مؤامرة ضخمة على الإسلام /2

د. أحمد نوفل

السبت-2 ذو القعدة 1434 الموافق7أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

1-مدخل.
ناقشنا في حلقة سابقة عدداً من الأسئلة أو القضايا: هل هناك مؤامرة؟ وقلنا إنه حتم مقضي وجود هذه المؤامرة منذ بدء الخليقة وهل إضلال آدم عن الشجرة وإغواؤه إلا مؤامرة من إبليس؟ فلا داعي للمكابرة ولنفي المؤامرة، كما أنه لا داعي للمبالغة في تصور المؤامرة، إلى حد المرض “والفوبيا”.
وناقشنا كذلك لماذا الإسلام هو المستهدف؟ وقلنا لإنه الحق المرشح لإمامة الأرض وقيادة الدنيا وتحرير الشعوب وإنقاذ المستضعفين وإقرار السلام العالمي في الأرض، ووراثة كل هذه المذاهب المشوهة البائرة الجائرة من إنتاج الرأسمالية المتوحشة أو الاشتراكية، أو الشيوعية أو الوثنيات السائدة في كثير من بلدان العالم.
وناقشنا كذلك قدم المؤامرة على الإسلام وإنها بدأت مع بدايته واستمرت مع مسيرته وذكرنا نماذج عليها: الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة والتفسيرات البعيدة للقرآن وحركة الشعوبيين ومؤامرات عبد الله بن سبأ اليهودي، والثورات المفتعلة وقتل الخلفاء، ومر بنا في تاريخنا هذه الثورات: القرامطة، والعيارين، والزنج، والشطار والحشاشين، ومن المذاهب المنحرفة التي حكمت في عالمنا العربي والإسلامي شهدنا حكم الفاطميين في كل شمال أفريقيا ومصر وبلاد الشام، والصفويين في بلاد فارس وكانوا خنجراً في ظهر الدولة العثمانية.
وانتقلنا إلى الحاضر بعد الغابر وقلنا إن كان التآمر قديماً فقد تجدد وتحدث وتطور وتقدم وعظمت وسائله وعظم تأثيره، ولعل أوضح الأمثلة: وقوع كل العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار الذي كان همه قبل النهب أو الانتهاب: الاستلاب الثقافي والتعطيل الحضاري. ثم مؤامرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين باتفاق بين بريطانيا واليهود والصهيونية العالمية وقوى محلية..
2-القرن العشرون قرن التآمر والاستعمار!
كانت الثورة الصناعية وقد وصلت أوجهها في القرن العشرين وكذا الثورة التكنولوجية؛ مما مكنت مَن ملك هذين العنصرين من استعمار مساحات أضعاف مساحة وطنه كما حصل مع بريطانيا وفرنسا وهولندا.. ولا نعدد؛ فما من بلد أوربي إلا وانتزع قطعة من جسد الأمة الإسلامية والروس أخذوا حصتهم من دمنا وجزءاً من وطننا الإسلامي، وقتلوا الملايين وهجروا الملايين وغيروا ديموغرافية البلاد التي احتلوها من بلاد المسلمين.
ولما قامت إسرائيل تسابقوا هم والمعسكر الغربي الرأسمالي على الاعتراف بالخنجر المغروس في لحمنا في فلسطين.
وما انتهى الثلث الأول من القرن العشرين إلا وجل عالمنا العربي والإسلامي قد استبيح وجرى تغييره ومحو ذاكرته للأسف، ومحو ثقافته وتفكيك أوصاله، وما اتفاقية سايكس وبيكو إلا لافتة وعنوان لهذا التآمر؛ حيث جرى اقتسام العالم العربي كما تقتسم تركة الميت لا الرجل المريض.
وظهر البترول في بلادنا مما زاد الأطماع فينا.. وصدق من قال إن النفط في بلادنا لم يفدنا بقدر ما أضر بنا، بل صدق من قال إنه كان نقمة أكثر مما كان نعمة. لا لأنه في ذاته كذلك بل لأننا لم نحسن الاستفادة منه ولا استثماره ولا الانتفاع بعوائده فذهب جلها نهباً «وتكويشاً» وادخاراً شخصياً، وحتى ما كان باسم الدول فهو كالمدخر الشخصي لا يسترد ولا يستعاد. فذهب البترول وذهبت أثمانه.
أخطر من كل هذا ما أعقب مرحلة الاستعمار. فقد نصّبت حكومات تابعة للمستعمر وكلها أقيمت على العلمانية، نقول هذا للمتباكين عليها وكأنها الحل السحري لمشكلاتنا، وكأنها لم تجرب حظها فينا لثلاثة أرباع القرن. وحتى الدول التي زعمت تأسيسها على أسس من الإسلام، كانت للعلمانية أقرب منها للإيمان والإسلام.. ثم تبين كل شيء وتكشف كل شيء. وإذ بالباطن غير الظاهر.
هذه الانظمة التي أقامها المستعمر أقام لها حراسات وإسنادات من أجهزة قمعية رهيبة خنقت وكبتت وسجنت وعذّبت وسحلت وقتلت حتى أرهبت الناس، وتكممت الأفواه وتعطلت لغة الكلام ولغة الإشارة والتلميح والتصريح، وانعدمت أدنى درجات ما يتمتع به المواطن في العالم الغربي من حريات واختيار وإرادة.
أقامت قوى الاستعمار حكومات ظاهرة ودولاً وأقامت دولاً عميقة كقوة احتياط للحكومة الظاهرة وإسناداً لها وتعزيزاً، فإن وهنت قوة الحكومة الظاهرة تحركت فوراً أجهزة الدولة العميقة لتسد الثغرة وتعوض الخلل، وهذا ما حصل في ثورات الربيع العربي.
3-مؤامرة ما بعد ثورات الربيع العربي.
لم يتكشف عوار العالم العربي كما تكشف بعد ثورات الربيع العربي. ولم يتكشف تمكن الدولة العميقة من مفاصل الدولة إلا بعد ثورات الربيع العربي. وإذ بالتغيير الذي ظنناه يسيراً تبين أنه يكلف كثيراً. وأن ما أنجز لم يكن سوى شارة البدء، وطلقة الانطلاق، وأن «ماراثون» الثورة التغييرية بطيء مزدحم طويل مليء بالمطبات والعثرات والتفشيل المفتعل المصطنع. كم تكشف لنا من حقول ألغام. كم ظهر لنا من مخبوء كان مخفياً مستتراً. كم مؤلم أن نكتشف أن إسرائيل تدير العالم العربي صغيره وكبيره وأن نظاماً كنظام مبارك الذي يدير أكبر بلد عربي كانت إسرائيل تتحكم في قضائه وإعلامه وسياسته واقتصاده.. وتفاصيل حياته.. ومجرم من يكابر.
وإن كلام مسؤولي الدولة العبرية إنّا نملك رصيداً ضخماً في كل مفاصل الدولة في مصر كان في غاية الدقة.
من كان يظن أن سيتكشف تحت إهاب الشاب الغض الإهاب المسمى بشار بن حافظ، سيتكشف وحش متعطش للدم والخراب إلى هذا الحد؟ وإذ بالجيش والأجهزة الأمنية والقوات والمليشيات والمقدرات بأيدي الطائفة..
ومن كان يظن هذا الحلف بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران ومعسكر الطائفية من جهة أخرى. والتغافل والتجاهل خداع للنفس وللآخرين. من سلّم إيران العراق؟ من مكن إيران من أفغانستان؟ من مكن إيران من أكثر من بلد عربي كسوريا ولبنان واليمن والبحرين وشرق الجزيرة؟ إنه الحلف الخفي.
من مد لها الحبل في مفاوضات لا تنتهي حول مشروعها الذري وقنبلتها المنتظره قبل المهدي المنتظر. لم عوجل صدام بضرب مفاعله وأمهلت إيران حتى تتم مشروعها الذري؟ إنها المؤامرة يا قوم ففيم المكابرة والإنكار؟
ولاحظوا الحلف الخفي بين ما كان يبدو تديناً أو إسلاماً في ظاهره واليسار وإيران والصهيونية وقوى الثورة المضادة!
من جمع كل هذه التي يبدو أنها متناقضات؟ ولم حماس الدول التي كانت تصطنع أنها على الإسلام، لماذا حماسها في حرب الإسلام أشد من العلمانيين الأقحاح المعتقين، وتملك من الحقد ما لا يملكون؟ أرأيت الخداع المزمن؟ أرأيت التظاهر المتفنن؟ أرأيت الأداء المتقن؟ أرأيت الحلف المعلن بعد أن كان قد استبطن؟
ويسألونك هل ثم مؤامرة على الإسلام؟ فإذا سألوك فقل: دع عنك كل هذه الأوهام والظنون والهلاوس ونم قرير العين مطمئن البال هاديء الأعصاب غير منشغل بهذه الترهات! فلا مؤامرة ولا من يتآمرون، وإنما هذه خيالات مريضة من بعض المسكونين بنظرية المؤامرة من الشيوخ المغفلين، والرجعيين المحبوسين في كهوف الماضي والمحجوزين في مغاور التخلف والخرافة والأساطير والأراجيف، فالعالم العربي استعاد نظامه القديم ونجا من شرور ثورات الربيع العربي، ويا وطن عربي ما دخلك شر ولا مرت بك ثورات.
وللحديث بقية!

اقرأ أيضا  خبير روسي: لقاء "الجهاد الإسلامي" في موسكو يعكس نفوذها وثقلها السياسي والعسكري

المصدر :السبيل 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.