هذه عشر ذي الحجة قد أهلت

الإثنين1 ذو الحجة 1436//14 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الرهواني محمد
هذه عشرُ ذي الحجةِ قد أهلَّت
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يحتاج المسلم حالَ غفلته ونسيانه إلى تذكيرٍ بالله وبالدار الآخرة، فالسعي المتواصل وراءَ الدنيا وشهواتها، ألهى الكثير منا عن الغاية التي خُلقنا من أجلها، وحطم فينا القدرةَ والصبر على تحمل الكثير من العبادات والطاعات.

وكل ذلك سببه: الغفلةُ والنسيان وتعلقُ القلوب بغير الله تعالى.

ولكن الأمل في عفو الله ورحمته وتوفيقه يبقى كبيرا، إذ يذكرنا ربنا سبحانه بمواسم الخيرات إذا نسينا، وينبهنا إذا غفلنا، ويدعونا إلى تجديد الصلة به سبحانه وتعالى.

فمواسم الخيرات الفاضلة التي يتفضل الله بها علينا، لهي من أعظم نعم الله على عباده، حيث تستحث فيهم الهمم، وتشحذ عزائمهم للمسارعة إلى الخيرات، والمجاهدة على فعل الطاعات واجتناب المنكرات، لكي تزكوَ النفوس وترقَّ القلوب وتنجليَ عنها تلك السحب الكثيفة من الغفلة والقسوة.

ومن مواسم الخيرات والطاعات التي يُذكرنا بها ربنا سبحانه ويتفضل بها علينا، أياما فاضلة عظيمة، وقد أهلت علينا نسائمها الطيبة ونفحاتُها العطرة.

أياما شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر).

نعم إنها أيام العشر الأولى من ذي الحجة، التي تطالعنا في قادم الأيام، وينتظرها المسلمون بشوق كبير لينهلوا فيها من معين العمل الصالح والأجر المضاعف.. فهي أيام عبادات وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة كالنفحات، قد اختارها الله ورفع شأنها، وجعل ثواب العمل فيها أعظمَ فيما سواها.

أيام ما اختارها الله تعالى وفضلها على غيرها من الأيام إلا لعظيم منزلتها وقدرها عنده سبحانه وتعالى، لأنه سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، ويُفضِّل من الأيام والأعمال ما يشاء سبحانه.

اقرأ أيضا  خطبة المسجد النبوي - فضل المدينة والمسجد النبوي

ومن تفضيل الله لهذه الأيام، أنه سبحانه أقسم بها، وهذا وحدَه يكفيها شرفا وفضلا وتعظيما، إذ العظيم لا يُقسم إلا بعظيم، قال سبحانه: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2] والمراد بالليالي العشر، عشرُ ذي الحجة كما قاله ابن عباس وغيره..

كما أنه سبحانه اختصها وسماها أياما معلومات فقال: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28] والأيام المعلومات، هي أيام عشر ذي الحجة.

ومن تفضيلها كذلك، أنها العشر التي جمع الله فيها كل أمهات العبادات، الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيرها.

ففيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف.

ففي الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ اللهَ تعالى يُباهِي بأهلِ عرَفاتٍ أهلَ السماءِ، فيقولُ لهمْ: انظرُوا إلى عبادِي هؤلاءِ جاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا).

وفيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما ثبت في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أعظمُ الأيامِ عند اللهِ يومُ النَّحرِ، ثم يومُ القَرِّ).

وأنها أيام الحج والعمرة، ففي الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(العمرةُ إلى العمرةِ كفَّارَةٌ لمَا بينَهمَا، والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلا الجنَّةُ).

ومن تفضيلها كذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيها أَحَبُّ إلى الله من هذه الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْر، قالوا: يا رَسُولَ الله، ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قال: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ).

اقرأ أيضا  خطبة المسجد الحرام 25/7/1433 هـ - السعادة الزوجية

ولأفضليتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الذكر فيها، فقد روى أحمد في مسنده بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللَّهِ ولا أحبُّ إليهِ منَ العملِ فيهنَّ من هذِهِ الأيَّامِ العَشرِ، فأَكْثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ).

فإذا كان الأمر كذلك، وعلمنا أن الله يحب الأعمال الصالحة في أيام العشر الأولى من ذي الحجة ويباركها ويزكيها، فحري بنا أن نجتهد فيها، ونحرصَ على اغتنام كل لحظة من لحظاتها، وأن نَعمرها بأنواع الطاعات التي تزيدنا قربا من ربنا، وتكونُ سببا لسعادتنا ونجاتنا وفوزنا في الدنيا والآخرة.

ولنحرص على أن نكون أقرب الناس إلى الله وأحبهم إليه، وأرفعهم منزلة عنده، وإن استطعنا ألا يسبقنا إلى الله أحد فلنفعل، وإذا رأينا الرجل ينافسنا في الدنيا فننافسه في الآخرة.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أيام العشر من ذي الحجة قد أهلت علينا بنسائمها وأطلت علينا ببشائرها، فكيف نستقبلها؟.

• التوبة الصادقة: فمن الواجبات التي تتأكد في هذه الأيام: التوبة الصادقة النصوح، فالتوبة واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في مثل هذه المواسم آكد وأوجب، وصاحبها أرجى بالقَبول والإجابة، لأنه إذا اجتمع للمسلم التوبةُ النصوح، مع أعمال فاضلة، في أزمنة فاضلة، كان ذلك عنوان التوفيق والفوز والفلاح، قال ربنا سبحانه ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وقال سبحانه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص: 67].

• العزم الأكيد على اغتنام هذه الأيام:
فينبغي للمسلم أن يعزم عزما أكيدا وأن يحرص حرصا شديدا على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، لأنه من عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

اقرأ أيضا  من حسن إسلام المرء

• البعد عن المعاصي:
فكما أن الطاعات أسبابٌ للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، فالمعاصي تزيل النعم، و تجلبُ النقم، وتورث الذل و تُفسد العقل، وقد يُحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه.

• ومن الطاعات التي يُستحب الإكثار منها في هذه العشر: الصدقة، وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يُستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 254].

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (ما نقصت صدقة من مال).

• ومن الطاعات التي تُشرع في هذه الأيام: الصيام، فيستحب للمسلم أن يصوم الأيامَ التسع الأولى من ذي الحجة، وهي مستحبة استحبابا شديدا لا سيما التاسعَ منها، وهو يوم عرفة.

ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوم عرفة (صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ والسنَةَ التي بَعدَه).

• ومن الطاعاتلعفو والتسامح، وإلا فما قيمة صيامنا وصلاتنا وصدقاتنا، ونحن مكبلون بحقوق الآخرين، ما قيمة الأضحية إذا لم نذبح الظلم والباطل داخل أنفسنا.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.