التحذير من النار

الخميس،19صفر1436الموافق11ديسمبر/كانون الأول2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
الحمد لله .. الحمد لله ذي الحول والطول والملكوت .. له الكبرياء في السموات والأرض وله العزة فيهما والقهر والجبروت ، أليم العذاب شديد العقاب وهو دائمٌ حيٌّ لا يموت .. سبحانك اللهم مَن الذي أمِن مكرك فما خسر ؟! ومن الذي استهان بحرماتك فما ندم ؟! ومن الذي تعرض لوعيدك فسلم ؟!

وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ، صلى الله عليه فما كان أخشاه لله وأخشعه ! وصلى الله عليه ما كان أتقاه وأورعه ! وصلى الله عليه فكم سح لله أدمعه ! وصلى على الآل والصحب الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .

أما بعد .. فاتقوا الله – تعالى – حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، وتأهبوا للقاء الله واحذروا عقابه؛ فإن أجسادكم على حر النار لا تقدر ولا تقوى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18) ﴾

عباد الله : لقد كان من سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – تعاهد أصحابه بالموعظة وربط أحوالهم بالآخرة ، وفي الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ : أَيْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ ، نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفْسٌ فِي الصَّيْفِ ، وَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ” .. وفي الصحيحين أيضاً : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ” .

أيها المسلمون : مصيرٌ أرق عيون الصالحين ومنقلبٌ أوجف قلوب المتقين ونهايةٌ أظمأ توقيها نهار العابدين وأطال في الليل قيام المتألهين وخاتمةٌ أدامت الحزن في محيا المتأوهين﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِيَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًاوَطَمَعًا(16) ﴾ .. إنها أيها المسلمون النار .. النار خلقٌ عظيم من خلق الله ، وهي الدار التي أعدها الله للكافرين ؛ فهي مأوى الظالمين وسجن الكافرين وعقوبة العصاة والمخالفين ، وهي الخزي الأكبر والخسران المبين .. هي الشر الذي لا خير فيه والورد الذي لا بد منه ، قديمة النشأة سالفة الوجود ﴿ وَاتْقَوُا النَّارَ التَيِ أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ (131) ﴾ ؛ فهي معدةٌ ومخلوقة ، وقد رآها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث المخرج في الصحيحين في صلاة الكسوف .

أيها المسلمون : الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق .. فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب .. فيها دركاتٌ ومنازل ، وهي سوداء مظلمة .. قاتمةٌ معتمة .. لها صوتٌ يسمع من بعيد .. تشهق وتزبر تمور موراً ، و : ﴿ تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ لِلْمُكَذِبِين(32) ﴾ .. الحزن فيها دائمٌ وطويل ، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل .. قلوب أهلها ملئت قنوطًا ويأساً ، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً ، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام ، وفيها من الأهوال والأحزان ما تتقاصر دون تصوره الأذهان : ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً(66) ﴾ ، خوف الله بها ملائكته المقربين : ﴿ وَمَنْيَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَنَجْزِي الظَّالِمِينَ(29) ﴾ .. وقال لرسوله الكريم : ﴿ لاَ تَجْعَلْمَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ …(39) ﴾ .

وخوف الرسول بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال : ” أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ “.. أفبعد هذا يأمن بقية العالمين ، بلها المقصرين ؟! .. يقول الحسن البصري – رحمه الله – : ” والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها ، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى(15) ﴾ .. وفي التنزيل العزيز : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً(71) ﴾ .. فأين الخوف من ذلك المورد .. إن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ، وتالله ما نجا إلا المؤمنون :﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28) ﴾ .. عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : : ” يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ” رواه مسلم ، لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج : ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) ﴾ .. وفي سورة الملك : ﴿ تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ (8) ﴾ ..وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ” ، قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا ” رواه البخاري ومسلم .. ﴿ هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ(43) ﴾ يدخلونها بأشد خطاب ثم توصد عليهم الأبواب : ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (5) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (6) إِنَّهَاعَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (7) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (8) ﴾ .. وقودها الناس والحجارة .. لا تنطفي نارها مع تطاول الزمان ولا يخبو أوارها مع مر الأيام﴿…كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ﴾ .. وهم مع ذلك مقيدون : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً(4) ﴾ . ﴿ … إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ﴾ ، وفوق ذلك يضربون ويهانون ﴿ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(22) ﴾ .. يلبسون من النار ويُصهرون : ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) ﴾ .: ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ(21) ﴾ .. أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار .. فهكذا في جهنم حال الكفار ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(66) ﴾ ، ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104) ﴾ .. أما طعامهم فعذاب وشرابهم فعذاب : ﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ(6) ﴾ ( 6سورة الغاشية) ، والضريع : شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لائط بالأرض : ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِيالْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ(46) ﴾ (43-46 سورة الدخان) والزقوم : شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.. أما شرابهم فالغسلين والغساق ، وهو عصارة أهل النار : ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (29) ﴾ ،﴿ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) ﴾ ( 15 سورة محمد) ، وفي الآية الأخرى : ﴿… وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُيُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍوَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌغَلِيظٌ (17) ﴾ .. هذه بعض صور العذاب .. فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا ؟

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ ، فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ” رواه مسلم .. إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها :﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِيتُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِجَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ(14) كَلَّاإِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) ﴾

اقرأ أيضا  التحذير من النار

عباد الله : وإذا طال البلاء على أهل النار وبلغ منهم العذاب كل مبلغ وكثرت حسراتهم وندامتهم طلبوا الخروج والمثاب : ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (37) ﴾ ويعترفون بذنوبهم :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَاأَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (106 ) ﴾ فيجابون بعد زمان : ﴿ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) ﴾ ثم يطلبون من خازن النار أن يشفع عند الله ليهلكهم وليميتهم حتى يتخلصوا من العذاب : ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَإِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77) ﴾ .. إنه الرفض لكل ما يطلبون .. ويؤتى بالموت ليذبح ، ويقال لأهل الجنة : خلود فلا موت ، ويقال لأهل النار : خلود فلا موت .. الحديث في صحيح البخاري ؛ هنالك يشتد نحيب أهل النار ويعظم حزنهم ويطول بكاؤهم ؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من البكاء .

أيها المسلمون : إن من كمال عدل الله – عز وجل – أن لا يساوي بين المطيع والعاصي والمصلح والمفسد : ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) ﴾ .. وإن الله – تعالى – وصف لنا عقابه ؛ فليس للعاصي على الله حجة .. فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار : ﴿ وَعَدَاللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَخَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌمُقِيمٌ(68) ﴾ ومن انتصر برأيه معارضا أمر الله وشرعه فليسمع قول الله – عز وجل – : ﴿ ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالدًا فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم(63) ﴾
وويلٌ ثم ويلٌ لتارك الصلاة حين يسأل : ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِبُ بِيَوْمِ الدِينِ (46) حَتَى آَتَانَا اليَقِين (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) ﴾ .. وأكل الربا موجبٌ لدخول النار ، وأكل أموال اليتامى ظلمًا : ﴿ إِنَّالَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِيبُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) ﴾ ، وفي صحيح مسلم : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : يقول الله – تعالى – : ” الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ النَّارَ ” .. وفي القرآن العظيم : ﴿ وَمَنْيَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَاللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) ﴾ .. وأكل أموال الناس بالباطل والانتحار مقرونان في آيةٍ واحدة .. قال الله – عز وجل – ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إًنَّ اللّهَ كَانَ بًكُمْ رَحًيماً وَمَن يَفْعَلْذَلًكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلًيهً نَاراً وَكَانَ ذَلًكَ عَلَى اللّهً يَسًيراً(29) ﴾ ..واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار ؛ لذا سميت يمينًا غموسا ، والركون إلى الظَّلَمة والميل معهم : ﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ…(113) ﴾ .. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ” رواه مسلم .. وعند عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، وَأَكْثِرْنَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ” ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَ : ” تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ” رواه البخاري ومسلم .. وأما المراءون فهم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما في الصحيحين ،، وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب .. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ” .. النار موعودٌ بهم مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام ومن اقتطع مال أخيه بيمينٍ فاجرة فليتبوأ مقعده من النار .

أيها المسلمون : وقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – صورا من عذاب أهل النار .. كما في حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – : فقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلًا مضجعًا وآخر قائمًا يهوي بصخرةٍ على رأسه فيثلغ صدره ويتدحرج الحجر ، ثم يصح رأسه فيثلغه بالحجر على رأسه مرة أخرى .. وقال في الحديث : هذا هو الرجل الذي يأخذ الرجل فيأخذه وينام عن الصلاة المكتوبة .. كما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلا مستقليا لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ويكرر ذلك .. وقال في الحديث : ” هَذَا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ.. ” ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل التنور فيه لغطٌ وأصوات وفيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم فيصيحون .. وقال : هؤلاء هم الزناة والزواني .. ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم – نهرا أحمر كالدم وفيه رجلٌ يسبح ، وعلى شط النهر رجلٌ معه حجارةٌ كبيرة ؛ فيفرغ السابح فاه ثم يلقمه الرجل حجرًا في فيه ويكرر ذلك .. وقال : هذا آكل الربا .. ورأى رجلًا كريه المنظر كأكره ما أنت راء ، وقال :إِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ ، الحديث رواه البخاري .. فهل بعد هذا الوعيد من وعيد ..﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37) ﴾ .

اللهم أجرنا من عذاب النار . اللهم أجرنا من عذاب النار . اللهم أجرنا من عذاب النار .. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنبونا وقنا عذاب النار .. نفعنا الله بهدي كتابه وأجرنا من خزيه وعذابه .. أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم .

الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله ، الحمد لله معز من أعطاه ومذل من عصاه .. مجير من استجاره ومجيب من ناداه ، أحمده – تعالى – وأشكره وأثني عليه وأستغفره ، وأسأله النجاة لي ولكم .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد .. فكلام الله الحق : ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ(185) ﴾ ..والإيمان والعمل الصالح هو – والله – طريق الفوز والفلاح ، ووعد الله ووعد رسوله صدق .. فلن يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، وعينان لن تمسهما النار / عينٌ بكت من خشية الله وعينٌ باتت تحرس في سيبيل الله .. وللتقوى منزلة عظيمة : ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾ .. والدعاء والاستعاذة بالله بابٌ عظيمٌ للنجاة .. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” مَا سَأَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الله الجَنَّةَ ثَلاَثاً إِلاَّ قالَتِ الجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَلاَ اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الله مِنَ النَّارِ ثَلاَثاً إِلاَّ قالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنِّي ” رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح .

ونحن في إقبال شهرٍ عظيم .. شهر العتق من النار ؛ فمن صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ، وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار .

اللهم ياحي ياقيوم ياذا الجلال .. اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك .. نسألك اللهم أن تدخلنا الجنة وأن تجيرنا من عذاب النار ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار . اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار . اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار .. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إيراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد .

اقرأ أيضا  نموذج من خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ..اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره .. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك ، اللهم أصلح بطانته ، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين ، اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثاني لما تحبه وترضاه ياسميع الدعاء .

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين .

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين ، وفك أسر المأسورين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين .

ربنا آتنا في الدينا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم يارب العالمين .. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ..

اللهم بلغنا رمضان ، اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لما يرضيك من العمل الصالح ، وتقبل منا ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام .. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ..سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

الخميس،19صفر1436الموافق11ديسمبر/كانون الأول2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
الحمد لله .. الحمد لله الجليل ثناؤه الجميل بلاؤه الجزيل عطاؤه .. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له .. يغفر الذنوب ويستر العيوب ، أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ..
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخليله ومصطفاه .. بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله ، اتقوا الله وراقبوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه ؛ فمن اتقى الله وقاه ومن كل ما أهمه كفاه ، من نظر إلى العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل : ﴿… وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ …(50) ﴾ .

وبعد معاشر المسلمين : إن مما جاء في مشكاة النبوة قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” مَنْ أصبحَ منكم آمنًا في سرْبِهِ معافاً في جسدِه عندَهُ قُوْتُ يوْمِه فكأنما حِيْزَتْ لهُ الدُّنيا ” رواه الترمذي وابن ماجة بسندٍ حسن ..
لقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – أصول حيازة الدنيا ثلاثة أشياء : الأمن في الأوطان ، والمعافاة في الأبدان والرزق والكفاف ؛ ففقد الأمن فقدٌ لثلث الحياة .. والثلث كثير .

ولما كان الأمن ثلث العيش امتن الله به على الأسلاف من قريش : ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) ﴾ .

أيها المسلمون : الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلبٌ ضروريٌ من مطالب الإنسان ؛ ففي ظل الأمن يرغد العيش وينتشر العلم ويتفرغ الناس لعبادة ربهم ومصالح دنياهم ؛ لذا كانت دعوة إبراهيم الخليل – عليه السلام – : ﴿… رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ…(126) ﴾ ..
انظر كيف قدّمَ الأمن على طلب الرزق لأنه لا يهنأ عيشٌ بلا أمان ..

وقد امتن الله – تعالى – على عباده بالأمن في مواضع كثيرة .. منها قوله – سبحانه – : ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(26) ﴾ ..
قال قتادة بن دعامة السدوسي – رحمه الله – في هذه الآية : ” كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاهم عيشًا وأجوعهم بطونا وأعراه جلودًا وأبينه ضلالا ، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات منهم ردي في النار .. يؤكلون ولا يأْكلون ..
والله ما نعلم قبيلًا من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منزلاً منهم .. حتى جاء الله بالإسلام فمكَّن به في البلاد ووسَّع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس ..
وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ؛ فاشكروا الله على نعمه فإن ربكم منعمٌ يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله ” انتهى كلامه – رحمه الله – .

أيها المسلمون : ولازالت هذه النعمة متواليةً من الله – تعالى – وما اُنتقصت إلا حين انتُقص الناس من دينهم فبدّلوا وغيّروا ، وما ضاقت الأرزاق ووقعت القلاقل والفتن واستُضعِف المسلمون إلا حين خبط الشرك والمعاصي في بعض نواحي بلاد المسلمين ..
ولم تكن جزيرة العرب بمنأى عن ذلك ؛ ففي عهدٍ قريبٍ كانت مرتعاً للسلب والنهب والقتل والخوف حتى منّ الله عليها بدعوة التوحيد واتباع سنة سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم – فعادت آمنةً مطمئنة تُجبى إليها الثمرات من كل مكان ، وتفجرت كنوز الأرض وعم الخير حتى صارت مهوى الأفئدة ديناً ودنيا .. وما ذاك – والله – إلا ببركة دعوة التوحيد واتباع السنة وطاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فلله الحمد كثيراً .

أيها المؤمنون : إلا أنه ليس بين الله وبين أحدٍ نسب ؛ فبقدر الإيمان والتقوى تكون النعم والخيرات .. نعم الإيمان والتقوى بهما تفتح بركات الأرض والسماء .. بهما يتحقق الأمن والرخاء ، وصدق الله : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ…(96)﴾ .

الأمن مربوطٌ بالإيمان :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ ..أما إن بدّل العباد وغيروا فإن سنن الله لا تحابي ، وقد ﴿…ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) ﴾ .

إننا – ولله الحمد – لازلنا في خيرٍ من الله بديننا وفضل الله علينا ، لكن النذر الإلهية مذكرة لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7) ﴾ ..
فحفظ النعم وتفادي النقم لا يكون إلا بطاعة الله ورسوله ، ومن خالف جرت عليه سنة الله ، وإن ما يصيب المسلمين اليوم لهي نذرٌ إلهية لئلا ينسى الناس ربهم ليعود الشارد ويتنبه الغافل ويستغفر المذنب .

إن المعاصي والذنوب سببٌ رئيسٌ للخوف والقلق والمصائب والفتن والأمراض والبلايا .. قال الله – تعالى – محذراً من مخالفة رسوله – صلى الله عليه وسلم – : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63) ﴾ .. ولما أمر الله – تعالى – بطاعته وطاعة رسوله في قوله – سبحانه – : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ(20) ﴾ ، قال فيما بعد : ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً…(25) ﴾ ..
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : ” أمر الله المؤمنين ألا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم فيعُمَّهم العذاب ، ثم بعدها امتنَّ الله على المؤمنين بتذكيرهم بما كانوا عليه من خوفٍ ثم آمنهم .. في إشارة إلى أن مخالفة أمر الله ورسوله مؤذنةٌ بالفتن والخوف وانعدام الأمن : ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ …(26) ﴾ .

اقرأ أيضا  خطبة المسجد النبوي : نعمة الصلاة وأثرها على العبد المسلم

أيها المسلمون : طاعة الله ورسوله سبيلٌ للثبات والنجاة من الأزمات : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً(68) ﴾ .

إن الأمة بحاجةٍ ماسةٍ إلى مراجعة نفسها والعودة إلى ربها وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى ؛ خصوصاً في هذه الظروف الحرجة التي تسلط فيها الأعداء على الإسلام والمسلمين وعلى ديارهم .

إن المفترض في هذه الأزمات هو الفرار إلى الله والتوبة النصوح والتنادي بالرجوع إلى الله والالتجاء إليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإسكات دعاة الرذيلة وعداة الصلاح ..
أما الغفلة والتمادي والنوم عن المنادي والإصرار على مخالفة أوامر الله فإنها مجلبة النقم مزيلة النعم ، وتعظم المصيبة إذا كانت الذنوب تُشْهَر وتُعْرَض ولا تُنْكَر ..
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ” .

يجب علينا التمسك بالسنة ولو تركها الناس وأن نغليها ولو أرخصوها ، وندافع عنها ونصبر على الأذى في ذلك ؛ فهذا هو سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وهذا هو طريق الأمن في الدنيا والآخرة ..
وإذا كثرت الفتن تأكد التمسك بالسنن .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) ﴾ .

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعنا بسنة سيد المرسلين ..أقول قولي هذا وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم .

الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله يُحمَد بنعمته وتُنَال كرامته برحمته : ﴿وهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(70) ﴾ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اليوم .

وبعد : أيا عبد الله حاسِبْ نفسك قبل أن تُحاسَب ، ولا تنظر إلى الهالك كيف هلك .. ولكن انظر إلى الناجي كيف نجا ، ولا تمتد بك حبال الأماني والغرور ؛ فالعمر قصير والأجل محدود والناقد بصير ، وموقف العرض على الله عسير إلا على من يسره الله عليه :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ(47) ﴾ .

تأمل في مطعمك ومشربك وانظر ماذا ترى وتسمع وتقول ؟ وماذا تسر وتعلن ؟ ولئن خفيت منك اليوم خافية فهناك في أرض المحشر يُكشَف الغطاء وتتكلم الجوارح .. لقد جاءتك من ربك النذر .. فمن تذكر فإنما يتذكر لنفسه ، وصدق الله: ﴿لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(70) ﴾ والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والله يعفو ويصفح .

أيها المسلمون : والتفاتة أخرى إلى الأمن والأمان .. فإذا كان الأمن من الله منّةً والاستقرار رحمة ونعمة والرزق لهما تابع وللناس فيهما منافع .. فكيف يكون جُرم من أخلّ بهما وحمل السلاح بين ظهراني المسلمين وتربص الشر بالآمنين ؟! ..
لقد أنكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على من أخفى سوط أخيه يريد ممازحته حمايةً لصاحب السوط أن يقلق أو يهتم أو يصيبه الغم ، فأين العابثون بالأمن عن هذا الإحساس النبوي والإرشاد المحمدي .. وهم قد حملوا السلاح وحصدوا الأرواح ؟ وقد بانت معالم الرشاد واتضح الحق والصواب ..
لقد اتضح الصبح لكل ذي عينين وعلِمَ القاصي والداني أن ما يحدث في بلاد الإسلام من قتلٍ وتخريبٍ واستهدافٍ لرجال الأمن ورموزه أنه ليس من الإسلام في شيء وليس من الجهاد في شيء ، وأن الذين يفسدون في داخل بلاد الإسلام ليسوا مجرد أشخاصٍ مغرَّر بهم .. إنهم قتلةٌ متربصون ومجرمون متعمدون .. ينفِّذُون مخططاتٍ تخريبية ليس لها مشروع إصلاحي ولا هدف طبيعي ، بل هو قتلٌ لمجرد القتل وتخريبٌ لإحداث الفوضى وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين تقف وراءه جهاتٌ مغرضة واستخباراتٌ معادية وحربٌ موجهة ضد مواطن هذا البلاد ودينه وقيادته واقتصاده ومقدراته ..
ومن النصيحة أن توضع النقاط على الحروف وأن يزداد الحذر والصد لهذا المنهج التخريبي ، كما أنه من الظلم والغش أن يحمَّل الإسلام أو المسلمون تبعة هذا النهج وهم المستهدفون به أصلا ، وهم الذين اكتووا بناره وتضرروا به أكبر الضرر :﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ(8) ﴾ .

هذا ، وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة رسول الله محمد بن عبد الله .. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين وأزواجه أمهات المؤمنين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم انشر الأمن والاستقرار في بلادنا بلاد المسلمين ، اللهم ادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين ، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل دائرة السوء عليه يارب العالمين .

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان ، اللهم انصر المجاهدين المرابطين في أكناف بيت المقدس ، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرا ومؤيدًا وظهيرا ..اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك .

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى ، وخذ بهم للبر والتقوى ..
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم وفقه ونائبه ونائبه الثاني وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاح العباد والبلاد .

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منّا .

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين ، وفك أسر المأسورين ، واقضِ الدين عن المدينين ، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين .

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك ومن النار ، اللهم يامقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك . اللهم يامقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك . اللهم يامقلِّب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك .
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .. عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين .

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء ؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا .. فأرسل السماء علينا مدرار ، اللهم أغثنا . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مجللا عامًّا نافعًا غير ضار تحيي به البلاد وتسقي به العباد وتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة . اللهم سقيا رحمة . اللهم سقيا رحمة . لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق .

ربنا تقبّلْ منّا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
منبر الجمعـــــــــــــــــة من الحــــــــــــــرم المكـــــــــــي

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.