خطبة المسجد الحرام – خطورة الغيبة

الأربعاء 11 ذو القعدة 1436//26 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “خطورة الغِيبة”، والتي تحدَّث فيها عن الغِيبة وخطورتها في الدنيا والآخرة، مُذكِّرًا بضرورة حفظ اللسان عن الوقوع في أعراض المسلمين لما في ذلك من انتهاك حُرماتهم، وذهاب حسنات المُغتابين، ولأن الغِيبة من أكبر الكبائر، فيجب على المُغتاب أن يتوب إلى الله توبةً نصوحًا ويندم على فعله ويستحلَّ أخاه المسلم من وقوعه في عِرضه، وبيَّن بعض الصور التي يجوز الغِيبة فيها وشروط العلماء في ذلك.

الخطبة الأولى
الحمد لله إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن، فيكون، يُعذِّب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تُقلبون، ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20]، أحمده – سبحانه – وأشكره ترادَفت علينا نِعمه وتوالَت آلاؤه، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصة تنفع قائلها يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله النبي المُصطفى والرسول المُجتبى الأمينُ المأمون، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار الذين هدَوا بالحق وبه كانوا يعدلون، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم يبعثون.

أما بعد:
فأوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوى الله – عز وجل -، فاتقوا الله – رحمكم الله -، واطلبوا الكرامة في التقوى، والعبادة في الورع، والأُنس في كتاب الله، والنصر في الصبر، والغِنى في القناعة، والنجاة في الصدق، والشكر في الرضا، والراحة في ترك الحسد، وثِقَل الميزان في حسن الخلق، والسلامة في حفظ اللسان، ونِعم الصاحبُ العمل الصالح.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

أيها المسلمون:
مظهرٌ من مظاهر ضعف الديانة وقلة الورع والخلل في فقه التديُّن؛ بل مُوبِقةٌ من مُوبِقات الآثام، وحالقةٌ من حالقات الدين، تنهَش في الحُرمات وصيانة الأعراض، خصلةٌ من خصال السوء ذميمة، تُرى بارزةً شاهدة في اجتماعات الناس وتجمُّعاتهم ومجالسهم ومُنتدياتهم، لا يكاد يُستثنى منها أحد، علماء وعامة، رجالٌ ونساء، صغارٌ وكبار، جُرمها خطير، وعلاجُها عسير، داءٌ عُضال يهدِم المجتمع، ويُقوِّضُ البنيان، ويقطع عُرى التواصل، ويُمزِّق أواصر المحبة، يُوغِر الصدور، ويشحن النفوس، ويُفسِد المودة، وينشر الضغائن، ويُولِّد الأحقاد.

كم هُتِك فيه من أستار، وانتُقِص بسببه من أخيار، ولُفِّق في سبيله من أخبار، يشترك في ذلك الفاعل والسامع والراضي، هل عرفتموها – عباد الله -؟ إنها: ضيافة الفُسَّاق، وجهد العاجزين، ومرعى اللئام، إنهم أكَلة لحوم البشر؛ بل إنهم آكِلو الجِيَف، إنها: الغِيبة، وقاكم الله وحفظكم، وما أدراك ما الغِيبة؟!

نَهشُ الأعراض، وإن أربَى الرِّبا: استطالةُ المرء في عِرض أخيه، ولقد حدَّها رسولُنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وبيَّنها بيانًا شافيًا فقال – عليه الصلاة والسلام -: «الغِيبة: ذِكرُك أخاك بما يكره».

الله أكبر – عباد الله -، الغِيبة كل ما أفحمتَ به غيرَك انتقاص أخيك أو القدح فيه، الغِيبة – رحمكم الله وعافاكم – تكون بانتقاص أخيك في خلقه وخُلُقه، ودينه ودنياه، وبدنه ولباسه، وولده ووالده، وزوجه وأهله، وخادمه وهيئته، وعمله ومعاملته، وحركاته وبشاشته وعُبوسه.

الغِيبة تكون بالقول والفعل والوصف والحركات والإشارات والرموز، باليد وباللسان والعين والأصبع، غمزًا وهمزًا ولمزًا؛ بل الأشد والأنكَى أنها لا تُحصَر في طريقة، ولا تنحصِر في أسلوب، ولكنها ترجع إلى بواعِث النفوس، وأساليب المُبتَلَيْن بها – عياذًا بالله -.

فقد يُخرِجها المُغتاب في قالَب التديُّن والصلاح والعفاف والورع، فتراه يقول: فلانٌ غفر الله لنا وله فيه كذا وكذا لعل الله أن يُعافِيَه!

وقد يُخرِجها هذا المُبتَلى في صيغة التعجُّب فيقول: كيف يفعل فلانٌ كذا، وإني أستغفر الله، كيف يفعل فلانٌ كذا؟!

اقرأ أيضا  خطبة المسجد الحرام 13/3/1434 هـ - السيرة النبوية ووجوب تعلمها

ومنهم من يُظهِرها بأسلوب التحسُّر وإظهار المحبة والشفقة فيقول: لقد أغمَّني حالُ فلان، وإني مُشفِقٌ على أخينا فلان لما فعل من كذا وكذا، عافانا الله وإياه.

وقد يقول: فعل هذا بعض الناس، أو بعض من مرَّ بنا، أو من تعرفون، والمُخاطَبون أو الجالسون يعرفونه بعينه أو بشخصه.

ومن الغِيبة: التعريضُ بالكلام؛ فإذا سُئِل أحدهم: كيف حال فلان؟ قال: أصلحنا الله وإياه، أو عافانا الله وإياه – تعريضًا بحاله -؛ بل لعله يقول: فلانٌ مُبتَلى بما ابتُلينا به.

ويعظُم الحال ويشتدُّ الخطر إن أظهرها بأسلوب الإنكار، والله يعلم منه أنه لا يقصِد الإنكار، ولكنه يقصِد التشهير، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

بل يُقرِّر أهل العلم أن سوء الظن بالمسلم من الغِيبة، فإذا ظننتَ – أخي المسلم – فلا تُتبِع العمل.

ولقد قال الإمام الغزالي – رحمه الله -: “إذا قال بلسانه: اسكت، وهو يشتهي استمراره فهو نفاقٌ لا يُخرِجه من الإثم”.

والغِيبة – حفظكم الله وعافاكم – ليس لطرائقها حد ولا لأبوابها سد، وحينما سأل رجلٌ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فقال له: أرأيتَ إن كان فيه ما أقول، فقال – عليه الصلاة والسلام -: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه»؛ أخرجه مسلم وغيره.

ويقول الحسن – رحمه الله -: “ذكر الغير ثلاثة: الغِيبة والبُهتان والإفك؛ فالغِيبة: أن تقول ما فيه، والبُهتان: أن تقول ما ليس فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك عنه”.

ومن أجل أن تُدرِكوا عِظَم البلاء، فانظروا – رحمكم الله – ما يخوض فيه المُتخوِّضون في شبكات المعلومات؛ ففي ذلك شيءٌ كثيرٌ وكثير من نشر معايب الناس ومثالب أهل الفضل والصلاح، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معاشر المسلمين:
كم ترون من مسلمٍ مُتهاونٍ قد جرَّد لسانه مِقراضًا للأعراض، وانتهاكًا للحُرمات في همزٍ ولمزٍ وحطٍّ وانتقاصٍ، فهذا طويل، وهذا قصير، وهذا أحمق، وهذا فاسق، وهذا منافق، وهذا مُداهِن؛ بل كم ترى من رجلٍ مُتورِّعٍ عن الفواحِش والظلم وعليه مظاهر صلاح من صلاةٍ وصيامٍ وصدقاتٍ، ولكن لسانه يفرِي في أعراض الناس الأحياء منهم والأموات، لا يُبالي ما يقول، فهلاَّ حجَزَته عبادتُه! وهلاَّ كفَّه صلاحُه! وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم.

مجالس الغِيبة مجالس شرٍّ وبلاءٍ وفتنة، وأكلٍ للحسنات، تُؤكَل فيها لحوم المؤمنين، وتُنتَهَك فيها أعراضُ الغافلين، موائد هلاك، ومسالك عطَب، مجالس تنضَح بالوقيعة في الخلق، يُؤذِي المُغتابُ فيها نفسَه وجليسَه، ويؤذُون فيها عبادَ الله، استفتاءٌ بالناس، واستخفافٌ بالحُرمات، ضلالٌ في الدين، وسوء مسلكٍ في العاقلين.

يقول سفيان بن عيينة – رحمه الله -: “الغِيبة أشد عند الله من الزنا وشرب الخمر؛ لأن الزنا وشرب الخمر ذنبٌ فيما بينك وبين الله – عز وجل -، فإن تُبتَ تاب الله عليك، والغِيبة لا يُغفَر لك حتى يغفِر لك صاحبُك”.

ما الذي أوقعهم فيما أوقعهم إلا ضعفُ الديانة، وقلة الورع، وأشد الورع في اللسان، وموافقة الأقران، ومجاملة الجلساء.

أيها المُغتاب:
كم من أشعث أغبر ذي طِمرَين خيرٌ منك عند الله، وخيرٌ منك في نفسه، وخيرٌ منك في أهله!

معاشر المسلمين:
الغِيبة محرمة في كتاب الله وسنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وإجماع أهل العلم، وتأباها الفِطَر المستقيمة، والنفوس الطاهرة، والصدور السليمة، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

ألم تتعجَّبوا كيف ضرب الله هذا المثل الشنيع الوضيع للمُغتاب؟! إنه ذلك الكريه الذي بسَط يدَه وثَغَر فاه ليأكل لحم هذه الجِيفة، وليست جِيفة حيوان بهيم، ولكنها لحمُ أخيه ميتًا، وحينما عُرِج بنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – مرَّ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاس يخمِشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: «يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»؛ أخرجه الإمام أحمد، وهو صحيح الإسناد.

اقرأ أيضا  خطبة المسجد الحرام - جزاء الحج المبرور

وفي “الصحيح” عن عائشة – رضي الله عنها – قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم -: حسبُك من صفية كذا وكذا – تعني: أنها قصيرة -، فقال: «لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماء البحر لمَزَجَته»؛ أخرجه أبو داود بسندٍ صحيح.

سبحان الله! كلمة واحدة يستهين بها المُتكلِّم، لو مُزِجت بماء البحر لمَزَجَته، فما بالُكم بمن يُقطِّعون مجالسهم، ويُمضون ساعاتهم مُتلذِّذين بتمزيق أعراض الناس، فكِهين بنهش لحومهم.

عباد الله:
من وقاه الله شرَّ ما بين لحييْه وشر ما بين رِجلَيْه دخل الجنة، فلا تُكثِروا – رحمكم الله – الكلامَ بما لا يُفيد، فكثرة الكلام بغير ذكر الله تُورِثُ قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله: القلبُ القاسي، ولا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانه.

اشتغل – حفظك الله – بعيوب نفسك، عجبًا! يرى هذا المُبتَلى القَذَى في عين أخيه ثم يعجز أن يرى أحمال الحَطب يحملها على ظهره.

فتِّش في نفسك، احفظ وقتك ولسانك، فتِّش في أمانتك، في أخلاقك، في أمانتك، في مسؤولياتك، في أهل بيتك وعملك، اشتغل بعيوب نفسك – رحمك الله.

معاشر المسلمين:
لو حاسبَ المُغتابُ نفسَه حقًّا لعلِمَ أنما هو واقعٌ فيه قد أهلك فيه نفسَه وأهلك جلساءَه إن لم ينهَوه وينصحوه ويُنكِروا عليه، فالمُستمِعُ شريكٌ والمُقِرُّ شريكٌ، فيجب الإنكار والتوبة والتناصُح والذَّبُّ عن أعراض المؤمنين، ومن ردَّ عن عِرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة، بهذا جاء الخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

وبعد، عباد الله:
فمن تتبَّع عورة أخيه تتبَّع الله عورَتَه، ومن تتبَّع الله عورَتَه فضَحَه ولو في جوف بيته، وإذا ظهرَت الغِيبة ارتَفَعت الأُخُوَّة في الله، كما قال ذلك الفُضيل بن عياض – رحمه الله -.

ويقول بعض الصالحين: “لو كنتُ مُغتابًا لاغتبتُ والديَّ؛ لأنهما أحق الناس بحسناتي”.

وأراد رجلٌ أن يُطلِّق زوجتَه، فقيل له: ما يسوؤُك منها؟ قال: العاقل لا يهتِكُ سِتر زوجته، فلما طلَّقَها قيل له: لم طلَّقتَها؟ قال: ما لي وللكلام في امرأةٍ أجنبية؟!

ألا فاتقوا الله – رحمكم الله -، وحذارِ أن تكون أعراض الناس فاكهة مجالسكم، ولحوم الناس موائد مُنتدياتكم، فالغِيبة أسرع في دين المسلم من الأَكَلة في الأجساد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾[ق: 16 – 18].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله تعاظَم ملكوته فاقتَدر، سبحانه وبحمده رفع بحكمته أقوامًا وخفضَ أقوامًا أُخَر، وأشكره على نِعمٍ عُظمَى وآلاءٍ لا تُحصَر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُولِج الليل في النهار ويُولِج النهار في الليل ويعلم ما بطن وما ظهر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله الشافعُ المُشفَّع في المحشر والمُؤيَّد بالآيات والسُّوَر، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله السادة الغُرَر، وأصحابه الميامين الخِيَر، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا ما تعاقَب الشمسُ والقمر.

أما بعد:
فالغِيبة – رحمكم الله وعافانا وإياكم – من كبائر الذنوب، وكبائرُ الذنوب لا تُكفِّرها الحسنات من الصلاة والصيام والصدقة وسائر القُربات؛ بل لا بُدَّ من الإقلاع والندم والتوبة النصوح واستحلال من وُقِع في عِرضه.

والغِيبة يتضاعَفُ خطرها إذا تضاعَفَ أثرها، وبحسب حال المُغتاب؛ أي: من وقعت عليه الغِيبة، فكلما كان العبد أعظم إيمانًا وأظهر صلاحًا كان اغتيابُه أشد؛ فغِيبة أهل الصلاح والعلم والفضل وولاة الأمور لها أثرُها العظيم في شق الصف، وانتقاص القدر، ونزع الثقة، واضطراب الأمور، ناهيكم بما يجُرُّ إليه من إضعاف أمر الله ودينه في النفوس، وقلة الانتفاع، وانتزاع الخير والبركات، ومن ثمَّ تسود الفوضى، وتحصل البلبلة، وتقع الفتن.

اقرأ أيضا  خطبة المسجد الحرام : السعادة في الاعتصام بالكتاب والسنة

عباد الله:
ولئن ذكر أهل العلم – رحمهم الله – صورًا تُستثنَى من الغِيبة المحرمة يجوز لصاحبها أن يذكر أخاه بما يكره؛ فالمظلوم له أن يذكر ظلامته عند من يستطيع رفعها؛ مثل: القضاة والولاة، وذكرُ أهل الفسق والشر ببغيهم وبدعهم وشرهم وانحرافهم وسوء سلوكهم إنكارًا عليهم وتحذيرًا منهم، ومنع فسادهم وتقليل شرهم.

فلئن رخَّص العلماء في مثل ذلك لكن لا يجوز الإقدامُ على هذا إلا بعد التحقُّق من حصول المصلحة، والاحتياط للنفس، وحسن القصد، وصدق النصح، والسلامة من الرياء، والانتصار للنفس، فإن اشتبَه عليه شيءٌ في ذلك والتَبَس فالسلامةُ لا يعدِلُها شيء.

إن عِرض المسلم محفوظ، وحُرمته مصونة.

ألا فاتقوا الله – رحمكم الله -، واحفظوا ألسنتكم، وصونوا مجالسكم، وذُبُّوا عن أعراض إخوانكم، واجمعوا كلمتكم، ليسلم لكم دينكم، وتبقى أُخوَّتكم، وتستقيم أحوالكم.

ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم، في محكم تنزيله، فقال – وهو الصادق في قيله – قولاً كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم ارفع البأس عنه، واكشِف ضُرَّه، وألبِسه لباس الصحة والعافية، الله وأعِده سالمًا غانمًا، صحيحًا مُعافَى، بفضلك وجُودك يا أحم الراحمين.

اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانهم وأعوانهم لما تحب وترضى، وخُذ بنواصيهم للبر والتقوى.

اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُهدَى فيه أهل المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا، ودعاءنا، وأصلح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وتب علينا، واغفر لنا وارحمنا، يا أرحم الراحمين.

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.