اسرائيل وقواعد اللعبة في مصر

احمد فودة (كاتب مصري – مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة )

الجمعة 04 محرم1435 الموافق8 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

امرت عملية استقلال مصر عن الاحتلال البريطاني الذي بدأ رسميا عام 1882 بمرحلتين أساسيتين، كانت الأولى بعد ثورة 1919 والتي جاءت إثر تصريح الحكومة البريطانية عام 1922 الذي أعلنت فيه عن مبادئ أربعة أهمها إنهاء الحماية البريطانية على مصر والاعتراف بها دولة مستقلة. لكن هذا الاستقلال كان ناقصا نظرا لوجود تحفظات على هذه المبادئ وردت مع هذا التصريح تفرغه من مضمونه. ثم جاءت المرحلة الثانية للاستقلال في عام 1954 بعد توقيع اتفاقية الجلاء.

ورغم هذا الاستقلال الذي حصلت عليه مصر، إلا أن الواقع كشف عن أنه كان استقلالا صوريا، حيث استمرت التبعية السياسية والاقتصادية للغرب، خاصة الولايات المتحدة. وظهرت هذه التبعية بشكل واضح في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات الذي أعلن منذ وصوله إلى السلطة عن أن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق اللعبة في منطقة الشرق الأوسط.

اقرأ أيضا  منظمة : بنغلادش بذلت قصارى جهدها لإعادة الروهنغيا لكن القيود الدبلوماسية أفشلتها

وبالفعل قاد تحولا استراتيجيا نحو التحالف مع واشنطن بعد حرب أكتوبر، استكمله الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي حول مصر إلى مجرد تابع للإدارة الأمريكية والإسرائيلية.

ومع قيام ثورة يناير، تزايدت الآمال بإمكانية تحقيق الاستقلال الفعلي لمصر، خاصة مع وصول أول رئيس مدني منتخب من الشعب هو الرئيس محمد مرسي، الذي حاول أن يبني سياسة خارجية مستقلة من خلال تنويع العلاقات الدولية لمصر مع دول مثل روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا.

وقد استطاع الرئيس مرسي الحصول على وعد بدخول مصر في تجمع البريكس الذي يضم هذه الدول الصاعدة بقوة إلى قمة النظام الدولي. كما قام بتقليص نفوذ واشنطن في عملية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال استغلال الحرب التي شنتها تل أبيب ضد المقاومة الفلسطينية في نهاية عام 2012 لتوجيه ضربة قوية للعسكرية الإسرائيلية بيد المقاومة مع تحييد النفوذ الأمريكي عن التأثير على مجريات الأحداث.

لكن المؤسسة العسكرية التي كانت تسيطر على الحكم طوال أكثر من ستين سنة، وأسهمت في تكريس الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على مصر، حاولت تقويض جهود الرئيس ومنعه من استكمال عملية الاستقلال الكامل لمصر، من خلال الانقلاب عليه وإقصائه عن الحياة السياسية تماما، وقيادة عملية أمنية ضد الشعب المصري الذي انتخب هذا الرئيس، أسفرت عن مقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف.

اقرأ أيضا  أكاديمي مغربي يستقصي أسباب تغير المعتقد الديني بشمال إفريقيا‎

ولم تكتف بهذا، بل قامت بإعادة مصر إلى ما قبل ثورة يناير، من خلال تكثيف التعاون الأمني والاستخباراتي مع واشنطن وتل أبيب. ووصل الأمر إلى تعاقد الحكومة المصرية مع شركة دعاية إسرائيلية لتسويق الانقلاب في الغرب.

ثم جاءت الكارثة الكبرى مع اكتشاف أن حكومة الانقلاب قامت بالتعاقد مع شركة يسيطر عليها ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي لتولي حماية مجرى قناة السويس. تلك القناة التي دفع آلاف المصريين من دمائهم في سبيل عودتها إلى حضن الوطن مرة أخرى بعد أن احتلتها إسرائيل بسبب انشغال الجيش المصري بأمور السياسة بعد انقلاب 1952.

وعاد الجيش ليكرر نفس الخطأ مرة أخرى بالانغماس في الشؤون السياسية وترك قضايا الدفاع والأمن القومي مستباحة من قبل أعداء مصر وعلى رأسهم إسرائيل. لكن من تغيير بسيط في قواعد اللعبة، فبدلا من احتلال أجزاء من مصر، ها هو يقدمها للعدو الإسرائيلي ويزيد على ذلك بدفع رواتب لضباط الجيش الإسرائيلي.

اقرأ أيضا  شمال غزة.. الموت جوعا يحصد براءة الأطفال (مقابلة)

إن الكفاح الذي يقوده الشعب المصري اليوم ضد انغماس الجيش في الساحة السياسية، ليس فقط من أجل إبعاده عنها ودفعه للاهتمام بقضايا الدفاع والأمن القومي، ولكن أيضا هو من أجل حصول مصر على استقلال حقيقي غير منقوص من براثن احتلال مازال جاثما على صدرها.

المصدر : بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.