الوضـــــــــــــــوء وفضـــــــــــــــله

الإثنين،16صفر1436 الموافق8ديسمبر/كانون الأول2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
الحمد لله .. الحمد لله الذي شرّع الشرائع وأحكم الأحكام وجعلها بالغة الحسن وغاية في الإحكام ، أحمده – تعالى – وأشكره وهو أهل الحمد والإنعام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحكيم العليم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ذو الوجه المضيء الوضيء والفعل الجميل الرضي .. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد ، فأوصيكم بالتقوى – أيها الناس – فهي خير زادٍ وخير لباس ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .. ثم اعلموا – رحمكم الله – أن أعمالكم تُحصى وأن أعماركم تنقص وأن يد الموت عاملة والأجل مغيب ، وليس بينك وبين الآخرة إلا قبض روحكم ؛ فمن حاسب نفسه ربح ومن نظر إلى العواقب نجا ، ومن خاف سلم ومن أطاع هواه ضل؛ فهنيئا لمن استعد للقاء الله وتخفف من الدنيا وتاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى .

أيها المسلمون : تكليفٌ لطيفٌ وأمرٌ إلهيٌّ خفيفٌ وفيه تخفيف جعله ربنا شرطًا بين يدي الصلاة ومطفئًا لغضب النفس حين تضيق بالنفس الحياة وتكتنفها المعاناة .. هو للمؤمن سلاحٌ ويعقبه للنفس ارتياحٌ وللصدر انشراح ..

عباد الله .. من أجمل الأحكام والحكم ما يتعلق بالطهارة والوضوء ؛ ذلكم أن الإسلام دين الطهارة والنقاء والنظافة والصفاء .. جمع بين تطهير الباطن والظاهر ، وفي أوائل آيات التنزيل : ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾ .. وعند التأمل تتبدى لك أحكامٌ جليلة وحكمٌ جميلة تتبين فيها عظمة الإسلام ورقي أحكامه وسمو شريعته ، فما أجمل أن يكون المسلم متوضئًا .. فضائل وأجور ونظافة وطهور : ﴿… إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ ، عملٌ يسيرٌ وأجرٌ كبير ، وفي آخر آية الوضوء﴿…مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

الوضوء مأخوذ من الوضاءة .. وهي الإشراقة والضياء والنور والصفاء والحسن والنظافة ، وهي الحالة التي يكون عليها باطن المتوضئ وظاهره حينما يتوضأ ؛ فهو علامة الإيمان .. قال – صلى الله عليه وسلم – : ” وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا الْمُؤْمِنُ ” رواه ابن ماجة .

أيها المسلمون .. منزلة الوضوء في الإسلام منزلةٌ عالية ؛ فهو نصف الإيمان كما في صحيح مسلم : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ” .. الوضوء عبادةٌ مستقلةٌ وقربةٌ كاملة حتى ولو لم تعقبه صلاة .. إن الأمر ليس مجرد غسلٍ للأطراف وإزالةٍ للأقذار .. إنه أعلى وأجل ؛ فالوضوء عبادة والوضوء محوٌ للذنوب وكفارةٌ للخطايا ورفعةٌ للدرجات وسببٌ لدخول الجنة وحرزٌ من الشيطان وحفظٌ من الشرور ومنافع للقلوب والأبدان ..

وهاكم أيها المتوضئون طائفةٌ من أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها البشارة والتحريض : فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ، خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ ، أَوْ نَحْوَ هَذَا ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهُمَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ . ” رواه مسلم .

وعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال : ( قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” مَنْ تَوَضَّأَ ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ” رواه مسلم .

اقرأ أيضا  العشر الأواخر من رمضان وزكاة الفطر

وعنه – رضي الله عنه – قال : ( قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً ، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ” .رواه مسلم .

وفي صحيح مسلم أيضا : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ ” ، قَالَوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ” .

وفي الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ ثم قال : ” مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ” .

أيها المسلمون .. أيها المتوضئون .. الوضوء سيماء المؤمنين وشعار هذه الأمة بين العالمين ، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ” رواه البخاري ومسلم .

وفي الصحيحين أيضا : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ ” .

وفي صحيح مسلم : ” لَيْسَ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ” .. وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يمد يديه ويقول : ( سمعت خليلي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ” ) .

عباد الله .. الوضوء ينشط الجوارح ويزيد حركة الدم في البدن ويعيد فيه قوته ونشاطه وحيويته ، ويوقف العبد أمام ربه بطهارةٍ وروح عالية ، ويجلب محبة الله للعبد : ﴿… إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ . وفي سورة التوبة : ﴿… فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ .

وأعظم ما يُشترط له الوضوء الصلاة ، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين .. والوضوء مفتاحها ، ولا يقف المتعبد في محراب الصلاة إلا متوضئا ؛ ففي الصحيحين : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ” .. وفي صحيح مسلم : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ “.

وفي الأمر بالوضوء وصفته يقول الله – عز وجل – : : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ….﴾ ، وهذه من أعظم آيات الأحكام كما قال ابن تيمية – رحمه الله – وقال ابن العربي – رحمه الله – : ( فيها ألف مسألة ) ، وصدقوا .. فإن فيها من الأحكام والحكم ما لا ينقضي منه العجب .. ومنه صفة الوضوء ، وهو : غسل الوجه مع المضمضمة والاستنشاق ، ثم غسل اليدين إلى المرفقين ، ثم مسح الرأس والأذنين ، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين كما توضا النبي – صلى الله عليه وسلم – فعن حمران مولى عثمان : أن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – دعا بوضوء فتوضأ ؛ فغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين

ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ” رواه البخاري ومسلم .

اقرأ أيضا  خطبةٌ بعنوان: قبسٌ من حقوق النبي ﷺ

هذه هي صفة الوضوء الكاملة ، والتي ينبغي على المسلم العناية بها وأن يستوعب جميع أجزاء أعضاء الوضوء بلا إهمال ولا وسواس .. وقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – من تعجل في الوضوء فبقي في عقِبِه شيءٌ لم يصله الماء فقال : ” وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ” مخرج في الصحيحين ، وفيه أيضا : ” وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ “.

وثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ وغسل أعضاءه مرة مرة ، وتوضأ أخرى فغسلها مرتين مرتين ، وتوضأ أخرى فغسل أعقابه ثلاثًا ثلاثًا ، وقال : ” هَكَذَا الْوُضُوءُ ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ ” حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجة . . ومنه يُعلم أن الزيادة على الثلاث وسوسةٌ من الشيطان وغلوٌّ وتنطعٌ وإسرافٌ منهيٌّ عنه ، والشيطان حريصٌ على إفساد عبادة الإنسان بالغلو والوسوسة .. قال الحسن البصري – رحمه الله – : ( إن شيطانًا يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان ) .

وإن مما تقطع به الوسوسة : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، وكذلك نضح الفرج بالماء بعد الوضوء – كما ثبت في الصحيح – حتى يعلم أن البلل من الماء لا من البول فيقطع طريق الوسواس .

أيها المسلمون .. أيها المتوضئون .. وإذا ختم المسلم وضوءه بالشهادتين فُتِحت له أبواب الجنة .. عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال : ( كانت علينا رعاية الإبل ، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي ، فأدركت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائما يحدِّث الناس ، فأدركت من قوله : ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ” .. قال : فقلت : ما أجود هذا ، فإذا قائمٌ بين يدي يقول : التي قبلها أجود ، فنظرت فإذا عمر ، فقال : إني رأيتك جئت آنفا قال : ” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوُضُوء،َ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ” رواه مسلم . وفي رواية صحيحة عند أبي داود : ” اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ” .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(6) ﴾

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله .. الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر ، والشكر كثيرًا وقد تَأَذّنَ بالزيادة لمن شكر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .. خير من توضأ وتطهر ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر.

أما بعد ، أيها المسلمون .. فإن الوضوء ليس مرتبطًا بالصلاة وحسب ، بل هو مشروعٌ في مواطن كثيرة مندوبٌ إليه في كل حال ؛ فهو مشروعٌ عند النوم كما في حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له: ” إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ…. ” الحديث متفق عليه .. وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ ، فَلَا يَسْتَيْقِظُ مِنْ لَيْلٍ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ كَمَا بَاتَ طَاهِرًا ” أخرجه أحمد والطبراني في (الكبير) ..

اقرأ أيضا  هذه عشر ذي الحجة قد أهلت

كما أنه مشروعٌ عند الاستيقاظ من النوم ، كما في حديث : ” يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ …” الحديث .

ومشروعٌ عند الغضب لإخماد ثوران النفس وإطفاء حرارتها ودحر الشيطان ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ‏ ” ..

كما يشرع للجنب إذا أراد أن يجامع أهله مرة أخرى أن يتوضأ ؛ فإن ذلك خيرٌ له وأنشط لبدنه ونفسه ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا “رواه مسلم .. بل حتى إذا أراد الجنب أن يأكل أو ينام قبل الاغتسال فيسن له أن يتوضأ ، كما قالت عائشة – رضي الله عنها – : “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَام تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ” رواه مسلم .

اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين .

ثم اعلموا – رحمكم الله – أن الله قد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه فقال – سبحانه – : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56) ﴾ ..اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء – أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن سائر صحابة نبيك أجمعين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين .

اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .. اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا .. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ به للبر والتقوى ، اللهم وفقه ونائبه وإخوانه وأعوانهم إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد .. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .

اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يارب العالمين ، اللهم اجمعهم على الكتاب والسنة ، وانصرهم على عدوك وعدوهم يارب العالمين ..

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين .. اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين ، وفك أسر المأسروين ، واقض الدين عن المدينين ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين.. اللهم اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، ويسر أمورنا ، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا .

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا أنك أنت التواب الرحيم .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

 المصدر: منبر الجمعـــــــــــــــــة من الحــــــــــــــرم المكـــــــــــي

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.