسالة الإسلام رسالة خاتمة، وكانت كذلك رسالة عالمية؛ إلى الناس كافة، على اختلاف مستوياتهم العقلية والثقافية ، وكان القرآن الكريم هو حجة هذا الدين الكبرى ومعجزته الخالدة – لذلك كله جاء في القرآن الكريم من الأدلة والمناهج العقلية ما يقنع الناس جميعًا على اختلاف أصنافهم، وتباين أفهامهم وأفكارهم، وتفاوت مداركهم، وتنوع قناعاتهم؛ فسلك القرآن الكريم طرقًا متنوعة للإفهام، ووسائل شتى للإقناع؛ وهذا وجه من أوجه الإعجاز القرآني؛ فإن أساليب القرآن الكريم في الاستدلال تناسب الناس كافة؛ وفيما يلي إشارة إلى هذا التنوع في الجدال والتفنن في الإقناع[14]:

– من الناس من لا يرضيه إلا قياس تام، أو برهان عقلي مقنع، وهؤلاء هم الذين غلبت عليهم النزعة العقلية في التفكير، والميل الفلسفي في التحليل؛ فخاطبهم القرآن بما فيه مقنع لهم، وبما يساير طرائق تفكيرهم؛ فاستخدم القرآن في سبيل إقناعهم الصور التي ألفوها في الاستدلال[15]؛ من مثل:
استخدام قياس الخُلْف[16]: في إثبات الوحدانية، في قوله – تعالى -: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22]، وقوله – تعالى -: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91]، وفي إثبات حَقِّيَّةِ القرآن الكريم، وأنه من عند الله – تعالى – في قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، فالاستدلال في هذه الآيات قائم على إثبات المطلوب بإبطال نقيضه.

– ومن الناس من يُعْنَى بالعلم التجريبي، وبحث حقائق الأشياء من خلال التجرِبة المعملية، فهؤلاء يخاطبهم القرآن الكريم بما يفهمون، ويوجه أفكارهم إلى تأمل السنن الإلهية في الخلق، وقراءة كتاب الكون؛ فيقول لهم: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 30 – 33]، واهتمام القرآن الكريم بالتنبيه إلى تأمل الآيات الكونية كثرته بالغة، وعنايته به فائقة.

– ومنهم من هو في تفكيره أقرب إلى الفطرة، فيه سلامتها وسذاجتها، وفيه حسنها وجمالها، وهؤلاء هم الناس، والسواد الأعظم، والجمُّ الغفير، وهذا النوع يناسبه امتزاج الحق بالتأثير الوجداني، والجمع بين الحجة بأنصع بيان، وإثارة العاطفة وشحذ الوجدان؛ فاتبع القرآن الكريم مع هذا الصنف الأسلوب الخطابي؛ قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} [الأعراف: 194 – 195].

وقال – تعالى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 71 – 74].

مجال البحث العقلي في الإسلام لا يقف عند حدٍّ:
لأن الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث، سمح الإسلام بمناقشة مسائل العقيدة دون قيد أو شرط، ولا أية حساسية في طرح أي موضوع تحت مجهر للبحث، سواء أكان هذا الموضوع متعلقًا بذات الخالق من إثبات وحدانيته، أو أسمائه الحسنى وصفاته العُلى؛ بل خاضت نصوص الكتاب والسنة في ذلك؛ فإن القرآن الكريم اتصف جداله مع المشركين بالتسامح والتنزل إلى أقصى درجة؛ فتراه في معرض نقاشه لقضية الوحدانية وإثبات الخالق، يتنزَّل مع المنكرين إلى أقصى درجات التَنَزُّل؛ حتى فرض تكافؤ الخصمين في الحجة؛ {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24]، وما كان هذا المسلك القرآني إلا ليقرر في الأذهان مبدأ نفي الحرج والحساسية عن مناقشة أية قضية مهما كان الحكم فيها مركوزًا في الفطرة، وراسخًا في البدائه.

وما كان استدلال إبراهيم – عليه السلام – على الوحدانية بفرض كون كلٍّ من الكوكب أو القمر أو الشمس ربًّا إلا تَنَزُّلاً منه، وفرضًا لمذهب الخصم الواضح البطلان ثم مناقشته، قال – تعالى -: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 75 – 79]، إن هذا الاستدلال من إبراهيم – عليه السلام – كان مبنيًّا على فرض مذهب الخصم، ثم اختباره ونقضه، وقد حكى القرآن هذا الاستدلال دون تعقيب أو استدراك؛ بل حكاه ليُقْتَدَى به، وقد أثنى الله – عز وجل – على هذا الاستدلال، فقال معقبًا عليه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].

اقرأ أيضا  تفسير سورة المدثر عدد آياتها 56 وهي مكية

والخلاصة: أن الإسلام لا يجد حرجًا أو حساسية في خوض العقل في مناقشة قضيةٍ ما نقاشًا علميًّا مسْتَدًّا قويمًا، مهما بلغت هذه القضية من الوضوح، أو كانت من مقتضيات الفطرة الإنسانية، ومهما وجد المسلم من نفسه تحرجًا من فتح باب النقاش فيها.

تكريم الإنسان بآلات التعلُّم ومسؤوليَّتُهُ تُجَاهَهَا:
أعظم ما امتن الله به على الإنسان أنْ منحه آلات التعلم، وأدوات الإدراك والتعرف على حقائق الأمور، وصفات الأشياء وخصائصها؛ ليتمكنوا – بما أوتوا من مِنَحٍ وهبات – من البحث والنظر للكشف عن أسرار هذا الكون، الدالة على عظمة خالقه.

وآلات الإدراك التي مُنِحَهَا الإنسان هي الأساس الفارق بينه وبين غيره من المخلوقات؛ فإنك إذا أردت أن تُعَرِّفَ الإنسان بما يميزه عن غيره لم تجد فارقًا أوضح من صفة التعقل والتفكر، ولذلك عرفوا الإنسان بأنه: “حيوان عاقل”، فلو قيل بدل العاقل الأبيض، أو الطويل لم يكن جوابًا لمن استفسر عن الإنسان[17].

وقد امتن الله – عز وجل – في القرآن الكريم على عباده بنعمة العقل في غير ما موضع، منبِّهًا إياهم على ضرورة شكر هذه النعمة بوضعها في محلها، وإعمالها في مجالها، فإن مِن أهم مظاهر شكر النعمة أن توضع في محلها اللائق بها، والذي لأجله منح الله الإنسان إياها، وسياقات القرآن الكريم المنبهة على هذه المنحة الربانية مرتبطة دائمًا بالإشارة إلى حسن توظيف هذه الملَكات، وذمِّ مَن عطل هذه المَلَكات؛ فلم يستخدمها، أو لم يُحسِن استخدامها؛ فاستخدمها في غير موضعها، أو قصرها في حدود الظواهر الكونية، المرتبطة بنفعه الذاتي المباشر دون الربط بين معطياتها والبناء عليها في البحث عن الحقيقة الكبرى؛ حقيقة الوجود كله؛ يقول – تعالى -: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 78 – 79]، {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: 36]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46]، {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100]، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: “أساس البلاغة”: 647-648، “المفردات في غريب القرآن”: 1002، “القاموس المحيط”: 4/18، “مقاييس اللغة”، جميعها مادة: (ع ق ل).
[2] حديث صحيح: أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب : متى يصح سماع الصغير.
[3] انظر: “الغنية في الكلام”: ل: 98 ب.
[4] هذا التعريف محكي عن أبي العباس القلانسي، وأبي إسحاق الإسفراييني؛ وانظر: “الحدود” لابن سينا: 240، “الغنية في الكلام”: ل: 3أ، “تفسير القرطبي” : 1/411.
[5] “البرهان في أصول الفقه”: 1/122.
[6] انظر هذه الفكرة في: “بغية المرتاد”: 248، “جدل العقل والنقل” للكتاني: 1/467-474، “نظرية المعرفة” لراجح الكردي: 604، “الإسلام والنظر العقلي”: 64، “مبادئ الفلسفة الإسلامية”: 1/73.
[7] “تفسير الجواهر” لطنطاوي جوهري: 1/2، وقيد آيات الأحكام بالصريح منها؛ لأن العلماء يحصون آيات الأحكام بالمئين؛ فذكروا أنها في حدود خمسمائة آية. انظر : “مفاتيح الغيب”: 1/473.
[8] انظر: “الميزان في تفسير القرآن” للسيد الطباطبائي: 5/260.
[9] انظر: “محاضرات في التفكير الإسلامي والفلسفة” لعبدالعزيز الثعالبي: 123-124.
[10] هذه الأمثال ذكرها الراغب الأصفهاني في “تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين”: 140-141، وهي بنصها في “معارج القدس” للغزالي: 57 دون تنبيه على مصدرها.
[11] لا يكاد يُستثنى من ذلك شيء، لا من جانب الوضوح ولا من جانب الغموض؛ فمن جانب الوضوح: ترى قضية وجود إله خالق مبدع فاطر، وإن ارتكزت في الفِطَر، وترسخت في بدائه العقول؛ مع ذلك ترى الكتاب والسنة قد أتيا ببيانها بيانًا عقليًّا باهرًا، وإقناعًا منطقيًّا وافيًا شافيًا، ومن جانب الغموض بحث الإسلام في قضايا من مثل الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وبحث في النفس وأغوارها، والروح وأطوارها، والقلوب وأحوالها.
[12] انظر: “العقيدة الإسلامية وأسسها”: 89.
[13] “حلية الأولياء”: 9/118، “الفقيه والمتفقه”: 2/50.
[14] سيأتي مزيد بيان وبحث في تنوع طرائق القرآن الكريم والسنة النبوية في مسالك النظر العقلي في إثبات العقيدة.
[15] يقول العلاَّمة الشيخ محمد أبو زهرة: “في الحق أن أسلوب القرآن أسمى من الخطابة، وأسمى من المنطق، فبينما تراه قد اعتمد في مسالكه على الأمر المحسوس، أو الأمور البديهية التي لا يماري فيها عاقل، ولا يشك فيها إنسان، تراه قد تحلل من بعض قيود المنطق التي تتعلق بالأقيسة وأنماطها، والقضايا وأشكالها، من غير أن يخل ذلك بدقة التصوير، وإحكام التحقيق، وصدق كل ما اشتمل عليه من مقدمات ونتائج في أحكام العقل وثمرات المنطق؛ ولهذا نحن لا نعد أسلوب القرآن الكريم منطقًا، وإن كان فيه صدقه وتحقيقه”. انظر: “تاريخ الجدل”: 63-64، وانظر هذه الفكرة في: “البرهان” للزركشي: 2/24، “معترك الأقران” للسيوطي: 1/456، “القرآن العظيم” للصادق عرجون: 283-284، “منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل العقيدة”: 1/283-289.
[16] قياس الخُلْف: هو القياس القائم على إثبات المطلوب بإبطال نقيضه، ضرورة أن رفع أحد النقيضين يستلزم ثبوت الآخر؛ استنادًا على نفي الواسطة بين النقيضين. انظر: “الإشارات والتنبيهات”: 1/453، “الرد على المنطقيين”: 297، “الكليات”: 715، “دستور العلماء”: 2/63، 3/78، “معجم مقاليد العلوم” للسيوطي: 126.
[17] انظر: “المقصد الأسنى” للغزالي: 32.

المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.