الثورة الاجتماعية حتمية وهذا أوانها

الأحد-20 رمضان 1434 الموافق28 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

عبدالرحمن الدويري

عبثا تُحاول القُوى المناهضة لاستقرار الأوضاع في مناطق الربيع العربي، وتَبذل كلّ ما بوسعها للإجهاز على مُخرجاتها، بأسلوب غاية في الهبوط والقذارة، خاصة في مصر حيث ارتكست النُّخب السياسية، والإعلامية والأمنية إلى حضيض غير مسبوق، تساندها فلول القوى البائدة، ونواطير المال، المتكاتفة مع حلفيها الحصري في المنطقة، الحليف الصهيوأمريكي.
الثورة على نُظم العَمالة والفساد حتمية تاريخية واجتماعية في ظل حالة التّردي التي وصلت إليها البلدان، التي اختطفتها نُظم القرصنة، وحولتها إلى شركاتٍ استثمارية خاصة، وهذه الثورة لا ترتبط بفصيل سياسي أو جهة تنظيمية معينة بقدر ما هي مطلب شعبي عام، ليس بالإمكان اختزاله أو محاصرته.
قبل(77)عاما تنبأ الفيلسوف محمد إقبال بهذه الثورة، وهو يُقدم ديوانه لأمم الشرق، باعتبارها حالة اجتماعية عامة، تأتي بعد استيقاظ الوعي الجمعي لشعوب الأمة، وتُهيئ لها السُّنن والقوانين الاجتماعية، وتَدفعها الأقدار لتكسر الأغلال، وتُحقق الانتصار، وتكون محاولةُ تشويهها محاولةً عبثية لأنها حَتمية قَدَرية:
وأفاقَ الشرقُ مِن نومٍ طويلْ *** يَكسرُ الأغلالَ والقَيد الثقيلْ
جَذْبَةٌ واتَتْهُ مِنْ دَفْعِ القَدَرْ *** فأزاحَ العِبءَ عنه وانتصَرْ
هذه الثورة تَنبع مِن ضمير الشعوب، وتَتشكل في حِسّها ووجدانها، بعد سنوات الحضانة اللازمة، وتكون عناصر الشعب الحية الصالحة والمصلحة التي تواجه سطوة الفساد والاستبداد – تكون هي المحرك الأساسي لها، والقادحة لشرارتها وإدارة دولابها:
مِن ضميرِ الشّعبِ مِن إيمانهِ *** تَنْبُتُ الثورةُ في وُجدانِهِ
هي نورٌ يَجْتَلِيْهِ المصلحونا *** قاصرُ العقلِ يُسمِّيهِ جُنونا
هي الجنون والفوضى والمؤامرة عند قوى الاستبداد، وعند العناصر الخانعة أو الساذجة التي ألِفَتْ العُبودية، واستمرأت الذل والهوان، لكنها الجنون الذي لا بُدَّ منه، عند الخلايا الحية في المجتمعات التائقة للحرية، والرافضة للاستكانة، وهي ضرورة حتمية مهما كانت كلفتها، لتتبوَّأَ المكان اللائق في الحياة كباقي الأمم الحرة:
إنَّ قومًا للهوى يَستسلمونْ *** لم يَقُمْ فِيهم جُنُونٌ ذو فُنونْ
لن يُقِيموا نهضةً تَمْحُوا الهَوانْ *** مَا لهم في سَاحةِ المجَدِ مَكانْ
فالأمم التي لا تبذلُ كُلفة التّغيير نحو الأفضل، ولا تَدفع ضريبة الكرامة، وتَتخاذلُ أن تجاهد لتنعتق من واقعها المرير، لا تستحق الحياة، ولن تحظى بالاحترام:  
كُلُّ مَن تَحتَ الفَضاءِ الأزرقِ  *** لَمْ يُجَاهِدْ، فَكَأَنْ لَمْ يُخْلَقِ
من هنا يُوَضِّحُ الفيلسوف والمفكر الإسلامي الكبير فلسفة التغيير، ويكشف سِرَّها، ويُقرر حقيقة اجتماعية وإنسانية مفادها: أنّ الصّبر على كلفة التّغيير، وتَحَمُّلَ ضريبته المركَّزة، أجدى وانفع ألف مرة من العيش في  الهمِّ الدائم، والكَدر الطويل، وإنْ ألفته النّفس، وقَبِله الطّبعُ بطولِ الأُلفة، وحُكم التَّعَوُّدِ:
اِقْبَلِ الهَمَّ ولا تَأْكُلْ طَعَامَا *** مِنْ يَدٍ تُطْعِمُكَ الهَمَّ دَوَامَا
إنْ يَكُنْ عَيْشُكَ مِن طُولِ الكَدَرْ *** فِيْهِ مُرُّ الجُوعِ، فَالذُّلُ أَمَرْ
فَسَعي قُوى الاستبداد لمصادمة وعي الناس باستخدام مَوجة العنف المركز، والبَطش المجنون، ونشر الرُّعب والمخاوف، لحملهم على القبول بالوضع القائم على عِلاّته واختلالاته، قد يُحْدِثُ في النفوس الضعيفة حالة من الاستكانة والخضوع والقبول بالوضع المغلوط، وهذا ما يُحَذِّرُ منه شاعرنا وثائرنا الحرّ، ويؤكد أن كُلفة الهوان الممتد الدائم أكبر بكثير مِن كُلفة التغيير المركزة، والعاقل يختارُ أَلَمَ اللحظة، لِراحة الدهر.
فمفكرنا العظيم يُلحُّ بشدّةٍ على تَركيز هذه الحقيقة في وَعي الشعوب، ويَستفز طاقاتها، ويَستثير نَخوتها، ويُجابهُها بمخاوفها وهواجسها، ويُحاصرها، ويُبطل مُبررتها ومحاولاتها خداع أنفسها، شأن كل المترددين الخائفين (طفوليي التفكير):
الدّواء المرُّ للعقلِ الكَبيرْ *** فاترك الحلواءَ للطّفلِ الغَريرْ
ما يجري في مصر نَموذج صارخ يلخص هذا المشهد، ومحاولة فلول الفساد، ودول الإسناد النفطي، وأد الثورة، وترهيب الشعب، والتشويش عليه، لإيهامه أن المعركة الآن بين الثوار الحقيقيين(تمرد)، والسلطة الشعبية(الانقلاب العسكري)، وبين الإخوان والإرهاب، محاولة بائسة، ولن تنجح، ولن يُكتب لها التوفيق، لأن الشعب شبّ عن الطّوق، وكشف خُيوط القذارة، وذاق معنى الحرية والكرامة فعلاً،  في عام من الصدق والصفاء من حكم الإسلاميين، لا يمكن للشعب أن ينساها أو يتخلى عنها، بوجود الإسلاميين أو بغيابهم.

اقرأ أيضا  ماذا جنى الفكر القومي العربي على الأمة خلال قرن؟

المصدر:السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.