فضل المدينة والمسجد النبوي

el-wasat.com
el-wasat.com

الخميس،24ربيع الأول1436الموافق15يناير/كانون الثاني2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ صلاح البدير
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “فضل المدينة والمسجد النبوي”، والتي تحدَّث فيها عن فضل المدينةِ النبويةِ، والمسجد النبوي الشريفِ؛ فقد ذكرَ العديدَ من الفضائلَ التي وردَت في كلامِ النبي – صلى الله عليه وسلم – والتي تخُصُّ المدينة النبويَّة ومسجِدَه الشريفَ.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي شرَّفَ بلدَ نبيِّه محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وأطابَه، وألبسَ من استقامَ من سُكَّانه سوابِغَ الشرفِ وجِلبابَه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فتحَ للسائلين أبوابَه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابتِه أشرفِ آلٍ وأكرمِ صحابَة.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:
تتفاوَتُ البُلدانُ والأوطانُ شرفًا ومكانة، وعلُوًّا وحُرمة، ومجدًا وتأريخًا، وتأتي المدينةُ النبويَّة بلدُ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – في المكانِ الأعلى والموطنِ الأسمَى، هي بعد مكة سيدةُ البُلدان، وتالِيَتُها في الحُرمةِ والإكرام، والتعظيمِ والاحتِرام.

أرضُ الهِجرة، وموطِنُ السُّنَّة، ودارُ الإيمان، الفضائلُ مجموعةٌ فيها، والإيمانُ يأرِزُ إلى نواحِيها؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينةِ كما تأرِزُ الحيَّةُ إلى جُحرِها»؛ متفق عليه.

بلدةٌ معشوقةُ السُّكنَى، طيبةُ المثوَى، سكَنُها مع الإيمان شرَفٌ باذِخ، واستِيطانُها مع التقوى عِزٌّ شامِخ؛ فعن عبد الله بن عُمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من استطاعَ أن يموتَ بالمدينةِ فليفعَل؛ فإني أشفعُ لمن ماتَ بها»؛ أخرجه أحمد.

وكان عُمرُ بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: “اللهم ارزُقني شهادةً في سبيلِك، واجعل موتي في بلدِ رسولِك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -“؛ أخرجه البخاري.

فيا هناءَةَ ساكنيها، ويا سعادةَ قاطِنِيها، ويا فوزَ من لزِمَ الإقامةَ فيها حتى جاءَته المنِيَّةُ في أراضيها.

وفي سُكناها من البركة ما يُستحقَرُ دونَها كلُّ رغَدٍ ورخاءٍ ورَفاهٍ؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يأتي على الناسِ زمانٌ يدعُو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه: هلُمَّ إلى الرَّخاء، هلُمَّ إلى الرَّخاء، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعملون»؛ أخرجه مسلم.

في البُعد عنها يَهيجُ الشوقُ إليها، ويتضاعَفُ الوَجدُ عليها، وكان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قدِمَ من سفرٍ، ونظرَ إلى جُدُراتها ودوحاتِها ودرجاتها أوضعَ راحِلَته، وحرَّكَ دابَّتَه واستَحَثَّها، وأسرعَ بها حُبًّا في المدينة، فإذا أشرفَ عليها قال: «هذه طابَة، وهذا أُحُدٌ جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه».

اقرأ أيضا  إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

فهي حبيبةُ المحبوبِ – صلى الله عليه وسلم – الذي كان يقول:«اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ»؛ متفق عليه.

دارُه ومُهاجرُه، فيها نُصِبَ مِحرابُه ورُفِع مِنبرُه، وفيها مضجَعُه ومنها مبعثُه. طيبةُ الغرَّاء، وطابَةُ الفَيحاء، تُوسِعُ العينَ قُرَّة، وتملأُ النفسَ مسرَّة، بلدةٌ آمنة، ومدينةٌ ساكِنة، لا يُهراقُ فيها دم، ولا يُحمَلُ فيها سلاحٌ لقتال؛ فعن سهل بن حُنَيف – رضي الله عنه – قال: أهوى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – بيده إلى المدينة، فقال: «إنها حرَمٌ آمِن»؛ أخرجه مسلم.

ويقولُ رسولُ الهُدى – صلى الله عليه وسلم -: «من أخافَ أهلَ المدينة فعليه لعنةُ الله والملائكة والناسِ أجمعين، لا يقبَلُ الله منه صَرفًا ولا عَدلًا، ومن أخافَ أهلَها فقد أخافَ ما بين هذين – وأشارَ إلى ما بين جنبَيْه – صلى الله عليه وسلم -»؛ رواه ابنُ أبي شيبة.

هي حرامٌ ما بين لابَتَيْها وحرَّتَيْها، وجبَلَيْها ومأزِمَيْها؛ فعن عليٍّ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:«المدينةُ حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ؛ فمن أحدثَ فيها حدَثًا، أو آوَى مُحدِثًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبَلُ الله منه يوم القيامة صرفٌ ولا عَدلٌ»؛ متفق عليه.

لا يُنفَّرُ صيدُها، ولا يُؤخَذُ طيرُها، ولا يُعضَدُ شوكُها، ولا يُقطَعُ عِضاهُها، ولا يُختَلَى خَلَاها، ولا يُقطَعُ منها شجرة إلا أن يعلِفَ الرجلُ بعيرَه، ولا تُلتَقَطُ لُقطَتُها إلا لمُنشِدٍ.

ومن مناقبِها وفضائلِها: أنه لا يدخلُها رُعبُ الدجَّال ولا فزَعُه، ولا يرِدُها ولا تطؤُها قدَمُه، الملائكةُ على أنقابِها وأبوابِها، وطُرقها ومحاجِّها، يحرِسونها ويذُبُّون عنها؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ لا يدخلُها الطاعون ولا الدجَّال»؛ متفق عليه.

الصلاةُ في مسجدها مُضاعفةُ الجزاء فرضًا ونفلًا في أصحِّ قولَي العُلماء؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجدَ الحرام»؛ متفق عليه.

وفي هذا المسجد المُبارَك بُقعةٌ هي روضةٌ من رياضِ الجنة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما بين بيتي ومِنبَري روضةٌ من رِياضِ الجنةِ، ومِنبري على حوضي»؛ متفق عليه. وعند أحمد: «ومِنبَري هذا على تُرعةٍ من تُرَع الجنةِ». وعند النسائي: «إن قوائِمَ مِنبَري هذا رَواتِبُ في الجنة».

اقرأ أيضا  خطبة صلاة الكسوف

ولا يجوزُ التبرُّك بمسحِ جُدرانِ المسجد النبويِّ، أو أعمدته، أو أبوابِه، أو تقبيلِ مِنبَره ومِحرابِه، وفعلُ ذلك من البِدعِ المُحدثَة والأفعال المُخترَعة التي يجبُ على فاعِلِها الكفُّ عنها والتوبةُ منها.

أيها المسلمون:
والمدينةُ مُبارَكةٌ في صاعِها ومُدِّها، ومِكيالِها وتمرِها، وقليلِها وكثيرِها، دعا لها النبي – صلى الله عليه وسلم – بالبركة، فقال:«اللهم اجعل في المدينة ضِعفَيْ ما بمكة من البركة»؛ متفق عليه.

وعن سعد بن أبي وقاصٍ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من تصبَّحَ كلَّ يومٍ سبعَ تمراتٍ عجوةً لم يضُرَّه ذلك اليوم سُمُّ ولا سِحرٌ»؛ متفق عليه.

ويقولُ رسولُ الهُدى – صلى الله عليه وسلم -: «في عجوةِ العالِية أوَّلَ البُكْرة على رِيقِ النَّفَس شِفاءٌ من كلِّ سِحرٍ وسُمٍّ»؛ أخرجه أحمد.

أيها المسلمون:
ومن صبَرَ على لأوائها وجَهدِها وشدَّتِها نالَ شفاعةَ الحبيبِ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم -؛ فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:«من صبَرَ على لأوائِها وشِدَّتِها كنتُ له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة»؛ أخرجه مسلم.

هذه هي المدينة؛ فضائلُها لا تُحصَى، وبركاتُها لا تُستقصَى، فاغتنِموا فيها الأوقات، واستكثِروا فيها من الصالِحات.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنةِ، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله آوَى إلى من إلى لُطفِه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوَى بإنعامه من يَئِسَ من أسقامه الدَّوَا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه كان على الخيرِ والهُدى، ومن عصاه كان في الغِوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد فاز من اتَّقى، وشقِيَ من قادَه الهوى، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِي ﴾نَ [التوبة: 119].

أيها المسلمون:
وثبتَ فضلُ الصلاةِ في مسجدِ قُباء عن المبعوثِ في أمِّ القُرى – صلى الله عليه وسلم -؛ فعن سهلِ بن حُنَيف – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من تطهَّرَ في بيته ثم أتَى مسجِدَ قُباءٍ فصلَّى فيه صلاةً كان له كأجرِ عُمرةٍ»؛ أخرجه ابن ماجه.

اقرأ أيضا  الخطابة وصفات الخطيب

وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: “كان رسول الله يأتي مسجِد قُباء كلَّ سبتٍ ماشِيًا وراكِبًا فيُصلِّي فيه ركعتين”؛ متفق عليه.

وقولُه: “ماشِيًا وراكِبًا” أي: حسَبَ ما يتيسَّر له.

أيها المسلمون:
فاعرِفوا لهذه المدينة حقَّها وقدرَها، وحُرمتَها وقداستَها، وتجافَوا فيها عن مُستقبَحِ الفِعال، واجتنِبوا فيها فاحِشَ الأقوال، ولا تُدنِّسُوها بقَذَر المُحرَّمات، ولا تُشوِّهُوا جمالَها وبهاءَها بقبيحِ المُخالفات.

وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم أدِم على بلاد الحرمَين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستِقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم ومتِّعهم بالصحةِ والعافيةِ يا كريم.

اللهم مُنَّ على جميع أوطانِ المُسلمين بالأمنِ والاستِقرارِ والرخاءِ يا رب العالمين.

اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في سُوريَّة على القومِ الظالمين يا رب العالمين، اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في سُوريَّة على القومِ الظالمين يا رب العالمين.

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.

اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود يا رب العالمين.

اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا، واحفَظ شبابَنا وفتياتِنا من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنةٍ يا رب العالمين.

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.
المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.